نهاية مرحلة… بداية مرحلة

writers_20150914_726328877.jpg
حجم الخط

 

 

واضح تماما اننا نقف على عتبة تطورات جذرية على صعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، اساسا، وعلى صعيد الصراع العربي الصهيوني بشكل عام.
علامات هذه التطورات المرتقبة عديدة ومتنوعة، ويمكن تسجيل الاهم بينها على النحو التالي:
ـ أَن يعيِّن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، صهره وزوج ابنته ايفانكا، الاقرب إلى أُذنه وعقله، وربما إلى قلبه ايضا، وهو جاريد كوشنر، مسؤولا عن حل ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هو تعيين يحمل دلالات قصوى وتبعات كبيرة. فعلاقة ترامب شخصيا وعائليا بكوشنر، ليست كعلاقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع مبعوثه الاول لحل القضية الفلسطينية، جورج ميتشل، «مهندس اتفاقية السلام في ايرلندا الشمالية»، ولا كعلاقة أوباما مع جون كيري، رغم انه ولّاه وزارة الخارجية في ادارته، وكلفه بمعالجة قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والصراع الاشمل: الصراع العربي الصهيوني. ترامب سيضع كل ثقله، في اعتقادي، لمنع فشله.
ـ أَن يحرص الرئيس الأمريكي، على إضفاء الحرارة البالغة على استقباله رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في البيت الابيض، بعد ستة وعشرين يوما فقط من تسلمه الرئاسة في أمريكا، واطلاق التصريحات الحميمة له واخراج هذه الزيارة على مستوى اخراج افلام هوليوود، بهدف احتضان نتنياهو وبث رسالة طلاق من أجواء الأزمة التي سادت مع أوباما. وقد يكون في هذا عناق الدب الذي يتيح لترامب حيزا للاملاء وليس فقط لتأكيد التحالف الوثيق. 
ـ ثم ان يرسل الرئيس الأمريكي ترامب ممثله لـ»المفاوضات الدولية»، في اول رحلة له بعد تعيينه في هذا المنصب الرفيع، إلى اسرائيل وفلسطين، ولاجراء لقاءات مع الملك الاردني، عبدالله الثاني، وربما غيره، يعني ان الادارة الأمريكية جادة في مسعاها للتعاطي مع القضية الفلسطينية بهدف التوصل إلى حل او تسوية ما لها، لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وليس «ادارته»، كما شهدت العقود الاخيرة.
ـ أَن يتصل الرئيس الأمريكي ترامب، بالرئيس الفلسطيني ابو مازن، ويدعوه لزيارة واشنطن، للتباحث في حل القضية الفلسطينية، يشكل اشارة وتطورا في غاية الاهمية، إلى ان الادارة الأمريكية برئاسة ترامب جدية في ما تعلنه وما تسعى اليه، وهو «حل» القضية الفلسطينية، وليس ادارتها، كما شهدناه على مدى العقود الستة الماضية.
ـ أَن يستقبل الرئيس الأمريكي ترامب، الامير محمد بن سلمان، وليُّ وليِّ العهد السعودي، المعروف عنه انه «الزمبرك» الذي يتم اعداده لنقل المملكة العربية السعودية من عصر قديم إلى العصر الحديث والقرن الحادي والعشرين، والتفكير والتخطيط والاعداد إلى خمس عشرة سنة مقبلة ايضا،قد يشكل هو ايضا واحدا من الاشارات على جدية في السياسة الأمريكية.
واضح ايضا ان اسرائيل عموما، وحكومتها اليمينية العنصرية، فقدت كثيرا من قدرتها، التي كانت بلا حدود، على المناورة في الساحة الأمريكية. فبمسلسل الاخطاء التي ارتكبها نتنياهو على مدى فترة رئاسة أوباما، ادى إلى اهتزاز صورة اسرائيل في صفوف الحزب الديمقراطي، ناهيك عن الجامعات وبعض الكنائس الأمريكية، ولم تعد «الطفلة المدللة» والمدلوعة ايضا عند هؤلاء. وبعد هذا الضرر الذي لحق بها، فان اسرائيل شديدة الحرص على عدم التسبب في أي صدام، او ازعاج او تردد حتى، في تنفيذ رغبات سيد البيت الابيض اليميني والحزب الجمهوري.
ليس ادل على ذلك من تراجع نتنياهو عن وعده ببناء مستوطنة/مستعمرة جديدة، بديلة لمستوطنة/مستعمرة عمونة التي تم اخلاؤها قبل اسابيع، اضافة إلى تكرار وزير الدفاع الاسرائيلي العنصري، افيغدور ليبرمان، لتصريحات بضرورة الامتناع عن أي عمل دون تنسيق مسبق مع الادارة الأمريكية، وضرورة عدم التسبب في أي خلاف معها. على ان الاكثر وضوحا من نتنياهو وليبرمان، في التعاطي مع كيفية التصرف مع الادارة الأمريكية، كان الرئيس الاسرائيلي اليميني اللبرالي، رؤوبين ريفلين، الذي تحدث في افتتاح مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا قبل ثلاثة اسابيع، حيث قال: «يمكن لنا ان نرتب الاولويات في القضايا الهامة، في السياسة الخارجية الاسرائيلية، على النحو التالي: رقم واحد علاقاتنا مع أمريكا. رقم اثنين علاقاتنا مع أمريكا. رقم ثلاثة علاقاتنا مع أمريكا».
من كل هذة التحركات والقرارات والتصريحات، الأمريكية اساسا، والتجاوب الاسرائيلي معها تاليا،على مدى الشهرين الماضيين، تتضح حقيقة ان هناك تغييرا في الوضع السياسي والتحركات باتجاه التعامل بجدية اكبر مع قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
ملامح الحل التي تبدو في الافق، جراء هذه السياسة الأمريكية الجديدة، ليست واضحة مئة في المئة، لكن كل المؤشرات المتسربة من مصادر عديدة، تشير إلى ان «الصفقة» التي يريدها ترامب، والتي اوكل صهره كوشنر بتربيط خيوطها وجمع زواياها وتفصيلها، اقرب ما تكون من «المبادرة العربية» التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي ذكرت مصادر اخبارية في حينها، ان من وضع خطوطها الاولى، وزير الخارجية السعودي الحالي عادل الجبير، ايام كان مستشارا لولي العهد الأمير عبد الله، كشفت الاجهزة الأمريكية عن محاولة إيرانية لاغتياله عندما شغل منصب سفير السعودية في واشنطن.
ستتضمن هذه «الصفقة»، على ما يبدو، وفي حال تحققت، رزمة اتفاقيات متكاملة، تبدأ بتسوية ما، تحلحل ما امكن من العقد المتشابكة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي،واولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمته القدس العربية، حسب ما طرحه الرئيس بيل كلينتون، وتتابع حلحلة ما يتبقى منها، وما بين المرحلتين يتم انجاز اعتراف الدول العربية والإسلامية بوجود اسرائيل رسميا، مع كل ما يترتب على ذلك.
هل هذا جيد لفلسطين؟ نعم بالتأكيد. هل هذا كافٍ لفلسطين؟ ابدً بالتأكيد. لكن هذا هو الممكن الوحيد في هذه المرحلة.
اكثر من ذلك: ان ذلك مشروط بان تكون هناك مؤسسة فلسطينية متماسكة تستوعب هذا الانجاز الكبير، وتستفيد منه، وتطوره، وهذا يحتاج إلى تغيير كبير وجوهري في اسلوب التصرف لدى مجموع القيادات على الساحة الفلسطينية، اسلوب مبني على اعتماد سعة الصدر وسعة الافق، والسعي بصدق للتكامل بدل التناحر، تُرقي الاداء الفلسطيني وتغنيه وتلائم احتياجات المرحلة. فبامكان سياسة فلسطينية حكيمة وشجاعة لأن تحقق مكاسب ملموسة للشعب الفلسطيني في شتى اماكن تواجده. ذلك ممكن في حال نجحت فتح في العودة إلى ما كانت عليه، واعادة وقوفها بعد كبوتها الحالية، واعادة منظمة التحرير إلى المكانة الجديرة بها، واولى الخطوات هي عقد دورة للمجلس الوطني، بعد طول غياب، وانهاء الانقسام الفلسطيني الذي تسببت فيه اسرائيل، وهي المستفيد الوحيد منه.

عن القدس العربي