يعود شباب فلسطين مجدداً ليثبت حضوره وتفاعله، يتقدم الصفوف، ويتجاوز القيادة، يحمل السلاح، ويتبنى مشاريع الوحدة بحق، ينتصر لقضيته، ويلفظ المعاني الخارجة عن قاموس الثورة الفلسطينية، يحترم التضحيات ويحلم بالتحرير، يزرع الوعي ويقدم الدماء.
مؤشرات هامة أسوقها في معرض الأحداث المتلاحقة في خضم التفاصيل التي تعيشها الضفة المحتلة وقطاع غزة، وما بين النموذج هنا وهناك تخرج بشارة الأمل بانتصار برنامج الثورة، ومطالب الوحدة المنسجمة مع تطلعات شعب محتل يعاني قهر الاحتلال وجبروته.
رأينا باسل الأعرج وهو يقدم مثالاً للشاب الفلسطيني الواعي، الناضج بفكره وأسلوبه وأدواته، تعرفنا بعد شهادته على أسرته الوطنية في تفاصيل أدائها، وفي احترامها لخياره ونهجه، وهي التي وفرت له البيئة الوطنية التي يتعمد البعض مجابهتها، ويشعر بغربته بين أهلها.
رسائل الوعي التي وزعها باسل بمحاضرة هنا، وبرحلة استكشاف هناك، وجدنا ثمارها في أمواج البشر التي رافقت جثمانه في وداعه الأخير، لنجد الشباب المنتفض في الضفة المحتل يشتعل يقيناً بدعوات باسل ويفتخر ببطولته ويقسم على مواصلة نهجه.
هذا الشباب الذي يحاول البعض تغريبه أو الادعاء بتفاهته. يتجاوزهم، ويربك حساباتهم الخاصة. يندفع نحو الاشتباك، ويلتحم في معركة الوعي مع أعداء الثورة وأبطال التخابر مع الاحتلال، يصنع مستقبله بيده ويبتعد عن مغنم السلطة.
لقد أتاحت تكنولوجيا الاتصال لشباب الوعي الفلسطيني، مساحة مهمة من التواصل ، وتجد شبكات التواصل الاجتماعي مزدحمة بتفاعل هذا الشباب مع قضاياه الوطنية-منهم على قراقع وغيره- هذا التفاعل الذي يلتف حوله الشباب يؤكد أن أزمتهم عميقة. وأن القوى السياسية تراجعت، وان القوة الحية التي تنبض باسم الجماهير هي ذات الشباب.
إن الحديث عن استثمار الشباب في سياق حركة النضال الفلسطيني مهم، لكن الإشارات التي يرسلها الفدائي الشاب الذي يحمل سكينه ليطعن عدوه، أو يحمل قلمه لينشر الوعي بين أقرانه، أو يمتشق رشاشه ويطلق رصاصه في اشتباكه المباشر مع المحتل، يبعث في النفس الطمأنينة أن ما تضخه الماكينة الإعلامية المحبطة عن تراجع الشباب وتغير الأولويات وانحدار المستويات، هي رسائل تغريب للشباب، وأن ذلك هو محض افتراء وادعاء، يقابله فعل ونشاط يَنّمُ عن ثقافة ومسئولية، ووعي يصنع الملحمة، ويعبر عن حقيقة مواطنته وانتماءه.
عندما تجد شباب يتجرد من لغة المصلحة الشخصية، ويبتعد عن طرق طبول الولاء لأصحاب السيادة، ينتفضون تحت علم فلسطين، وبعيداً عن أجندات أحزاب السلطة، فهذا يعني أن صلاح الدين سيتقدم من جديد. وما يشغل الاحتلال هو عجزه عن مجابهة هذا الجيل الذي يصنع الانتفاضة، ويندفع نحو قضايا الأمة، وينسحب من صراعات قادتها على مغنم الكرسي تحت الاحتلال وبساطير جنوده.
أما في غزة فقد جمعتني الظروف بشباب واعٍ ملتزم، يجتمع في ثنايا احد المراكز الثقافية، ويتناقش في ما كتبه محمد إقبال في تجديد التفكير الديني، راقبت نقاشهم، واستمعت لحوارهم، وأعجبت بأدائهم، يكاد يكون المشهد من ثنايا تاريخ قديم، لكن المحاضر الذي يزرع مفاهيم التجديد في ثلة الشباب هذه بمشاركة آخرين، يدفع في النفس مزيداً من الثقة بأن منابر الوعي ما زالت حاضرة، وان روادها يؤمنون بان توليفة الإيمان والوعي باكورة للثورة.
يبحثون في علّاتِ الأمة، ويتبادلون أطراف حديث فلسفي يثير في النفس التأمل، وتذهب مداولاتهم بالمستمع نحو يقين بدور إنساني في هذا الوجود. لكن الخصوصية الفلسطينية تفرض نفسها وتعبد الطريق لهذا الشباب بان ينطلق مجددا نحو ثورته بوعيه وإيمانه.
الواقع الفلسطيني الحالي ينتظر مزيداً من التدحرج لكرة اللهيب، والمواجهة قادمة سواء كانت في غزة أو في الضفة المحتلة وان كانت بنسب أكبر في الضفة، وحالة التصعيد التدريجي التي تصيب أركان المعادلة فيها تجعل من تغيير الواقع الذي فرضته عملية السور الواقع قاب قوسين أو أدني، وانتفاضة القدس تسجل أداء متأرجحاً ينتظر حسماً من القواعد الشعبية لتدخل في هبة شعبية شاملة، وقادرة على تغيير المشهد بأكمله بما في ذلك سلطة التنسيق الأمني التي سقطت من وعي الجمهور والشباب تحديداً.
زغرودة زفة الشهيد المثقف الشاب الأعرج دوت في بيوت كل الفلسطينيين، والتحية العسكرية التي رسمت ثبات والده على الأكتاف، ترسل معنى كبير لمفهوم الوحدة الثورية، والعلم الفلسطيني المرفرف في موكبه انتصار لوطنيته، والجماهير المحتشدة استفتاء على خياره ورسالة للبعيد والقريب!!