الورقة الثانية فى ملف «سرى جداً» تخص محمد دحلان، القيادى فى حركة (فتح) فى قطاع غزة والمسئول السابق عن الشئون الداخلية خلال عهد الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، والذى انفتحت عليه النيران بعد قرار اللجنة المركزية لحركة فتح بفصله وإنهاء أى علاقة رسمية له بالحركة، كما قررت فى اجتماعها الذى عقدته فى رام الله، وبعد الاستماع إلى تقرير لجنة التحقيق المشكلة من أعضاء من اللجنة المركزية أحالته إلى القضاء فيما يخص القضايا الجنائية والمالية وأى قضايا أخرى،
لا يحتاج «دحلان» إلى تعريف، ولا تاريخه إلى توضيح، لكن ما يحتاج التفسير هو موقف الرئيس أبومازن، الذى قرر فجأة إنهاء الأمر بالتصعيد العلنى.
وثيقتان تتوسطان الملف تتحدثان عن الواقعة: الأولى أرسلت من رام الله بتاريخ (9 - 1 - 2009) تحت عنوان: «تطورات التحقيق مع محمد دحلان» جاء فيها:
فيما يلى ما ذكره مصدر بمكتب محمد دحلان للزميل الملحق جمال عطا فى هذا الشأن:
1- أفاد بأن محمد دحلان، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قد مثل أمام لجنة التحقيق المشكلة من أعضاء اللجنة المركزية يوم 2 الحالى للنظر فى بعض الاتهامات الموجهة له بالتحريض ضد الرئيس عباس فى أوساط حركة فتح، مشيراً إلى أن استقالة أبوماهر غنيم من رئاسة اللجنة المذكورة جاءت كرد فعل على ما يراه من عدم جدية الاتهامات الموجهة إلى دحلان.
2- أكدت اللجنة أنها ناقشت «دحلان» فى قضيتين رئيسيتين، الأولى هى الاتهامات الموجهة إليه بعقد اجتماعات مع 25 من أمناء السر وكوادر حركة فتح فى الضفة الغربية أبدى فيها «دحلان» اعتراضاً على الأوضاع التى آلت إليها الحركة تحت قيادة الرئيس عباس، والثانية تتعلق بتضخم الثروة الخاصة بدحلان.
3- فيما يتعلق بالقضية الأولى، ذكر أن واحداً من أعضاء الحركة ويدعى عونى المشنى، أحد المرشحين لعضوية اللجنة المركزية فى المؤتمر السادس لحركة فتح، ادعى أن محمد دحلان طلب منه عقد اجتماعات مع أمناء سر وكوادر الحركة فى الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الرئيس عباس هو الذى قدم التقرير المنسوب إلى المشنى إلى اللجنة المركزية للنظر فيه، وأن الرئيس عباس طلب من اللجنة التحقيق مع «دحلان» فى هذا الخصوص، مضيفاً أن اللجنة استدعت «المشنى» للتحقيق وطالبته بتحديد أمناء السر والكوادر التى شاركت مع «دحلان» فى هذه اللقاءات، إلا أنه رفض الإجابة.
4- أكد أن «دحلان» نفى كافة الاتهامات الموجهة له، وأن اللجنة استمعت إلى أقواله فى القضيتين، مشيراً إلى أن «دحلان» قام بالسفر إلى عمان مباشرة بعد انتهاء أعمال التحقيق معه.
5- أفاد بأن جهوداً قام بها عدد من قيادات حركة فتح للتقريب بين الرئيس عباس ودحلان، مشيراً فى هذا الشأن إلى محاولتين، الأولى قام بها سمير المشهراوى، عضو المجلس الثورى «مقرب من دحلان»، ومحمود الهباش، وزير الأوقاف، لصياغة بيان يتضمن اعتذاراً من دحلان للرئيس عباس، على أن يلقيه دحلان أمام اللجنة المركزية إلا أن الرئيس عباس رفض ذلك، وطالب باعتذار يصدر عن دحلان فى وسائل الإعلام، أما المحاولة الثانية، فقام بها روحى فتوح، وزياد أبوعمرو (وزير الخارجية الأسبق) وتضمنت محاولة لصياغة بيان يتم نشره فى وسائل الإعلام، إلا أن دحلان رفض ذلك قبل أن يحصل على ضمانات تؤكد أن الرئيس عباس لن يستمر فى التصعيد ضده فى حال صدور مثل هذا البيان.
6- أضاف أن «دحلان» فى موقف ضعيف فى مواجهة الرئيس عباس، لافتاً فى هذا الشأن إلى أن عدداً من المقربين من دحلان روّجوا فى أوساط الحركة إلى أن مروان البرغوثى يدعم «دحلان» فى صراعه مع الرئيس عباس، إلا أن مروان البرغوثى قام بتوجيه خطاب إلى أمين مقبول، أمين سر المجلس الثورى لحركة فتح نفى فيه ذلك.
7- ذكر أيضاً أن التصريحات التى أدلى بها جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخراً والتى أكد فيها وجود فارق بين الرئيس عباس باعتباره رئيساً للحركة، وكافة أعضاء اللجنة المركزية تؤكد أن دحلان يقف بمفرده فى مواجهة الرئيس عباس، وأنه لا يستطيع أن يعتمد على دعم أى من أعضاء اللجنة المركزية بما فيها التحالف الأمنى داخل اللجنة (جبريل الرجوب - توفيق الطيراوى) موضحاً أن المخرج الوحيد لدحلان من الأزمة الحالية هو ورود وساطة عربية تستطيع أن تتوصل إلى تسوية ما بينهما، لافتاً إلى أن زيارة دحلان للقاهرة فى (4 -12-2010) كانت تصب فى هذا الاتجاه إلا أن دحلان بتصريحاته التى أطلقها بعد اللقاء قام بإفساد هذه الجهود قبل أن تبدأ فى ضوء الغضب الذى ألم بالرئيس عباس عند وصول التصريحات إليه.
8- أشار أيضاً إلى أن الطيب عبدالرحيم، عضو اللجنة المركزية للحركة أوحى للرئيس عباس بأن استمرار التصعيد ضد دحلان سوف يؤدى إلى ارتفاع شعبيته فى أوساط الرأى العام العربى الذى يرى فى دحلان مرادفاً للخيانة والعمالة لإسرائيل.
9- أكد أن سياسة دحلان حالياً تعتمد على رد الفعل، وأن الأخير يشعر بمأزق حقيقى، لافتاً فى هذا الشأن إلى التصريحات التى أطلقها «دحلان» بأنه «مخزن أسرار»، والتى تتضمن تلميحاً بإفشاء ما لديه من أسرار حول القيادة الفلسطينية إلا أن ذلك سوف يعنى إدانة «دحلان» نفسه على أساس أنه كان يتكتم على هذه المستندات لفترة طويلة، فضلاً عن أن الرئيس عباس يمتلك أيضاً العديد من الوثائق ضد «دحلان».
وفى برقية تالية تحمل صفة «سرى جداً»، أرسل مكتب التمثيل المصرى برام الله برقية معلومات تحمل عنوان: «متابعة لتطورات الخلاف بين الرئيس عباس ومحمد دحلان، فيما يلى ما علمه الزميلان الوزير المفوض طارق عبدالحميد، والملحق جمال عطا، من مصادرهما بالسلطة الفلسطينية حول هذا الأمر:
1- نتيجة للإجراءات التى اتخذها الرئيس عباس بعزل المقربين من دحلان فى الدوائر الأمنية للسلطة الفلسطينية، وذلك بإقصاء يوسف عيسى، نائب رئيس جهاز الأمن الوقائى، والذى يعتبر من أشد المقربين من دحلان، فقد اتخذ دحلان قراراً بالتهدئة حالياً وسافر لقضاء بعض الوقت مع أسرته فى دولة الإمارات أثناء إجازة العيد.
2- قام محمد دحلان بتفويض سمير المشهراوى للتوسط بينه وبين الرئيس عباس لإزالة سوء الفهم، كما أن هناك محاولات أخرى يجريها صخر بسيسو، عضو اللجنة المركزية لـ«فتح»، لرأب الصدع بين دحلان والرئيس عباس، كما قام أيضاً عدد من رجال أعمال الإمارات بجهود للتوسط بين الطرفين.
3- انتقل الرئيس عباس حالياً من مرحلة الغضب من دحلان إلى مرحلة توجيه العتاب له على ما قام به، وهو ما يشير إلى احتمال احتواء الخلاف بين الطرفين، وذلك رغم وجود جناح داخل اللجنة المركزية لـ«فتح» يحاول إبقاء جذوة هذا الخلاف مشتعلة.
4- أن الخلاف الذى نشب بين دحلان والرئيس عباس هو أمر يحدث بشكل شبه اعتيادى بين الرئيس عباس والقيادات الفلسطينية فى كل من اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية للمنظمة، كما أنه يأتى فى إطار قيام القيادات الفلسطينية الحالية (أعضاء المركزية والتنفيذية) بإعداد أنفسهم وتأهيلهم لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.
التقدير: أن الخلافات والصراعات الشخصية التى تندلع بين الحين والآخر بين أعضاء القيادة الفلسطينية، فضلاً عن سياسة المحاور السائدة فيها، وتنقل القيادات الفلسطينية حتى قبل إنشاء السلطة الوطنية تجعل من الصعب بناء أحكام أو استنتاج نتائج قاطعة فيمن وراء هذه الأحداث، حيث تتغير طبيعتها ومكوناتها، إلا أن الأمر الثابت هو عدم وجود تحدٍ داخلى جدى خلال هذه المرحلة لزعامة الرئيس عباس.