كنت أتوقع تبديد الغيوم التي تلبدت, ولفترة قصيرة, في سماء العلاقات الأردنية الفلسطينية، والفلسطينية المصرية.
كان توقعي منطلقا من أن أسباب الأزمة إن صح التعبير، أقل بكثير من حاجة الأطراف الثلاثة لعلاقة مستقرة يعبرون بها الاستحقاقات الراهنة والمستقبلية، الأردن مقبل على قمة عربية يحرص على أن تتم في جو وئام يخلو من الأزمات الثنائية، ومصر ستخوض حوارا استراتيجيا رئيسا مع الإدارة الامريكية الجديدة، والمسألة الفلسطينية في قلب جدول الاعمال.
وفلسطين التي تكابد مشقة تجاهل لم تتعود عليه، وغموض في سياسة عرّاب العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية أمريكا، وهذا الغموض يفتح الأبواب واسعة لكل الهواجس والتوجسات السلبية والخطرة.
منطقياً لا يمكن مواجهة هذه الاستحقاقات الا بتفاهم ثلاثي أردني مصري فلسطيني، يدعمه جدار عربي تعتبر دول الخليج حجارته واسمنته، إذ بغير هذا لن يصغي احد في العالم لاطروحات العرب، ولن يكون لها في مجال التأثير على المواقف والسياسات أي وزن.
السؤال: كيف لا تكون العلاقات الفلسطينية مع الجوار الأقرب عرضة لاهتزازات وانتكاسات وتعثرات، وكيف نوفر استقرارا دائما لهذه العلاقة ذات الخصائص المصيرية، في زمن قد تفتح فيه قضايا الإقليم جميعا على مستوى الدول المقررة في العالم، ولا مناص من ان تكون قضيتنا في صلب الموضوع؟
وكيف نوفر لهذه العلاقة صمودا في وجه الانقلاب الإسرائيلي على المعادلات القديمة، والعمل الإسرائيلي الدؤوب لخلق معادلات جديدة قوامها ان العرب لم يعودوا أعداء بل هم حلفاء؟
الأمر في هذه الحالة يحتاج الى تحليل ثلاثي مشترك للمستجدات السياسية يؤدي الى تفاهم تفصيلي موثق وملزم لكل الأطراف في امر التعاطي مع المستجدات، وآليات لعمل مشترك على الصعيدين الداخلي والخارجي، كي يتعامل العالم كله وليس أمريكا وإسرائيل وحدهما، مع جسم ذي مصداقية معافى من الثغرات والتناقضات.
ان العلاقة الثلاثية تُركت ولفترات طويلة للارتجال ورد الفعل وشعارات المجاملة، وهذا أدّى الى توليد اضطرابات وشكوك متبادلة، اضعفت بالمحصلة مكانة الجميع وقدراته على التأثير، وفتحت الأبواب واسعة لتدخلات من جهات شتى لا تعدم الوسائل الفعالة لتغذية الخلافات وايصالها حد القطيعة.
الأطراف الثلاثة وأكبرها مصر تنتمي الى معسكر الاعتدال في الشرق الأوسط، وفي أي اتجاه تقرر الدول العظمى ان تسير فلا مناص من التعاطي مع هذا الثلاثي الهام، فإن ذهب العالم الى حل الدولتين بعد كل الانتكاسات التي المّت به، او ذهب الى صيغة موازية او مكملة باتجاه الامن الإقليمي وكانت له "بروفا" ذات دلالة في لقاء العقبة السري، فإن الثلاثي لابد وان يكون على هذا الصعيد جسما تفاوضيا واحداً، فلا مردود في هذا الزمن لغير أصحاب الأوراق الكبيرة المدعومة بقوة فعلية على الأرض.
في هذا السياق الزيارات وحدها لا تنفع، والمؤتمرات التقليدية لا تقدم ولا تؤخر في موازين القوى وقدرات التأثير، أما شعارات المجاملة التي ملأت فضاء العلاقات الثلاثية سنوات وسنوات، فلم يعد ينظر اليها بأكثر مما هي خداع للذات وتضليل على الحقيقة.
ليس مطلوبا من مثلثنا المنشود ان يحقق معجزات، بل المطلوب استثمار الممكن على اكمل وجه، والممكن حتى الان هو المبادرة العربية للسلام، التي أحسنا صياغتها ولم نحسن تسويقها، وأحسنا الاتفاق اللفظي عليها ولم نحسن ترجمتها الى سياسة الزامية تؤدّى بعمل مشترك.
سنعبر قطوع القمة جميعاً بسلام، وسنأخذ من البيانات والقرارات ما يرضينا، غير ان الثقل كله حين يفتح ملف الحل في الشرق الأوسط، سيقع على كاهل مثلثنا الذي صار بحاجة الى صيانة وترميم، بعد ان كاد يتآكل لاسباب واهية.