نداء تضامني مع ريما خلف

d4dc702c82e83dedf212f7b0c0e2e638.jpg
حجم الخط

 

أضاف تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا»، الصادر عنها يوم 15/3/2017، تحت عنوان «الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري الأبارتايد»، مادة نوعية متقدمة في فهمه الكلي لسلوك وإجراءات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، واستخلاصاته التي توصل إليها، وهو ما يشكل إضافة نوعية إلى سلسلة القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية للأمم المتحدة في سجل الإدانة والخرق والتجاوزات الإسرائيلية، بحق الشعب العربي الفلسطيني ومواصلة الظلم الذي وقع عليه.
اذ لا يزال هذا الظلم قائماً من قبل حكومات تل أبيب المتعاقبة، ومستمراً بإمعانها في ممارسة التمييز العنصري، ومسببةً الفقر والتشرد وحرمان حق الحياة على أرض الوطن، الذي لا وطن له سواه، وحاجته إلى الأمن والاستقرار أسوة بشعوب العالم، واستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة، وإنصافه عبر تطبيق قرارات الأمم المتحدة وخاصة القراران 181 و194، تجسيداً لعدالة مطالبه وشرعية نضاله من أجل العودة والاستقلال. 
ولولا مصداقية التقرير، وما حوى من اثباتات لما ثارت ثائرة حكام تل أبيب، لأن التقرير وضعهم أمام المرآة في كشف حقيقة سلوكهم العدواني، بما يتعارض مع احترام حقوق الإنسان، وعرى برنامجهم الذي يحمل مواصفات عنصرية.
والتفتيت صفة ملازمة للبرنامج الإسرائيلي في عمليات قهر وإذلال الشعب الفلسطيني وإبقائه ممزقاً بشرياً وسياسياً وجغرافياً، والعمل على إضعاف حلقاته الأربع وعدم ترابطها مع بعضها البعض، من فلسطينيي مناطق عام 1948 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، إلى الشق الثاني أبناء القدس، إلى الشق الثالث أبناء الضفة والقطاع، إلى الشق الرابع من اللاجئين في بلدان المنافي والمخيمات والشتات. 
التقرير بما حوى من مضامين صادمة لحكام تل أبيب وأدواتهم، والذي خلص في مقدمته إلى أن «إسرائيل أسست نظام أبارتايد على الشعب الفلسطيني بأجمعه، في الوقت الذي يُدرك فيه مؤلفو هذا التقرير خطورة هذا الادعاء، يستنتجون أن الوقائع والأدلة تثبت، بما لا يدع للشك مجالاً، أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري أبارتايد كما تعرفها صكوك القانون الدولي».
وزادهم التقرير انفعالاً، ليس فقط لأنه من قبل مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، التي سبق لها وأن منحت شهادة الميلاد لقيام دولة إسرائيل، بل إن من وضع التقرير ورئاسة الفريق الذي أعده وصاغه، شخصية أكاديمية يهودية غير صهيونية من جنوب إفريقيا، فهو يهودي لا تستطيع الأجهزة والإعلام الإسرائيلي ومن يدعمهم اتهام ريتشارد فولك على أنه معاد للاسامية، فهو يهودي، وشخصية أكاديمية مرموقة، وله مواقف مسبقة تدين الاحتلال وضد العنصرية ونظرية التفوق اليهودي، ودفع ثمن مواقفه بما يماثل ريما خلف، فهو سبق وأن شغل منصب المفوض العام لحقوق الإنسان لدى الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الأمم المتحدة، وصاغ التقارير التفصيلية العديدة، وشكل حالة قلق وسبّب الامتعاض لقادة تل أبيب وأجهزتهم الأمنية وقياداتهم العسكرية، ما جعل التأثير الإسرائيلي ونفوذه يدفع باتجاه عدم التعاون معه واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، ودفعه نحو الاستقالة بطلب من الولايات المتحدة، وإقالته من موقعه كمفوض لحقوق الإنسان في فلسطين. 
وتقرير الأسكوا الذي خلصت فيه إلى ممارسة الأبارتايد الإسرائيلي نحو مكونات الشعب العربي الفلسطيني، ليس وحيداً في معناه ومضمونه، بل سبق للجنة أن أصدرت تقريراً مماثلاً في نهاية شهر كانون الأول 2016، حمل عنوان « الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدالة « خلصت فيه إلى حجم الظلم والقسوة وغياب حقوق الإنسان لدى النظام العربي، ما سبب امتعاضاً من قبل أطراف النظام العربي، لما حملته اللجنة الدولية من مسؤوليات على أنظمة الحكم العربية نحو شعوبها، فهي تتوسل مناهضة الظلم أيا كان مصدره، وأيا كان موقعه، ولذلك لا يمكن وصف اللجنة التي تقودها المديرة التنفيذية ريما خلف على أنها غير موضوعية في تعاملها مع الوقائع الحسية للمشهد العربي بكافة مكوناته، فالتقرير الأول الذي حمل عنوان «الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدالة» رفض صياغته واستخلاصه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون نزولاً عند رغبات المتنفذين من الحكام العرب، وها هو الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يتجاوب مع رغبات الأميركيين والاسرائيليين ويلحس جُهد الفريق الأكاديمي الذي صاغ تقرير «الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري الأبارتايد». 
تقرير الفصل العنصري الإسرائيلي الأبارتايد حصيلة جُهد أكاديمي قاد فريقه شخص يهودي وتحمل مسؤوليته، ودفع ثمنه شخصية عربية رفيعة التهذيب والخُلق رفضت بكبرياء التنازل عن التقرير وشطبه وكأنه لم يكن، ولكنه وإن تمت إزالته عن صفحة الأسكوا كما حصل للتقرير السابق، فهو لن يُمحى من ذاكرة الذين يحملون ضمائر حية في أعناقهم، ولن يُلغي واقع التسلط والفاشية والعنصرية والتمييز الذي تمارسه أجهزة وحكومات وجيش المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، مثلما لن يلغي واقع الظلم والمأساة وغياب حقوق الإنسان الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، وفي الحالتين تم إدانة الطغاة وتعريتهم. 
السؤال؛ ما الذي يمكن أن تفعله القوى والمؤسسات والفعاليات التي تهتم بحقوق الإنسان، وحقوق الشعب الفلسطيني وتتضامن مع معاناته وتعمل من أجل استعادة حقوقه المشروعة العادلة ؟؟ المطلوب توجيه مذكرات برلمانية وحزبية ونقابية ومن قبل مؤسسات المجتمع المدني لتوقع بالملايين وتوجيهها نحو مقر الأمين العام للأمم المتحدة مطالبة بإقرار تقرير الأسكوا ونشره واعتماده من قبل الأمم المتحدة، بل ونشره باعتباره وثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة.
الصراع في فلسطين بين الشعب والاحتلال، بين المظلوم والظالم، بين الحق والباطل، بين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، صراع لا حياد فيه، وعليه يتطلب الامر تشكيل روافع داعمة لنضال الفلسطينيين في وجه تسلط وعنصرية وفاشية القطاع الأوسع من الإسرائيليين، وإذا كان ثمة أقلية لدى الإسرائيليين تعي حقيقة نظامهم الاستعماري وممارساته العنصرية الفاقعة الأبارتايد، فتوسيع شبكة العمل الكفاحي الفلسطيني المدعوم عربياً وإسلامياً ومسيحياً، سيجعل من هذه الأقلية اليهودية والإسرائيلية أكثر شجاعة كي تتسع قواعدها ومؤيدوها وتكبر ويكون لها الثقل والقرار وصولاً إلى التعايش والشراكة والندية بين الشعبين اللذين لا خيار لهما وأمامهما سوى الانحياز نحو تقاسم الأرض بدولتين مجاورتين، أو تقاسم السلطة في إطار حل الدولة الواحدة ثنائية القومية متعددة الديانات تحتكم لنتائج صناديق الاقتراع.