الجنرالات غير متفقين على تحديد "التهديد الوجودي الأول" لإسرائيل

20172503093729.jpg
حجم الخط

-تامير بردو: استمرار الاحتلال..
- غادي آيزنكوت: "حزب الله" ..
- يوسي كوهين: إيران ..
حضر ثلاثة قادة رفيعو المستوى في الجهاز العسكري، هذا الأسبوع، وطرحوا افكارهم حول التهديدات ضد اسرائيل والتحديات التي تواجهها، ورغم أن تقديراتهم متشابهة، إلا أن الامور التي شددوا عليها مختلفة كلياً.
تحدث الثلاثة في اجتماع عقد في الكلية الاكاديمية "نتانيا" في ذكرى مرور عام على موت مئير دغان، رئيس "الموساد" في السنوات 2002 – 2010. اثنان من الثلاثة – رئيس الاركان غادي آيزنكوت ورئيس "الموساد" يوسي كوهين، في منصبهما، والثالث، تمير بردو، كان رئيس "الموساد"، حتى العام الماضي.
وضع آيزنكوت "حزب الله" على رأس التحديات. وأكد على أن "حزب الله" ارسل ثلث قوته البشرية الى الحرب في سورية، وأنه قتل 1700 من مقاتليه وأصيب 7 آلاف مقاتل. ونتيجة ذلك، هو يواجه ازمة متعددة الوجوه: "من اجل ماذا نحارب، ازمة اقتصادية وازمة قيادية"، قال آيزنكوت. من جهة اخرى، المشاركة في الحرب السورية تُمكن "حزب الله" من كسب تجربة قتالية سيستخدمها في حال اندلاع الحرب مع اسرائيل، رغم أن أغلبية الخبراء يتفقون على أن الحرب غير محتملة في المدى المنظور.
كوهين، في المقابل، الذي ظهر لأول مرة أمام جمهور واسع، رغم أنه تحدث عن "حزب الله" و"حماس"، أكد على ايران، وأشار الى أنه "طالما أن النظام الحالي قائم، مع الاتفاق النووي أو بدونه، فان إيران ستستمر في كونها تهديدا وتحديا أول لاسرائيل. وتحدث عن الحاجة الى "ملاحظة فرص التعاون والتفاهم، وفوق كل شيء السلام". وفي الوقت ذاته معرفة أن "التهديد واضح، وسيستمر هكذا في السنوات القادمة: ايران تؤثر بشكل سلبي على كل المنطقة ولم تتنازل عن طموحها النووي".
بردو في المقابل كان أقل تحليلا لكن اكثر وضوحا. فقد تحدث كنبي محذر. وذكّر بدغان، الذي أسمع رأيه ضد قيادة نتنياهو بعد انهائه منصبه في "الموساد". وخلافا لدغان أكد بردو على أنه لا يريد التوجه الى السياسة. وحسب رأيه فان الخطر الاكبر الذي يهدد اسرائيل ليس "حزب الله" أو ايران، بل عدم وجود حل للقضية الفلسطينية، الامر الذي سيحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية. باختصار، المشكلة حسب رأيه هي الاحتلال.
توجد هذه الاقوال منذ خمسين سنة، منذ احتلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب "الايام الستة". وكان معارضو الاحتلال في حينه قلة. حركة "متسبين"، التي اعتبرت يسارا راديكاليا وكانت مراقبة من قبل "الشاباك"، كانت أول من كتب على الجدران في تل ابيب شعار "كفى للاحتلال" بعد الحرب بفترة قصيرة. اضافة الى ذلك، هناك عدد من السياسيين (اسحق بن اهارون)، محللون وصحافيون (اوري افنيري) وعدد من المثقفين (البروفيسور يعقوب تلمون والبروفيسور يهوشع اريئيلي، والاكثر فظاظة منهم يشعياهو لافوفيتش) الذين تحدثوا بشكل علني ضد الاحتلال.
الاعتراف بضرورة وضع حد للاحتلال بدأ مع مرور الوقت بالانتقال من اليسار الراديكالي الى الوسط، ومن هناك الى اجزاء في اليمين، الى درجة الاعتراف بحل الدولتين. في السنوات الاخيرة أصبح المزيد من المسؤولين، ومن ضمنهم رؤساء "الشاباك" و"الموساد" ورؤساء الاركان وجنرالات في الجيش، يتحدثون عن هذا الامر علنا بعد إنهائهم مناصبهم. هذه الاحاديث لم يرض عنها رجال اليمين. رئيس الائتلاف، دافيد بيتان، اتهم قبل بضعة اشهر مسؤولين في الجهاز العسكري بالمرض الاصعب في النقاش الاسرائيلي الآن، "اليسارية". وتساءل: ما الذي يحدث لهم هناك في الجهاز العسكري ويحولهم الى يساريين؟".
في هذه الاثناء ينضم الى "المرضى" بردو ايضا. فحسب تقديره "هناك تهديد واحد لاسرائيل وهو قنبلة زمنية موقوتة. لكننا اخترنا دفن رأسنا في الرمل وحدثنا انفسنا عن حقائق بديلة، وهربنا من الواقع وقدمنا تهديدات خارجية عديدة. بين البحر والنهر يوجد أبناء ديانتين، يهود ومسلمون، عددهم متشابه. "عرب اسرائيل" هم مواطنو الدولة بكل معنى الكلمة، وهم يحصلون على الحقوق المتساوية. وباقي السكان الذين ليسوا يهوداً يعيشون في "يهودا" و"السامرة" تحت الاحتلال".
وتحدث بردو عن أنه كرئيس لـ "الموساد" التقى سراً مع معظم نظرائه في الشرق الاوسط. ولكن لأسفه "العلاقات السرية تحت الرادار هي عابرة، ومفتاح الاندماج هو العلاقات الاقتصادية، والحركة بين الدول والمجتمعات، وكل ذلك لن يحدث إلا اذا تم حل المشكلة الفلسطينية".
ببردو قلق من أنه اذا لم تتوصل اسرائيل الى اتفاق لانهاء الاحتلال "فنحن قريبون من نقطة اللاعودة، وسنصل الى الدولة ثنائية القومية التي يكون فيها لجميع المواطنين حقوق متساوية. فهل هذه هي رغبتنا وهل هذا هو هدف الصهيونية؟ هل هذا ما نريد ابقاءه لاولادنا؟ الساعة تتكتك وحان الوقت لاختيار الطريق".
ثلاثة قادة أمنيون يعرفون بعضهم جيداً وعملوا معا، لا ينجحون في التوصل الى تعريف مشترك للتهديد الحقيقي ضد اسرائيل. وهذا يؤكد انقسام المجتمع الاسرائيلي.

في 13 آذار 2016، في موقع عسكري غير بعيد عن المطار الدولي في دمشق، قتل مصطفى بدر الدين "رئيس اركان حزب الله". وفي الاعلان في اعقاب موته قيل إنه قتل بسبب انفجار وأصيب عدد من رجاله. وفي اعلان آخر قال "حزب الله" إن المنظمة أقامت لجنة تحقيق لمعرفة اذا كان قد قتل بسبب قذيفة أو صاروخ تم اطلاقه من طائرة.
الأمر اللافت في الاعلان الذي نشره "حزب الله"، خلافا لعادته في ظروف مشابهة، لم يشر في هذه المرة الى اسرائيل كمسؤولة عن قتله. مع أن اسرائيل يجب أن تكون المشتبه فيه الاساسي لأن لها حسابا طويلا مع بدر الدين، فقد كان من مؤسسي الذراع العسكرية لـ "حزب الله" وقائدا رفيع المستوى في جهاز العمليات وعمل ضد اسرائيل وضد اهداف اسرائيلية ويهودية في الخارج، مثل العملية في السفارة الاسرائيلية في بوينس آيريس، التي صادف مرور 25 سنة عليها، وبعد عامين من العملية ضد الجالية اليهودية في المدينة، العمليتين اللتين قتل فيها 114 شخصا بينهم 4 اسرائيليين.
يحاول "حزب الله" منذ العام 2008 استهداف سفارات اسرائيل والدبلوماسيين الاسرائيليين في اذربيجان والهند وجورجيا وتايلاند. وقد نجح في العام 2012 في تفجير حافلة في بلغاريا، كانت تقل سياحا اسرائيليين وقتل خمسة منهم اضافة الى السائق البلغاري. يمكن القول إن بدر الدين كان هدفاً لجمع المعلومات عنه، ويمكن ايضا أنه كان هدفا للتصفية من قبل اسرائيل.
بعد يوم – يومين على انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان في 2000، رافق بدر الدين القائد العسكري عماد مغنية، الذي كان نسيبه وابن عمه ايضا، مع ثلاثة قادة آخرين، في جولة على طول الحدود مع اسرائيل. طائرة اسرائيلية بدون طيار صورتهم وأرسلت الصور الى هيئة الاستخبارات العسكرية في الكرياه. وهناك تم التعرف عليهم، وبدأ التحضير لعملية التصفية. انتظرت القوة الأمر، لكنه لم يأت. رئيس الحكومة ووزير الدفاع ايهود باراك لم يصادق على العملية، فقد خشي من أن هذا سيؤدي الى رد من "حزب الله" وتسخين الحدود والتصعيد وتشويش انجاز الانسحاب.
يمكن القول إنه بعد ذلك ايضا، كلما تقدم في السلم العسكري استمر بدر الدين في كونه هدفا لاهتمام اسرائيل. ورغم أنه كان شكاكا وحذرا جدا وخشي على حياته إلا أن نمط حياته كان متقدا وملونا ومثيرا للاهتمام، الامر الذي ساعد من أراد تصفيته. وهو مثل نسيبه مغنية، كانت له قصص غرامية لدى زياراته سورية، وكان هاويا للغوص. وقد كان يخرج مع أمين سره في قارب صغير للصيد كي لا يجذب الانتباه ويقوم بالغوص على مسافة كيلومتر أو اثنين من شاطئ بيروت.
في التسعينيات وصلت الى اسرائيل معلومات تفيد بأن بدر الدين يوجد على متن طائرة في طريقها الى ايران. هبطت الطائرة بشكل مؤقت في الكويت، وأعطت اسرائيل المعلومة للولايات المتحدة، التي مارست الضغط بدورها على الكويت من أجل اعتقاله. ولكن الكويت، رغم وجود حساب بينها وبينه، خشيت من يد ايران و"حزب الله" الطويلة للانتقام، وطلبت من الطائرة الاقلاع بسرعة مع جميع ركابها، بمن فيهم بدر الدين.
حسب مصادر اجنبية، اسرائيل هي المسؤولة عن تصفية عدد من قادة "حزب الله" في العقد الماضي. أبرز هذه العمليات هي اغتيال مغنية الذي صفي اثناء خروجه من مخبئه في دمشق في شباط 2008. وهناك فرضية تقول إنه قد استخدم شقته ايضا للالتقاء مع صديقاته، وهناك اجتمع مغنية في تلك الليلة مع قائد قوة القدس في حرس الثورة الايراني، الجنرال قاسم سليماني، الذي يعتبر من أقوى الشخصيات المؤثرة في ايران، انطلاقا من منصبه هذا كمسؤول عن "حزب الله". عندما نزل مغنية من شقته وافترق عن سليماني ركب سيارته، وفي السيارة التي وقفت الى جانبها تم وضع متفجرات فجرت عن بعد، وقد قتل مغنية وحارسه. وحسب ما نشر في الولايات المتحدة كانت هذه عملية مشتركة لوكالة الاستخبارات الأميركية و"الموساد" (كان دغان في حينه رئيسا لـ "الموساد"). ولكن حسب تقارير اجنبية اخرى، فان العملية كانت لإسرائيل فقط.
على مدى سنة بعد تصفية مغنية، كانت هناك قيادة مشتركة هي المسؤولة عن الذراع العسكرية لـ "حزب الله"، وكان بدر الدين احد اعضائها. وعندها قرر مجلس الشورى الذي هو عضو فيه وبمصادقة سليماني والقائد الروحي في ايران علي خامنئي، تعيين بدر الدين وريثا لمغنية.
بعد تصفية بدر الدين كانت هناك تقارير مختلفة ومتناقضة حول هوية الجهة التي قررت قتله. فقد كان له الكثير من الاعداء، ومن ضمنهم السعودية (بسبب دوره في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في العام 2005). وقد كان معتقلا في الكويت في الثمانينيات، وهرب من هناك بعد غزو جيش صدام حسين في العام 1990. دول غربية اخرى، منها الولايات المتحدة، وضعته في قائمة الارهابيين المطلوبين – ارادت وضع اليد عليه. تنضم اسرائيل بالطبع الى كل ذلك، والتي تم ذكر اسمها في بعض التقارير (بما في ذلك كاتب هذه السطور). رغم أن الامين العام لـ "حزب الله"، حسن نصر الله، لم يتهم اسرائيل بهذا العمل، بل قام بتبرئتها من المسؤولية. بعد انتهاء التحقيق ألقى نصر الله المسؤولية على منظمة متمردين سنة ("داعش" أو "القاعدة").
قبل اسبوعين بثّ تلفاز "العربية" التابع للسعودية تحقيقا يقول إن مرؤوسي بدر الدين في "حزب الله" هم الذين قتلوه. وفي التحقيق تم عرض صور القمر الصناعي للمكان الذي تواجد فيه، واظهرت أنه لم يكن في المكان أي شيء يشير الى وقوع انفجار قنبلة أو عبوة ناسفة أو صاروخ. وقال شخص ملثم إنه قتل باطلاق النار. واذا كان هذا صحيحا فان اعدام القائد العسكري لـ "حزب الله" قد تم بأمر من نصر الله (الامر الذي لم يمنعه من ذرف دموع التماسيح اثناء التأبين والتعهد بالانتقام)، بمصادقة الجنرال سليماني.
يوم الثلاثاء أكد رئيس الاركان غادي آيزنكوت على أنه حسب المعلومات فان بدر الدين قتل على أيدي منظمته. ويمكن تصديق رئيس الاركان؛ لأن لديه المعلومات الأكثر سرية عن "حزب الله".

لا يجب أن يقال هذا الامر، لأن أحد العناصر المهمة في قوة الاستخبارات الاسرائيلية بشكل عام و"الموساد" بشكل خاص، هو صورته كمنظمة مصممة قادرة على الوصول الى أي مكان ولا ترتدع عن قتل الاعداء. هذه الصورة تتعاظم كلما كانت غامضة اكثر. وهذا أحد اسباب عدم تحمل اسرائيل المسؤولية عن معظم عمليات التصفية المنسوبة لها، سواء نفذتها أم لا.
من جهة اخرى، نشر كهذا سيساعد في الحرب النفسية والردع ضد "حزب الله". أي التحريض ضد قيادة المنظمة واظهارها كفظيعة وانتقامية ودق اسفين بين القيادة والاعضاء من الطائفة الشيعية في لبنان. لا يوجد بعد جواب على سؤال لماذا أمر نصر الله وسليماني بقتل حليفهما.
عن "معاريف"