إسرائيل تقوم بـ تحمية" محرّكات الحرب الشمال والجنوب !

20172503093739.jpg
حجم الخط

إذا سألتم وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، فانه سيجيب بأن "حزب الله" سيحصل خلال أقل من عامين على صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، وسيبدأ العد التنازلي للحرب الشاملة في الشمال. ليس صدفة أنه في الاسابيع الاخيرة يتحدث الوزراء والضباط علناً عن أنه في الحرب القادمة سيعود لبنان الى القرن الثامن عشر. عاد تعبير القرن الثامن عشر وطرح في التقييمات والتقديرات الخاصة بسورية ولبنان. هذه الرسالة موجهة لآذان الشعب اللبناني والقيادة اللبنانية، من نوع لا تسمحوا لمجانين "حزب الله" أن يأخذوكم الى الضياع. في الحرب القادمة ستدمر أولاً اهداف الدولة اللبنانية مثل الشوارع والمواصلات والكهرباء والوقود والغذاء ومؤسسات النظام والمؤسسات المالية. كل شيء سيحترق.
تهدد اسرائيل بفم ملآن، وهذا يعني أن هجمات اسرائيل في سورية ضد المخازن وقوافل السلاح ونشطاء في التهريب ستزيد من أجل تأجيل الحرب قدر الإمكان. في الوقت الحالي لا تقصف اسرائيل منصات الصواريخ بعيدة المدى في لبنان، وكما يبدو لأنه لا توجد هناك كمية كبيرة، وقصف لبنان في هذا التوقيت سيشعل الجبهة الشمالية دون مبرر كاف.
صحيفة "الجريدة" الكويتية كشفت، مؤخراً، أن "حزب الله" يقيم داخل انفاق في لبنان مصانع تحت الأرض لانتاج الصواريخ الدقيقة. وحسب وصف الصحيفة فان الحديث يدور عن جهاز يشبه الجهاز الذي أقامه اتحاد الصناعات العسكرية السورية "سيرس". لم تؤد خطوة "حزب الله" الى رد اسرائيلي عسكري، ولكن من يريد يمكنه أن يفهم ما نشر في الصحيفة كتحذير: كل شيء مكشوف ومعروف. إذا بدأت المصانع في هذه الأنفاق بانتاج الصواريخ فستقوم اسرائيل بتدميرها، حتى لو كان هناك خطر نشوب حرب.

مظلة بوتين
ايران عدو عنيد ذو قدرات، وهي لا تنوي التنازل عن اقامة جهاز الصواريخ الدقيقة في لبنان، الذي من المفروض أن يضر بشكل كبير بقدرة اسرائيل العسكرية. إن استهداف قوافل السلاح التابعة لـ "حزب الله" في الاراضي السورية يضع أمام ايران تحدي أمن المعلومات. ويبدو أن الدرس الذي تعلمته هو محاولة تحقيق الهدف بطرق اخرى، مثل إقامة مصانع انتاج في لبنان وبناء ميناء إيراني في اللاذقية في سورية. وهذا الميناء يمكنه استيعاب كمية كبيرة من الوسائل الثقيلة التي ستصل عن طريق البحر تحت مظلة القوات الروسية التي تسيطر على الميناء. بالنسبة لموسكو، فإن ايران ليست هي المشكلة في سورية، بل هي جزء من الحل. لذلك فان ايران تحظى الآن بحصانة روسيا.
يتبين أن اللقاء الاخير بين نتنياهو وبوتين لم يثمر عن النتائج المرجوة. وقد حاول نتنياهو إقناع روسيا بالامتناع عن اقامة الميناء الإيراني في اللاذقية، لكنه فشل. موظفون في وزارة الخارجية الروسية يظهرون كأنهم لا يعرفون جوهر طلب إسرائيل: "نحن ايضا أقمنا ميناء بحريا"، هكذا يردون على نظرائهم في وزارة الخارجية الاسرائيلية. "لذلك لن نستطيع منع دولة سيادية من استضافة دولة سيادية اخرى لإنشاء ميناء فيها".
إن هذه السذاجة هي من روائع الدبلوماسية الروسية. عندما اشتكت اسرائيل في آذان روسيا من أن السلاح الروسي المخصص للجيش السوري وصل الى "حزب الله"، حسب مصادر اجنبية، والمقصود هو صواريخ الشاطئ "يخونت"، صُدمت ووعدت بفحص هذا الأمر. وقد ذهب ضباط روس الى الميدان، وقاموا باجراء الفحص، وعادوا مع الإجابة بأن هذا غير صحيح.
اعتاد الجمهور في اسرائيل على التعاطي مع دول العالم باللونين الاسود والابيض: إما أنها تحبنا أو لا. إلا أن روسيا هي من النوع الذي يحب نفسه. واسرائيل بالنسبة لهم هي جندي آخر في الشطرنج، وليست بالضرورة من مجموعتهم.
كان باستطاعة سلاح الجو الاسرائيلي الاستمرار في القصف في سورية طالما أن هذا الامر لا يضر المصالح المباشرة لروسيا. إلا أن اسرائيل فاجأت وقصفت في المنطقة التي توجد فيها قوات روسية وقيادة روسية لمراقبة القوات السورية في تدمر. في ذلك الهجوم أصيبت كما يبدو وسائل غير تابعة لـ "حزب الله". صرخت وسائل الاعلام في سورية ووجهت التساؤلات لروسيا. وشعرت روسيا بدورها أنها لم تفعل أي شيء، حتى لو دبلوماسيا، ضد اسرائيل. وهذا سيبدو ضعفاً، لذلك قامت باستدعاء السفير الاسرائيلي والملحق العسكري الاسرائيلي في موسكو للقاءين في وزارة الخارجية الروسية مع نائبي وزراء يهتمون بالشرق الاوسط (يوجد لوزير الخارجية الروسي 11 نائبا). ولم يتم نشر ما قيل في اللقاءات. ومجرد اجرائها سمح لسفير سورية في الامم المتحدة بالاعلان عن أن روسيا قد حذرت اسرائيل، الامر الذي خفف الضغط عليهم. ولكن طالما أن الرئيس بوتين لم يقم بالاتصال مع نتنياهو للتأكيد على موقف روسيا، فلم يتغير أي شيء، ويمكن الاستمرار في القصف في الوقت والزمان المناسبين.
إن هذه هي أولوية وزير الدفاع ليبرمان. فقد قرأ سلوك المؤسسة الروسية بشكل أفضل من الاشخاص الموجودين حول طاولة الكابنت، بل أفضل من القيادة العسكرية التي تأتي اليه كل يوم خميس من اجل الحصول على المصادقة على العمليات والطلعات الجوية وراء الخطوط. لذلك فان ليبرمان ليس فقط لا يكبح أو يرفض العمل العسكري ضد السلاح المتقدم بعيد المدى وهو في الطريق الى "حزب الله"، بل يشجعه. وحسب رأيه فان أي تردد اسرائيلي تجاه التهديد السوري والضغط الدبلوماسي سيترجم في روسيا ضعفاً. واسرائيل ضعيفة ستكون شريكا هامشيا يمكن تجاهله عند اجراء المفاوضات على مستقبل سورية.
في بداية الاسبوع تحدثت الصحف الاجنبية عن قصف اسرائيلي، هذه المرة في خان أرنبة في هضبة الجولان السورية. وبعد هذا القصف لم تعقب روسيا، لكن ذلك لم يكن اختبارا حقيقيا؛ لأن القصف لم تكن له صلة بـ "حزب الله" أو النظام السوري، بل نفذ كما يبدو في سياق العمل الأمني الشامل والمشترك ضد جهات ارهابية فلسطينية. ياسر السيد، الذي قتل في سيارته في طريقه من خان أرنبة الى دمشق، كان سورياً عمل في منظمة إسلامية فلسطينية خططت لتنفيذ عملية كبيرة عشية عيد الفصح.
سيأتي الاختبار الحقيقي عندما يعلن وزير الدفاع أن اسرائيل ستقوم بقصف كل منصة صواريخ تقوم باطلاق الصواريخ على طائرات سلاح الجو. وهذه ليست اقوالاً بل قرار. ويمكن الافتراض أنه اذا شيدت ايران، هذه السنة، الميناء في اللاذقية لاستيعاب السفن الايرانية التي تنقل السلاح لـ "حزب الله"، فان اسرائيل ستقصف هناك ايضا، رغم تواجد روسيا في المكان.

في هذا الاسبوع، في الوقت الذي ثارت فيه الكنيست بسبب قضية الاتحاد، جلس وزير الدفاع في مكتبه لمشاهدة التلفاز. وقد شاهد البث المباشر لمساءلة رئيس الـ "اف.بي.آي"، جيمس كومي، في الكونغرس، ورأى كيف أن تدخل الولايات المتحدة في التسوية المستقبلية في سورية آخذ في الابتعاد. وقد تحدث كومي عن بدء التحقيق الرسمي في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية وعن الاتصالات التي اجراها اشخاص من محيط ترامب مع ممثلين روس رسميين. ويتبين أن الـ "اف.بي.آي" كان يقوم بمراقبة هذه العلاقة منذ العام 2015. وفي العام 2016 اعتقلت روسيا ضابطين في الامن الفيدرالي الروسي الـ "اف.اس.بي" وموظفا رفيع المستوى في شركة "كسبرسكي". وهؤلاء الاشخاص الثلاثة خبراء في السايبر. ويبدو أنهم سربوا المعلومات حول تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية. ويمكن أن يدخل هذا التحقيق ادارة ترامب في ضائقة، وفي هذا الوضع فان فرصة مبادرة واشنطن لخطوة روسية – أميركية مشتركة حول الاتفاق في سورية آخذة في التلاشي. وطالما أن الولايات المتحدة لا تتدخل في الحل السياسي لسورية فان تأثير الشركاء الآخرين في المحادثات مثل ايران سيزداد. وبالنسبة لاسرائيل فإن هذه بشرى سيئة. وبالنسبة لليبرمان فان تهديد ايران ما زال في أولوية سلم التهديدات لإسرائيل، والاستثمارات تتم بناء على ذلك.

أبداً ليست "حماس"
غطاء الغموض تمت ازالته للحظة، ليس فقط عن هجمات سلاح الجو في سورية، بل ايضا عن طريقة العمل وطبيعة الاهداف التي يقوم بقصفها سلاح الجو في غزة. فيوم الاربعاء الماضي، اثناء جلسة للكنيست، كشف رئيس الاركان، غادي آيزنكوت، أنه منذ عملية الجرف الصامد استهدف الجيش الاسرائيلي مئات الاهداف النوعية، بما في ذلك الانفاق، بوساطة تقنية جديدة طورها سلاح الجو. نمط العمل في غزة في فترة ليبرمان لا يركز على الردع والعقاب كرد على اطلاق الصواريخ من القطاع، بل يذكر بنمط العمل في الشمال. الساحة الغزية تحولت كما يبدو الى جزء من العمل بين الحربين لتدمير قوة العدو قبل نشوب المعارك. إلا أن اسرائيل في غزة تختبئ وراء ما يسمى "استغلال الفرص" من اجل قصف اهداف لـ "حماس" ومنع ازدياد قوتها.
أعداء "حماس" هم الذين يوفرون الفرص لإسرائيل، من الحركة السلفية في القطاع، التي تقوم باطلاق الصواريخ على اسرائيل. وتقوم "حماس" بملاحقتها، ومؤخرا اعتقلت 500 نشيط من الحركة من أجل منعهم عن اطلاق الصواريخ على اسرائيل. السلفيون من ناحيتهم يريدون أن ترد اسرائيل من اجل اضعاف "حماس"، ودفعها لاطلاق سراح أتباعهم من السجن، لذلك يقومون بالاستفزازات على الحدود الاسرائيلية. إنهم يقومون باطلاق صواريخ قديمة قصيرة المدى مثل قسام 5 أو الكاتيوشا 7 ملم. وليس لهم الوقت الكافي للاطلاق بالشكل الافضل لأنهم ملاحقون من قبل كتائب "المرابطين"، وهو حرس الحدود في "حماس". لهذا لا يقومون بالاطلاق. ولكن بالنسبة لاسرائيل هذا يكفي للقيام بهجوم آخر لاضعاف قوة "حماس".
عندما انتخب يحيى السنوار رئيسا لـ "حماس" في القطاع كان التقدير في قيادة الجيش الاسرائيلي هو أن المستوى السياسي سيقوم في البداية بفحص توجه المنظمة، ويمكن تخفيف العمل ضدها. إلا أن قيادة الجيش اخطأت. فتبدل قيادة "حماس" ليس له اعتبار في الضوء الاخضر الذي يعطيه وزير الدفاع للعملية العسكرية ضد غزة.
في العادة تبدأ المصادقة على العمليات ضد العدو، يوم الثلاثاء. القيادة الجنوبية مثلا تقدم لقسم العمليات افكاراً لعملية عسكرية في القطاع. وهذا القسم يناقش هذه الافكار ويوضحها ويقوم بنقلها، يوم الاربعاء، ليصادق عليها رئيس الاركان ونائبه. وهذان يقومان بتقليص الاهداف ويضعان الاولويات. يوم الخميس يقوم رئيس الاركان بتقديم الخطة التنفيذية لمصادقة وزير الدفاع، ويستطيع الوزير الاستعداد لهذا اللقاء لأن سكرتيره العسكري يكون موجودا في النقاش الاولي لدى رئيس الاركان. ويتوقع أن يقدم رئيس الاركان الخطط التي سيصادق عليها وزير الدفاع.
النقاش الذي يتم في يوم الخميس في مكتب وزير الدفاع هو نقاش رسمي وجاف. ولكن هذه نقطة التقاء حساسة يحتك فيها رئيس الاركان مع الاعتبارات السياسية. أما وزير الدفاع فيؤثر في المواضيع العسكرية المهنية. والوزير الذي لم ينشأ في الجهاز العسكري يجب أن تكون له ثقة كاملة برئيس الاركان ونزاهته المهنية. فهو الذي يصادق على الخطط التنفيذية التي قد تسبب ضحايا وتورطا سياسيا. آيزنكوت له أفضلية هنا لأنه كان السكرتير العسكري لرئيس حكومة ووزير دفاع وهو يدرك هذه الحساسية. ويبدو أنه لا يوجد بينه وبين ليبرمان فقط تقاسم واضح في الادوار؛ حيث لا يتدخل أحدهما بصلاحيات الآخر، بل توجد بينهما ثقة كاملة. فالواحد منهما يعتمد على الآخر في عدم جره الى اماكن غير مرغوب فيها، سواء أكانت سياسية أم عسكرية. وفي احيان كثيرة لا يكون وزير الدفاع راضيا عن خطة تنفيذية، لذلك يتم اللقاء الشخصي المغلق، يوم الخميس، بين وزير الدفاع ورئيس الاركان، أو لقاء عمل بوجود السكرتير العسكري للطرفين، حيث يتم تناول الامور دون حدوث انفجارات تصل الى العناوين. يبدو أن آيزنكوت عرف جيدا الوزير المسؤول عنه، والخطط التي يقدمها يقوم ليبرمان بالمصادقة عليها.
إن استمرار استخدام القوة في قطاع غزة يسرع المواجهة القادمة. و"حماس" قلقة جداً من العائق الذي تقيمه إسرائيل على الحدود، وهي تحاول التعاون مع ايران، ومعرفة نقاط الضعف فيه، بالضبط مثلما حاولت بمساعدة ايران معرفة نقاط ضعف القبة الحديدية. في الشهر الماضي اعتقل على حاجز ايرز محمد مرتجى، وهو نشيط في "حماس"، يدير منظمة مساعدة للحكومة التركية في القطاع، وقد كان في طريقه الى تركيا للحصول على صور الأقمار الصناعية عن اسرائيل، التي قد تساعد "حماس" في تحسين دقة الصواريخ. والجيش الاسرائيلي من ناحيته قام، هذا الاسبوع، بتدريب مفاجئ لجنود الاحتياط في الجنوب، وهذا التدريب شمل ايضا حركة سريعة للدبابات والمجنزرات نحو غزة. المواجهة القادمة توجد على نار متوسطة. وفي نهاية المطاف سيكون الغليان.

عن "يديعوت"