الانتخابات المحلية؛ لن تكون عرساً ديمقراطياً!

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

أرجو بحرارة أن لا نطلق على انتخابات مجالس الحكم المحلي في أيار القادم مصطلح: العرس الديمقراطي. لأنه اصطلاح مضلل في الحالة الانتخابية الحالية على الأقل. إقحام المصطلح، يتجاهل السياق الذي تجري الانتخابات به، يتجاهل نطاق المشاركة، يتجاهل التأجيل المسيَّس ويتجاهل الافتعال الفئوي لمقاطعتها. يتجاهل استمرار عيب الانقسام وتدفيع المجتمع ثمنه وتحميله نتائج لم يرتكب إثمها، بل بالنيابة عمن صنعوه..
لقد رافق مسار «العرس الديمقراطي» القادم الكثير من التعقيدات، جميعها ذات الصلة بحالة الانقسام وتداعياته. وللتذكير بالمسلسل المُمِلّ، فقد تقرر اجراء الانتخابات في الثامن من شهر تشرين الأول الفارط. وعلى حين غرة، قام مجلس الوزراء بتأجيلها أربعة أشهر قبل أقل من أسبوع على موعدها المقرر.
وفي اليوم الأخير من شهر كانون الثاني الماضي اتخذ مجلس الوزراء قراراً بإجرائها في الثالث عشر من شهر أيار القادم في كافة أرجاء الوطن، وأعطى المجلس مشكوراً حركة حماس أسبوعاً لتحديد أمر مشاركتها، وبناءً على ردّ الحركة وفي حال مقاطعتها، سيتم تأجيل الانتخابات في القطاع واقتصار إجرائها على الضفة الغربية. وهذا ما جرى، قاطعت حركة حماس الانتخابات بدعوى عدم التنسيق معها والإشكالات المتعلقة بمحكمة الانتخابات وغيرها، ومن ثم أعلنت الجبهة الشعبية مقاطعتها الانتخابات لأسباب ودوافع سياسية مختلفة.
يستقبل المجتمع «العرس الديمقراطي» مصاباً بخيبة أمل وإحباط، تفاعل مفقود وحماس محدود. فتور ملحوظ في حركة تشكيل القوائم، ما يجعل أمر توقع فوز معظم المجالس بالتزكية، وبالاستناد إلى التجربة الانتخابية المغدورة السابقة ومقاربتها، في مناخ أفضل نسبياً من الحالي، نجحت (182) قائمة بالتزكية جميعها في الضفة الغربية، فقد بلغت نسبة قوائم التزكية 78% من حجم القوائم المقدَّمة في محافظتيْ طوباس والقدس، يليها على ذات الصعيد محافظة اريحا، ببلوغ نسبة قوائم التزكية 71%، رغم أن عدد مجالس المحافظة لا يتعدى الثمانية.
لن يكون عرساً ديمقراطياً، لأن من يهتم بتشكيل القوائم لا ينطلق من اهتمامه بمصالح البلد واحتياجاتها، يهتم أكثر تمثيل بالمصالح الفئوية ومصالح عشيرته وعائلته.
لن يكون عرسا ديمقراطيا في قطاع غزة الذي يبلغ عدد مجالسه خمسة وعشرين مجلساً، مضى على انتخاب معظمها عشر سنوات، فعدا عن تميزه بالكثافة السكانية، هي الأعلى في العالم، يعاني أهل القطاع من دمار شامل للبنية التحتية بسبب الحروب والعدوانات المتتالية عليه. لن يكون عرساً ديمقراطياً على أهل القطاع المحاصر، لأن مواطني مجلسيْ مدينة غزة وخان يونس ممن بلغت أعمارهم أكثر من أربعين عاما، لم يمارسوا حقهم في انتخاب ممثليهم إلى هيئات الحكم المحلي منذ 1976.
لن يكون عرساً ديمقراطياً، لأن القوى السياسية مستنزفة في عملية إجرائية، تسجيل وتشكيل واقتراع، تتوقف عند حدود النتائج ولا تمتد إلى متابعة أعمالها لتقوم بوظائفها الموكلة، لأن المرشحين باسم العائلات والعشائر، يتم اختيارهم على الغالب ضمن معايير التوازنات ومراكز القوى العشائرية.  
  لن يكون عرساً ديمقراطياً، لأن أحدا لم يتصدى في الفضاء العام، نقاش بعض المظاهر السلبية والخطيرة التي أطلت برأسها مؤخراً، لدى تشكيل القوائم، التمييز بين ابن-ة البلد وبين اللاجئ-ة، في إعطاء الأولوية في الترشح وتولي المسؤولية.
لن يكون عرساً ديمقراطياً، لأن المرأة تنتظر موقعها وترتيبها في القائمة دون مشاركتها الفعلية وأخذ رأيها، لأن الكوتا المخصصة لها تفقد مضمونها بسبب إدارتها من قبل العقلية والثقافة الذكورية. لأن الأحزاب لا تحترم توقيعها الذي تعهدت بموجبه تخصيص 30% من حجم القائمة وفقا لقرارها المأخوذ في آخر اجتماع للمجلس المركزي.
لن يكون عرساً ديمقراطياً، ما دام إنكار اسماء النساء والخجل منها؛ يطل برأسه مجددا، ما دامت القوى التقليدية تفرض برنامجها الرجعي؛ حاملاً معه كل عوامل وعناصر التخلف الاجتماعي والانساني، وتفوح منه رائحة الميْز ضد المرأة، يُعبر عن أن قوى التغيير والتقدم الاجتماعي باتت في خبر كان، التردد والذبذبة والمهادنة.
لن يكون عرساً ديمقراطياً، لأن الديمقراطية منظومة قيم وبنى سياسية وثقافية واجتماعية، لا أحد يتقدم لتكريسها، سواء في المؤسسات التعليمية أو الإدارية والمنظمات السياسية والأهلية. في المدينة والمخيم والقرية. في الأسرة والمدرسة، في السياسات والتدخلات، في الأحزاب وبنى الدولة، في الدستور والقانون واللوائح والإجراءات.
وأخيراً، سيفتح الباب للترشيح بعد يومين اثنين، دعونا نرى ما لم نرَه سابقاً؛ قوائم  متناسبة مع وظيفة المجالس البلدية تقدم برامج جدية وتجيب على أسئلة احتياجات الواقع، دعونا نرى قوائم انتخابية قوية تحتل فيها المرأة موقعاً وعدداً، ما يليق بالمستوى التعليمي الذي وصلته، دعونا من المصطلحات الكبيرة التي لا تنطبق على الفعل الممارس، فلا نغرق بأوهامنا.