رؤية إسرائيلية للحرب القادمة!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هناك.. في إسرائيل، أيضاً، من يطالب وزير الحرب ليبرمان بعدم الانجرار وراء حرب أخرى في قطاع غزة. الحرب لا يجب أن تكون خياراً، هكذا يقول المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اسحق بن نير، أمس الثلاثاء، متسائلاً: هل نحن جاهزون لمثل هذه الحرب التي لن تمنع حزب الله من التدخل فيها، هل سننتصر فيها وكم من الدماء يجب أن ندفع؟ ويضيف متهكماً: اعتدنا على التخويفات من رئيس الحكومة نتنياهو الذي لا يخاف إلاّ من زوجته سارة، لكننا نحن من ندفع الثمن في حالة التعادل أو الهزيمة!
تأتي هذه النصيحة أو الدعوة أو التساؤلات، في سياق ردود الفعل المحتملة على جريمة اغتيال الشهيد فقهاء، والاحتمالات المتزايدة لنشوب حرب جديدة تشنها إسرائيل على قطاع غزة مع تداعيات ردود الفعل على هذه الجريمة، وبالتوازي مع تلك الدعوات بالحذر والتريث خشية التدحرج نحو حرب جديدة، أصدرت مجلة "إسرائيل ديفنس" دراسة حول قدرات إسرائيل الردعية من خلال ما تضمنه تقرير مراقب الدولة حول الحرب الأخيرة، التي شنتها الدولة العبرية على قطاع غزة، والدروس المستفادة من تلك الحرب، الدراسة التي أعدها شمعون ديفتس، تتمحور حول مبدأين أساسيين، أولاً: ضرورة الحفاظ على عدم ضعف قدرة إسرائيل الردعية وتطويرها، وثانياً: علينا منع الحرب القادمة والتأكد أننا قمنا بفعل كل شيء قبل إرسال جنودنا إلى المعركة.
يتناول هذا التقرير اعترافاً نادراً: إسرائيل ليست قادرة على ترجيح كفة ميزان القوة العسكرية دائماً لمصلحتها، مع أنها تحاول دائماً التوصل إلى التفوق العسكري، في ظل عدم القدرة على السيطرة على سباق التسلح في المنطقة عموماً، أو السيطرة على التطورات التقنية التسليحية لدى الأعداء، وكل ما تستطيع إسرائيل أن تفعله إزاء ذلك: التوجيه والمتابعة والمراقبة، إلاّ أن الحصول على كافة شروط الردع بات أمراً أكثر تعقيداً وصعوبة!!
وعندما يتناول هذا التقرير مسألة الردع الإسرائيلي، فإنه يأخذ بالاعتبار التداعيات المحتملة لأي حرب قادمة، بحيث أنها ـ أي الحرب ـ لن تكون قاصرة على قطاع غزة، بالنظر إلى تطورات المنطقة، واحتمالات توسعها هذه المرة أمر وارد أكثر من أي حرب سابقة، وعندما يتم الحديث عن المستوى التسليحي في قطاع غزة، فإن التقرير يتجه للحديث عن إمكانيات أوسع لدى حزب الله للتدخل أو للسماح "لمجموعات إرهابية" بالتدخل من حيث لا يتوقع أحد.
في إسرائيل هناك توقع لمثل هذه الحرب، حتى قبل جريمة اغتيال الشهيد مازن فقهاء، وحسب "المصدر الإسرائيلي" أن دوافع هذه الحرب من قبل حركة حماس تعود إلى إقدام إسرائيل على إقامة جدار عميق تحت الأرض على تخوم القطاع، ليشكل حاجزاً أمام الأنفاق التي تمتد تحت عمق الأرض من قطاع غزة، إلى داخل الدولة العبرية، الأمر الذي سيعيق هذا السلاح الذي تعتبره حركة حماس استراتيجياً بالنسبة لها، ما يشكل حافزاً على الإقدام على ما يمنع إتمام هذا الجدار، حتى لو كان ثمن ذلك حرباً جديدة!!
الحديث المتواتر مؤخراً من قبل المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، إضافة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها حول قيام حركة حماس بتطوير سلاحها البحري، خاصة سلاح الغواصين، يضيف بعداً استراتيجياً آخر على الحرب المتوقعة، إذ أن الأمر لن يتوقف عند الاستراتيجيات البرية من خلال الأنفاق تحت الأرض، بل وايضاً، من خلال الأنفاق عبر البحر، شرق القطاع وغربه ميداناً شاملاً للحرب القادمة.. إذا ما نشبت فعلاً، والتقدير الإسرائيلي أن هذا سيحدث، حتى لو تأجل لبعض الوقت مع أن الجانبين لا يريدان ذلك!
وتضمن تقرير آخر في "إسرائيل ديفنس" وفي السياق ذاته، تعريفاً بالوحدة 414، وضمنها جمع المعلومات الميدانية من قبل جيش الاحتلال على تخوم قطاع غزة، وزرع الكمائن على الحدود الفاصلة، إلاّ أن التقرير في الواقع لم يكشف عن أي جديد، أو مهارات غير معروفة أو معلومة حول طبيعة عمل مثل هذه الوحدات المختصة بجمع المعلومات الميدانية عن قرب من خلال التخفي والسرية والعمل مع المحيط في إطار بيئة مناسبة، إلاّ أن نشره يوحي بأن هناك استعدادات حقيقية لاحتمال حرب قادمة على قطاع غزة، ولأن هذا التقرير لم يضف جديداً، بالإمكان اعتباره أحد أسلحة الحرب النفسية، خاصة وأن الإسرائيليين يعلمون جيداً أن هناك متابعة جدية من قبل فصائل المقاومة لكل الدراسات والأبحاث التي تنشر في الدولة العبرية، والأمنية منها على وجه الخصوص.
وبالعودة إلى نصائح وتحذيرات من قبل جمهور إعلامي إسرائيلي، بضرورة التريث والحذر قبل الدخول في حرب جديدة على قطاع غزة، فإن مثل هذه الدعوات قد لا تكون كافية لصد الرغبة الكامنة في النار والانتقام، خاصة في ظل تداعيات سياسية داخلية لدى حكومة الدولة العبرية، التي من شأنها تجاهل كل هذه الدعوات لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية!!