مستوطنة «عامونا».. زعرنة القوة

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

لم يكن الزعماء العرب أقرب إلى جغرافيا فلسطين أكثر مما كانوا عليه في مؤتمر القمة العربية في «البحر الميت»، وربما من مكان إقامتهم كانت القدس ظاهرة بتجلياتها... ومستوطناتها. ولكن يبدو أن قضية فلسطين لم تكن بعيدةً عن الزعماء العرب أكثر مما هي عليه هذه الأيام، التي تعيش فيها القضية الفلسطينية مأزقاً حقيقياً وربما قاتلاً.
دولة الاحتلال ومنذ نكبة العام 48 لم تحظ بقبول عربي رسمي وعلني أكثر مما حظيت به في هذه القمة، التي لا ترفض دولة الاحتلال ولا ترغب بإزالتها عن الخارطة، وإنما تبحث في كيفية إقامة السلام معها واستيعابها في جسم المنطقة وربما أكثر من ذلك.
وقبل أن يجف حبر البيان الختامي للقمة العربية، كانت حكومة الاحتلال توجه صفعةً لكل الذين لا يزالون يراهنون على إمكانية تغيير الموقف الإسرائيلي وتشجيعه وإغرائه للسير قدماً نحو السلام، ولو على حساب القضية الفلسطينية.
سنوات طويلة والسلطة الفلسطينية تصرخ مطالبةً بوقف الاستيطان... أوقفت المفاوضات واشترطت استئنافها بوقف شامل للاستيطان، ثم خفضت سقف مطالبها بوقف الاستيطان خلال المفاوضات.. ثم خفضته إلى وقف الاستيطان لفترة محدودة، وفي كل مرة كانت حكومة الاحتلال تسكب مياهاً أكثر من باردة على هذه المطالب مواصلةً سياسة الأمر الواقع.
آلاف الوحدات الاستيطانية أقيمت خلال السنوات الخمس الماضية في مختلف المستوطنات بالضفة الغربية والقدس، وانضم عشرات الآلاف من اليهود للسكن في هذه المستوطنات، رغم أنف الجميع ابتداء بالفلسطينيين والعرب وانتهاء بالعالم.
قبل أسابيع وبعد مماطلات استمرت سنوات، اضطرت حكومة الاحتلال إلى إخلاء نحو 40 مستوطناً من بؤرة «عمونا» التي أقيمت على أرض فلسطينية خاصة بناءً على ضغط المحكمة العليا الإسرائيلية، ومنذ اليوم الأول للإخلاء صدرت عشرات التهديدات من قادة الاحتلال ابتداء من رئيس الحكومة وليس انتهاء برئيس بلدية الاحتلال في القدس، والذين نفذوا تهديداتهم بهدم عشرات المباني الفلسطينية ومنح تسهيلات للمستوطنين والإعلان عن إقامة مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة.
حكومة الاحتلال واليمين العنصري الإسرائيلي لم تكتف بهذه الإجراءات التي يجرمها القانون الدولي، وإنما أعلنت عن إقامة مستوطنة جديدة لرعاع المستوطنين الذين تم إخلاؤهم من البؤرة الاستيطانية، وجاء الوعد من نتنياهو شخصياً، حتى قبل مغادرته إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي ليعود أكثر إصراراً على إقامة المستوطنة على الرغم من محاولات التخجيل الأميركية.
البعض راهن على أن نتنياهو لن يفي بتعهداته وأنه سيماطل كثيراً لإقامة مثل هذه المستوطنة، علماً أنه منذ عشرين عاماً لم يتم بناء أي مستوطنة جديدة، في الوقت الذي كان الاحتلال يسمّن المستوطنات القائمة بالاستيلاء على أراض فلسطينية جديدة.
يوم أمس جاء قرار حكومة الاحتلال وبالإجماع لإقامة مستوطنة «عامونا» الجديدة جنوب نابلس، القرار يؤكد تسويق 2000 وحدة استيطانية من بين 5700 وحدة أعلنت عنها سلطات الاحتلال قبل شهرين وتسويق 612 وحدة في مستوطنة «بيتار عليت «المقامة على أراضي محافظة بيت لحم و698 وحدة في مستوطنة «ألفيه منشيه» المقامة على أراضي محافظة قلقيلية، و630 وحدة في مستوطنة «بيت أرييه» المقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة، و52 وحدة في مستوطنة «كارين شمران» المقامة على أراضي محافظة نابلس. 
حكومة الاحتلال لم تكتف بهذه الصفعات المتتالية لكل الذين يراهنون على رغبة هذا الاحتلال العنصري في السلام، وإنما قررت، أيضاً، مصادرة 977 دونماً من أراضي قرى: قريوت والساوية واللبن الشرقية وسنجل، جنوب نابلس، من الأراضي الواقعة في حوض رقم (1) جزء من جبل الخوانيق، الصانعة والخوانيق، وحرايق الشيخ، والطنطور، البطاين، السهلات، جبل قلعة الحمرة، إضافة إلى حوض رقم (6) من موقع سهل عين المهرة وغيرها من الأراض التابعة لهذه القرى، وأصبح الهدف من وراء هذه المصادرة واضحاً وهو إقامة مستوطنة جديدة عليها.
«عامونا» الجديدة ستكون امتداداً لخط مستوطنات متواصل يبدأ من جنوب مدينة نابلس وحتى شمال مدينتي رام الله والبيرة بمعدل مستوطنة كل عدة كيلومترات، ما يعني استيلاءً كاملاً على المنطقة وخلق مانع جغرافي وديمغرافي استيطاني يقطع شمال الضفة عن وسطها وجنوبها. 
الأرقام تتحدث، ونحن سنصدر مزيداً من بيانات الإدانة والاستنكار، وسنتوجه إلى مجلس الأمن بناءً على القرار 2334 الأخير، ولكن واشنطن واضحة وقالت سفيرتها في الأمم المتحدة لا إدانات جديدة لإسرائيل في الأمم المتحدة.
ما يحصل هو باختصار زعرنة القوة المطلقة الإسرائيلية في مقابل الضعف العربي والفلسطيني الذي لم يشهد حالة من التراجع والانكسار كما يشهده في هذه الأيام.