ربما لم يعد من المبكر التساؤل فيما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عضواً في الحزب الجمهوري أم عضواً في الحزب الديمقراطي، أم أن «الترامبية» حزب خاص برجل الأعمال السابق والرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية، هذا التساؤل ليس لنا، بل ان عدداً من الباحثين الأميركيين الذين استمعت إليهم في أحد البرامج التلفزيونية، كرروا هذا السؤال مع محاولات للإجابة عنه، ففي أقل من أسابيع محدودة، اعتمد ترامب على المراسيم الرئاسية، خاصة بالهجرة، مرتين تم إطلاق هذه المراسيم، ومرات تم التصدي لها من القضاء الأميركي، وحتى الآن، هو الرئيس الأكثر اعتماداً على المراسيم الرئاسية من كافة الرؤساء الأميركيين بالتناسب مع الوقت الذي أمضى فيه رئيساً في البيت الأبيض، وإذا كانت المؤسسة القضائية الأميركية مستقلة تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى ما واجهه ترامب من أغلبية حزبه في الكونغرس، عندما نسف زملاؤه في الكونغرس مشروعه لإصلاح نظام «أوباما كير» للتأمين الصحي، وهو المشروع الذي كان جوهر حملته الانتخابية للرئاسة، سقوط المشروع من قبل الحزب الجمهوري وبتعاون مع الحزب الديمقراطي، ساهم في طرح السؤال الذي بدأنا به هذا المقال.
الحزب الجمهوري، لن يطيح بالرئيس ترامب، رغم تحديه، إذ إن ذلك من شأنه أن يشكل مصلحة مجانية كاملة للحزب الديمقراطي، رغم أن عدداً من قادة الحزب الجمهوري أعلنوا أكثر من مرة، أن سياسة ترامب إنما هي تعمل لصالح الحزب الديمقراطي، ومن هنا جاء التساؤل فيما إذا كان ترامب ديمقراطياً؟!
ويهدد ترامب أركان الحزب الجمهوري، بأنه سينتقم منهم في الانتخابات الانتصافية القادمة للتجديد للكونغرس، غير أن أحداً لم يلتفت لهذا التهديد، باعتبار أنه هو الذي بحاجة إلى دعم هؤلاء وليس العكس، وان قدرته على التأثير على الناخبين باتت محدودة، خاصة أنه أقل رئيس شعبية من خلال نتائج الانتخابات عندما حظي بأصوات 40 بالمئة من أصوات الناخبين، وإذا كان يهدد أعضاء حزبه فهل هو حقاً عضو في الحزب الجمهوري الذي ترشح لانتخابات الرئاسة من خلاله؟!
بشكل غير مباشر، سياسة ترامب تعمل لصالح الحزب الديمقراطي، الذي من دون شك يرحب بهذا التبرع السخي، غير أن ترامب بالتأكيد لا يقصد ذلك، وبالتالي، فهو ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً، بل «ترامبي» ولديه مؤسسته الحزبية القائمة على الأقارب والمعارف والموالين، وهو متسلط لدرجة أنه لا يرضى عن نفسه التماس النصح من الخبراء، حتى من المقربين منه، سلوك صاحب الشركة أقوى من سلوك رئيس الولايات المتحدة الذي من المفترض أن يعتمد في سياساته الداخلية والخارجية على الخبراء والمتخصصين، ولولا أن الدستور الأميركي يفرض على الرئيس مصادقة الكونغرس على قراراته الأساسية، لما أقدم ترامب على عرضه هذه الاختيارات عليه، إذ إن سلوكه خارج إطار القواعد الدستورية، يشير إلى إمعان في التفرد وترفعه عن استشارة أصحاب الخبرة!
وفقاً للشعارات التي طرحها ترامب أثناء حملته الانتخابية، وقراراته ومراسيمه في الأيام الأولى في البيت الأبيض، اعتقدنا أنه سيلجأ إلى سياسة الاندفاع إلى الداخل الأميركي على حساب السياسة الخارجية، غير أننا بتنا نعتقد أن تلك كانت تتعلق بالنوايا التي لم تنسجم مع الواقع الذي تحداها، وبالنظر إلى ما أسلفنا حول «الحرب على ترامب من الداخل الأميركي وسقوط مشاريعه الداخلية»، فإن الأرجح أن يندفع إلى السياسة الخارجية، حيث هناك توافقات كبيرة على المستوى السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وترامب، بشكل عام، وهذا ما يجعلنا نرجح أن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سيشكل أحد عناوين اندفاعه للعمل لدى السياسة الخارجية الأميركية، وذلك عكس ما أشار إليه سيفر بلوتسكر الكاتب في «يديعوت أحرونوت» من أنه من يعتقد أن ترامب سيقذف بنفسه إلى حمى الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فهو واهم، ترامب ـ يقول بلوتسكر ـ إن طرح ترامب في تصريحاته العديدة حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سواء لجهة الاستيطان أو نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، إنما هو من باب الترويج أن لديه سياسة خارجية، وهذا الاستنتاج، أيضاً، غير دقيق، إذ بعد فشل مراسيمه الداخلية، الهجرة والضمان الصحي، تحدث ترامب عن التجارة الخارجية قبل أيام من استقباله للرئيس الصيني، يضاف إلى ذلك، أن ترامب سيستقبل ثلاثة من القادة العرب بعد أيام، ما يشير إلى أنه يرمي إلى التعويض عن فشل سياسته الداخلية، للرهان على نجاح ما في سياسته الخارجية، والحلقة الأضعف، حسب اعتقاد ترامب، هو الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبعقد تفاهمات مع القادة العرب، يمكن أن يحقق ولو بالنقاط صفقة يتم فرضها على الفلسطينيين ويحقق نجاحاً تعويضياً محتملاً!!