بعد زيارة كل من الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني سيتجه الرئيس ابو مازن للولايات المتحدة للقاء الرئيس ترامب للجلوس وجها لوجه وطرح كل منهما وجة نظره في الحل السياسي، وسعيهما المشترك لبلوغ القواسم المشتركة بشأنه. من المؤكد الرئيس عباس سيتمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين الأبدية، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. غير ان ذلك، لا يعني بالضرورة التوافق التام مع الرؤية الفلسطينية، وهو ما سيفتح الباب لحوار معمق لبلوغ الهدف. ولعل من إيجابيات الزيارة الفلسطينية لواشنطن، انها كما اشير آنفا تأتي بعد زيارة زعيمين عربيين مركزيين، ولهما ثقل وباع طويل في الحل السياسي بشكل مباشر، اضف إلى ان الزيارة تجيء بعد عقد القمة العربية ال28، وبيانها الختامي، الذي أكد على مركزية القضية الفلسطينية، وفي الوقت، الذي تتجه في حكومة نتنياهو لزيادة الفجوة نسبيا مع الإدارة الجديدة، نتاج الإعلان عن بناء مستعمرة جديدة، والسياسيات والإنتهاكات الإستعمارية المتواصلة ضد ابناء الشعب الفلسطيني. وجميعها عوامل تعطي قوة ومصداقية للموقف السياسي الفلسطيني، لاسيما وان الرئيس المصري والملك الأردني سيؤكدان على ما ورد أعلاه من رؤية سياسية.
هذا ويبدو من مؤشرات متناثرة إسرائيلية وأميركية وعربية، أن الإدارة الأميركية غير مرتاحة للإسلوب والسياسات الإسرائيلية، رغم كل ما أعلنه قادة وأركان الإدارة عن دعم يفوق دعم الإدارات السابقة لإسرائيل. إلآ ان الرئيس الجمهوري طلب من نتنياهو بشكل مباشر في المحادثات الثنائية اواسط شباط الماضي، وبشكل غير مباشر عبر محادثات غرينبلات مع نتنياهو في إسرائيل بضرورة وقف البناء المؤقت في المستعمرات لحين بلورة رؤية أو "صفقة" سياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. مما أزعج ساكن البيت الأبيض، وهو ما عبر عنه بعض المقربين من الرئيس الأميركي.
لكن هذه المؤشرات ليست ضمانة يمكن الركون لها او الإعتماد عليها في محاكمة موقف الإدارة الجديدة. لاسيما وانها ما زالت طرية العود في مدرسة السياسة، وتحتاج إلى دراية اعلى وأعمق في هذا الحقل. كما ان منطق الصفقات العقارية على اهميته، إلآ انه لا يوائم الصفقات السياسية المعقدة كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. والأهم أن القيادة الأميركية تميل على ما بدا واضحا منذ إستلامها لمهامها إلى إنتهاج سياسة الصدمات إن جاز التعبير، وتنحو إلى فرض رؤيتها، رغم ان الرئيس ترامب، قال انه لن يفرض الحل على الطرفين، وسيترك لهما تقرير ما يفضلانه إن كان حل الدولة او الدولتين على حدود 67. ولا يعلم المرء، إن كان (ترامب) أدرك حتى الآن أن قادة إسرائيل الإستعمارية ترفض كلا الحلين، ولا تريد سوى خيار تأبيد الإستيطان الإستعماري. وهو ما سيطيل أمد البحث والتفاوض مع حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف، لإنها ستلقي بكم كبير من بلالين الإختبار في وجه الإدارة ورئيسها على وجه التحديد، لخلق حالة من الضبابية، وفي نفس الوقت التسويف والمماطلة للإستفادة من الوقت لتمرير مشاريعها الإستعمارية في أرض دولة فلسطين المحتلة عام 1967، والرهان على حدوث تطورات في صالحها.
هذا الوضع سيحتم على الرئيس عباس وفريقه المفاوض الإستعداد لكل المفاجآت المحتملة من الإدارة الجديدة، والجاهزية للرد على كل السيناريوهات الأميركية والإسرائيلية . لإنها (الإدارة) مصرة على البدء من نقطة الصفر، أضف إلى انها بميلها لمنطق الصفقة، ستحاول الضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات جديدة لصالح دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وهو ما قد يؤثر سلبا على بلوغ الحل السياسي. خاصة وان الرئيس الأميركي وفريقه المعني بالتسوية السياسية، قد لا يكونوا على علم بأن القيادة الفلسطينية قدمت سلفا كل التنازلات المطلوبة منها، ولم يبق سوى الضغط على حكومة نتنياهو للإلتزام بدفع إستحقاقات السلام لبلوغ خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. وبالتالي تتطلب الضرورة الإستعداد العالي لمجابهة كل التحديات، التي قد تبرز في المحادثات الثنائية.