في إطار الحرب النفسيّة ضدّ حركة حماس، وبهدف تحويل المخابرات الإسرائيليّة إلى أسطورة، بعد فشلها المُدّوي في قضية أسر الجنديّ الإسرائيليّ، غلعاد شاليط، عمد جيش الاحتلال إلى تسريب معلومات “سريّة” لصحيفة (يديعوت أحرونوت) حول مراحل الإعداد لتصفية رئيس أركان حماس الشهيد احمد الجعبري إلى أن تمّت التصفية، التي اعتبرها صنّاع القرار في تل أبيب صورة النصر في عدوان عامود السحاب في أواخر العام 2012 وأوائل 2013.
وبحسب المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة، كان الجعبري (52) عامًا على رأس قائمة أهداف اغتيال الجيش الإسرائيليّ، واستُعملت حوله جميع القدرات. ونقلت الصحيفة عن ضابط الفهم الشبكي المسؤول عن مجال الـ”إرهاب” الفلسطينيّ في وحدة جمع المعلومات 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات قوله: تعلّمنا أنْ نعرفه وأنْ نفهم ما يفعله وأنْ “نخنقه” من الناحية الاستخباريّة ببساطة، حسبما ذكر. أُعلن قبل نحو من سنتين أنّ الجعبري هو الهدف ذو التفضيل الأعلى.
أو كما قال رئيس هيئة الأركان في حينه، بني غانتس إنّه من الخطأ الأساسي القول إنّ الجعبري قد اغتيل في الرابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر) 2012. ففي ذلك الوقت نُفذ الاغتيال الماديّ نفسه فقط، لكنّه كان مستهدفًا لنا قبل ذلك بزمن طويل.
وقد انتظرنا فقط الوقت المناسب والموافقة. وتابعت المصادر: علم الجعبري أنّه يحيا في زمن مستعار وسلك على حسب ذلك. نجا في الماضي من اغتيال، كان شكاكًا وكان عالمًا جيّدًا بأنّ الجيش الإسرائيليّ يتعقبه. وسلك سلوك مطلوب على نحو قاطع فسكن عدّة بيوت. ولم يسافر وحده في سيارة بل إلى جانب ناس اعتمد عليهم فقط. ولم يخرج لتناول الطعام في المطاعم بل جيء بالطعام إلى بيته.
واعتمد حقًا على حلقة ضيّقة فقط من المساعدين المقربين. وقد علمنا أنّه حينما يفعل أحد أولئك المقربين شيئا ما فان ذلك يتصل بالجعبري. وقال ضابط آخر في الوحدة: لم يكن الجعبري فقط رئيس أركان حماس بل كان أكثر من ذلك، كان في الوسط بين المستوى العسكري للمنظمة والمستوى السياسي لها. وقد تحكم تحكمًا ممتازًا بالطبع بالذراع العسكرية، لكنه كان ذا صلة أيضًا بالقيادة السياسية فهاتان الذراعان غير مفصولتين بعضهما عن بعض. وكشفت المصادر النقاب عن أنّ الجعبري كان مستهدفًا على نحو عام.
في تلك المرحلة عُرض على قسم البحث سؤالان يبلغ الجواب عنهما إلى طاولة رئيس الوزراء. الأوّل: كيف سترد حماس على اغتيال الجعبري؟ هل تطلق صواريخ على تل أبيب أمْ تستمر في الإطلاق إلى نفس المدى؟ والسؤال الثاني: كيف سيؤثر اغتيال الجعبري في حركة حماس في أمد بعيد؟.
وكشفت المصادر النقاب عن أنّ “الشاباك” أوصى بأنْ تكون ضربة بدء عملية عمود السحاب هي اغتيال الجعبري والتزم أنْ يُقدّم جميع المعلومات المطلوبة لإنشاء صورة استخبارية دقيقة كاملة تفضي إلى اغتياله الناجح مع أقل عدد من المصابين من الأبرياء، وهي معلومات جُمعت مدة سنين ومعلومات تمّ الحصول عليها في الوقت الحقيقيّ.
وبعد قيام حماس بإطلاق عددٍ كبيرٍ من الصواريخ، وفي نهاية مشاورات وبعد تلقي تقدير قسم البحث من "أمان" عن التأثيرات المحتملة للعملية أصدر رئيس الوزراء ووزير الأمن موافقة مبدئية على اغتيال الجعبري. أما قرار تنفيذ الاغتيال بالفعل، كما تقرر، فيتخذه رئيس هيئة الأركان فقط وهو يملك الصورة كاملة، واتخذ غانتس قرارًا وقال: "سننتظر الجعبري يومين. فإذا لم نجده حتى ذلك الحين فإنّ الأمر سيطول كثيرًا. وفي هذه الحال سنبدأ العملية باغتيال اثنين أو ثلاثة من كبار المسؤولين برتب ميدانية".
وأردفت: تشكيلة الطيران الاستخبارية التي ساعدت على الإصابة الدامغة للجعبري موجودة في قاعدة سلاح الجو في مركز البلاد. وبحسب الضاباط: أدركنا في أثناء الليل أنّ الخناق حول الجعبري بدأ يضيق.
واستيقظت عالمًا أنّ "اليوم هو اليوم". وطوال اليوم في الحقيقة تقاطعت جميع المعلومات وبدأنا “نحاصره”. وندرك أين يوجد ولماذا، ومتى سيكون هناك ومع كم من الناس. وفي غضون ساعات قليلة كنا قد أصبحنا "عليه" بيقين. وعلمنا إلى أي مبنى سيدخل ويجب الآن فقط أنْ ننتظر كي يخطئ ويخرج. في ذلك الوقت كان نتنياهو ووزير الأمن باراك في جولة على الحدود الشمالية، وتقرر في إطار صرف الذهن عدم إلغاء الجولة، وكشف مصدر أمني رفيع المستوى قائلاً: "كانا بالفعل على يقين من أنّه سيتّم آخر الأمر اغتيال مسؤولين كبيرين في المستويات الميدانية من حماس، ولم يكونا يؤمنان بأن الجعبري هو الذي سيتم اغتياله".
وتابع ضابط الاستخبارات العسكريّة قائلاً للصحيفة: في حوالي الساعة الثالثة ظهرًا كانت جميع الدلائل تُبين أننا بدأنا نصل إلى الهدف. وانحصرت المعلومات في البيت الذي تحلق فوقه الطائرة الاستخبارية، والسيارة التي يفترض أن يدخلها الجعبري. وتمرّ الدقائق ولا ذكر للجعبري.
لكنّ غانتس لم يخضع للضغوط، بل حافظ على برود أعصاب وخفض الأصوات الضاغطة، وأيّد رئيس "الشاباك" ورئيس "أمان" موقفه. فقد إعتقدا أنه يجب انتظار الجعبري أكثر. وكان رئيس هيئة الأركان “على الطرف” محقًا، فلو أن الجعبري بقي في ذلك البيت ساعة أو ساعتين لكفوا عنه. قبل الساعة الرابعة من بعد الظهر بخمس دقائق ظهر أشخاص على الشاشتين. كان الجعبري يخرج من المبنى ويدخل السيارة، وصادق "الشاباك" والعاملون في 8200 على ذلك بقولهم: هذا الجعبري. توجد إصابة دامغة. وأُصدر الأمر"نفّذ".
وأُطلق الصاروخ وأصاب السيارة، وفي غضون دقائق معدودة تمّ تلقي الجواب وهو أنّ الجعبري قد صُفي. وراقب الضابط ي. اغتيال الجعبري من الطائرة الاستخبارية التي حلقت فوق البيت. ويستعيد ذلك قائلاً: لم يكن يوجد زمن كثير للهضم، بل إنني لم أستطع التأثر أو إدراك حجم هذا الاغتيال. حينما خرج من المبنى حافظنا على صلة عين به وصاحبناه في تعقب جوي حتى لحظة الهجوم. ورأينا سيارة وحولها ناس كثيرون.
وصاحبناه من أعلى طول الوقت. وراقبنا من يدخل السيارة أو من يخرج منها، والحديث من الخروج من المبنى ودخول السيارة إلى لحظة الاغتيال عن دقائق. وفي لحظة الاغتيال نفسها كانت مرحلة قصيرة جدا يرتفع فيها النبض والأدرينالين وبعد ذلك بقينا في أعلى إلى أنْ تلقينا بعد خمس دقائق النبأ النهائي وهو أن ذلك كان الجعبري. هذا جزء من عملنا بعد كل عملية اغتيال كهذه وهو أن نُبلغ أكانت إصابة أمْ لا، وفي حال الجعبري كان التنفيذ نظيفًا وسهلاً جدًا، حسبما ذكر للصحيفة.
وأضاف: "أصيبت قيادة حماس بالإحباط، أجروا تحقيقات عميقة. وما زالوا في مراحل استخلاص الدروس، لكن لا توجد شكوك فحماس مستمرة في زيادة قوتها وهي مستمرة في تهريب الوسائل القتاليّة وفي تهريب الأموال وفي بناء القوة. ومن الواضح أنّها ستقوم من بين الأنقاض وتُعيد بناء نفسها بفضل الدعم الإيرانيّ الذي تحظى به. ولا يوجد اليوم شخص حتى ولا إسماعيل هنية، يحطم اغتياله حماس، على حدّ تعبيره".