غريبة ومستغربة حتى الدهشة، الصحوة ممن تبقى من النظام العربي الرسمي، على الحاجة لتشكيل قوة عسكرية عربية موحدة.
بين ليلة وضحاها فوجئنا بإعلان تحالف عربي إسلامي، يتحرك بقوة تحت عنوان عاصفة الحزم، التي تتصدى للتغيير الدراماتيكي الذي وقع في اليمن، وجعله في قبضة التحالف الحوثي مع الرئيس السابق المخلوع علي عبد الله صالح وحزبه.
سبعون عاماً انقضت من عمر الجامعة العربية، التي تطفح أدراجها بالمشاريع التي تتصل بتفعيل العمل العربي المشترك ومنه مشروع الدفاع العربي المشترك، لكن كل ما يقع تحت هذا العنوان، أي العمل العربي المشترك، بقي تحت أحذية التعامل القطري مع الدول الأجنبية فيما بقي المشترك في العمل مجرد كلاشيهات يغطي بها الزعماء صراعات بينية لا يستفيد منها إلاّ من يستهدفون نهضة الأمة وصلاحها.
والسؤال غير البريء هو لماذا ترتفع الدعوات لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، لا يمكن لأي عربي عاقل أن يكون ضد تشكيلها؟
عقود طويلة مرت على وجود إسرائيل، وهو وجود عدواني من الأساس ويمارس عدوانيته كل لحظة، دون أن يتقدم العرب نحو تشكيل مثل هذه القوة، حتى خلال الحروب العربية الإسرائيلية التي كان عماد التصدي لها من قبل مصر وسورية والعراق والفلسطينيين أما بقية العرب فأفضلهم حالاً، شارك فيها بشكل رمزي.
وإذا جاز لنا أن نستعيد تاريخ ضعف العرب في مواجهة العدوانات والحروب الإسرائيلية فإن علينا أن نذكر بالخير، قرار الملك السعودي المغفور له فيصل بن عبد العزيز، الذي أشهر سلاح النفط في وجه الدول التي دعمت إسرائيل وبررت عدوانها.
اليوم يصبح تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة، أكثر من ضرورة، وهي دائماً كانت ضرورة، لكنها اليوم وإن جاءت على نحو متأخر، إلاّ أنها تستهدف الحفاظ على ما تبقى من النظام العربي الرسمي، الذي يخشى من أن يصل الحريق إلى أقدامه.
هو قرار متأخر جداً، ليس فقط لأنه لا ينشأ انطلاقاً من الحاجة لتحشيد الجهد العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً ولكن لأنه أيضاً جاء بعد أن تغلغلت أظافر وأنياب الأجنبي تدخلاً في أكثر من دولة عربية، لم يترك هؤلاء لأهلها أن يقرروا مصيرهم، ومصائر أنظمتهم السياسية التي تستحق التغيير وتستحق التحديث.
ومع أننا بالتأكيد ندعم بقوة كل توجه حقيقي نحو عمل عربي مشترك وفي أي مجال من مجالات الحياة، وبحيث يكون ذلك منهجاً يمثل الأولوية في سلم اهتمامات وسياسات واستراتيجيات الدول العربية القطرية، إلاّ أننا سنظل ننبه إلى أن أي عمل عربي مشترك سيضل طريقه، ما لم يحدد بوضوح شديد طبيعة الأعداء الذين يضعون أنفسهم في رأس سلم المواجهة مع الأمة العربية ومصالحها.
يمكن هنا أن يتفاوت العرب في تحديد أولوية العداء والأعداء، فالبعض قد يضع إيران في مقدمة هذه القوى، والبعض الآخر قد يذهب، الجماعات الإسلامية المتطرفة، أو التيارات العلمانية الطامحة للتغيير، ولكن لا يقبل النقاش، هو ان الولايات المتحدة واسرائيل هما الاعداء الاساسيون، والدائمون للامة العربية وتحررها.
ربما لا نحتاج الكثير من الشرح والتفسير لتأكيد هذه الحقيقة بالنسبة للولايات المتحدة، التي تخوض حروبها على العرب، على نحو سافر ومباشر او عبر وكلاء ولكن على الكل أن يقتنع بأن الأيادي الإسرائيلية موجودة وتلعب بقوة وان على نحو خفي في كل الصراعات التي تجري في المنطقة طولاً وعرضاً.
قبل يومين قامت طائرات حربية إسرائيلية بقصف رتل من السيارات التي تدعي أنها تحمل أسلحة وذخائر من سورية إلى لبنان لصالح حزب الله، ما ادى الى استشهاد وجرح العشرات، لم تكن هذه اول مرة تقوم فيها اسرائيل بالاعتداء على سيادة دولة عربية فلقد تكرر الأمر، مرات كثيرة على سورية، وتكرر القصف ايضاً على السودان، تحت الذريعة ذاتها.
اسرائيل ليست دولة طبيعية مسالمة، يمكن غفران ما تقوم به من اعتداءات، أو ان ارتكاب العدوان عمل استثنائي بالنسبة لها، انها هي العدوان بحد ذاته، وكل ما يصدر عنها يشكل عدوانا على العرب. فلماذا تمر مثل هذه العدوانات والانتهاكات مرور الكرام، دون أن يأتي الوقت المناسب للرد؟
حزب الله رد موضعياً وعلى نحو موجع على العدوان الذي شنته اسرائيل قبل أشهر قليلة على مجموعة من قياداته في منطقة الجولان وراح ضحيته أيضاً جنرال ايراني.
يمكن لحزب الله أن يرد الصاع صاعين ولكن السؤال هو كيف يحدد العرب استراتيجياتهم في مواجهة عدوان اسرائيلي مستمر؟ في الواقع فإن الاستراتيجيات العربية ومنها ايضا الفلسطينية تفتقر الى الاصالة، بمعنى أنها تنبني دائماً على مبدأ رد الفعل على فعل اسرائيلي هذا في احسن الاحوال.
وحتى هذا المبدأ لا يسري على كل الحالات، فسورية تتلقى المزيد من الضربات وتتعرض للمزيد من العدوانات، دون أي رد سوى الرد اللفظي الذي يحمل تهديدات مؤجلة، لا يعرف احد متى يحين وقتها. مرة أخرى نؤكد أن صواب السياسة يقتضي من النظام في سورية أن يوجه بوصلة الصراع ضد المحتل والمعتدي الإسرائيلي، وذلك لأسباب مهمة كثيرة، ولأنه ايضاً لن يخسر اكثر مما تخسر سورية منذ أربع سنوات بسبب الصراع الداخلي.
هل تكتمل "نشوة" نتنياهو الشرق أوسطية..؟!
30 سبتمبر 2024