الأنظار كلها تتجه الآن إلى واشنطن إثر اللقاءات المكثفة التي شهدتها العاصمة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية بالنسبة لتحريك جهود التسوية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وبالتحديد على ضوء لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاثنين، ثم لقاء القمة الذي جمع الرئيس السيسي بالعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين في واشنطن الثلاثاء، وكان الأخير قد التقى تريزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية في عمان الاثنين، وأخيراً لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأمريكي في واشنطن بالعاهل الأردني الأربعاء في انتظار قمة أخرى تجمع الرئيس الأمريكي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في الخامس عشر من الشهر الجاري بواشنطن.
أية نتائج يمكن أن تتحقق نتيجة كل هذه اللقاءات غير المسبوقة؟
بداية تأخذنا الإجابة إلى أجواء القمة العربية الأخيرة، واللافت هنا أن «إسرائيل» كانت الأكثر انغماساً في أجواء تلك القمة من أطراف عربية مشاركة، وهي من كشف حقيقة الانقسام الذي فرض نفسه على تلك الأجواء بين تيارين؛ الأول كان راغباً في إحداث تعديلات على مبادرة السلام العربية لم تتحدد نوعيتها، لكن اعتبرها زلمان شوفال المحلل السياسي في صحيفة ««إسرائيل» اليوم»: «تعديلات تجعل المبادرة ملائمة وقابلة للتطبيق والملاءمة هنا»، طبعاً من وجهة النظر «الإسرائيلية»، قد تكون في اتجاه التخلي عن «حق العودة» وتعديل هدفها ليصبح: «دولة فلسطينية مقابل السلام» بدلاً من «الأرض مقابل السلام»، أي التنازل، ولو بشكل مؤقت عن طلب الانسحاب «الإسرائيلي» من هضبة الجولان السورية، أما التيار الثاني فكان يتزعمه الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي أصر على أن يبقى نص المبادرة كما هو دون أي تعديل، وهو التيار الذي استطاع أن يفرض نفسه على القمة، الأمر الذي أثار غضب «الإسرائيليين»، الذين اعتبروا، أن القرارات التي صدرت عن القمة وتضمنها «إعلان عمان» وطالبت العالم بعدم الموافقة على نقل السفارات إلى القدس، وأكدت مركزية القضية الفلسطينية والتمسك ب «مبادرة السلام العربية»، قرارات «لا تعبر بالضرورة عن المواقف الحقيقية لكل الدول المشاركة في القمة، وتؤكد مجدداً، أنه لا يوجد شريك حقيقي للسلام مع «إسرائيل» في الطرف الفلسطيني».
الغريب أن زلمان شوفال صاحب هذا التقييم لقرارات القمة لم يكتفِ بالهجوم على الرئيس الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وتكرار العزف على أكذوبة أن سبب جمود عملية التسوية ترجع إلى «عدم وجود شريك فلسطيني»، أي تعنت القيادة الفلسطينية، لكنه وسّع الهجوم على الجامعة العربية ووصفها بأسوأ التوصيفات عندما اعتبرها أنها «ليست جهة مهمة، أولها صلاحيات تنفيذية، سلباً أو إيجاباً، بل هي بمثابة نادٍ للأصدقاء الملزمين بالعضوية، لكنهم غير ملزمين بالقرارات».
توصيف مأساوي لحال الجامعة العربية لا يخلو من بعض الصدق لأسباب تخص العرب أنفسهم، لكنه يكشف من ناحية أخرى أنه كانت هناك ترتيبات ما قام بها جيسون غرينيلات المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى المنطقة الذي حرص على أن يكون موجوداً وبفاعلية في أجواء قمة البحر الميت وقام بإجراء حوارات موسّعة ومعمقة مع الأطراف المعنية سبقها بحوارات مشابهة في كل من «تل أبيب» ورام الله، ويبدو أن هذه الترتيبات كانت تعكس تفاهمات أمريكية مع رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو وأنها لقيت أيضاً قبولاً لدى بعض الأطراف العربية المشاركة في القمة. ووفق المحلل «الإسرائيلي» في «معاريف» بن كسبيت فإن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي توصل إلى نتيجة مؤداها أنه «إذا اضطر نتنياهو إلى اتخاذ قرارات صعبة، وتعاون مع ترامب في العملية السياسية التي ينوي عرضها على دول في الشرق الأوسط، فإنه سيكون بإمكانه توسيع الحكومة، وتنفيذ خطة الأدراج القديمة التي ناقشها العام الماضي مع اسحق هيرتسوغ زعيم المعارضة رئيس كتلة «المعسكر الصهيوني»، وهي بالمناسبة الخطة التي كانت تتضمن قبولاً «إسرائيلياً» بمبادرة السلام العربية مقابل تعديلات يجريها العرب على هذه المبادرة وبالذات بالنسبة لعدم ربط بدء تطبيع العلاقات باكتمال التفاوض الفلسطيني-«الإسرائيلي» والوصول إلى حلول مرضية، ولكن يبدأ التطبيع بمجرد إعلان الحكومة «الإسرائيلية» قبولها للمبادرة، وهي الخطة التي أجهضها نتنياهو في العام الماضي بعد لقاء العقبة السري الذي شارك فيه نتنياهو مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق وكلٌ من الرئيس المصري والعاهل الأردني.
الآن تتجدد الأزمة داخل التحالف «الإسرائيلي» بسبب ضغوط يتزعمها نفتالي بينيت وزير التربية زعيم حزب المستوطنين (البيت اليهودي) ضد ما اعتبرته تفاهمات توصل إليها نتنياهو مع الإدارة الأمريكية حول حدود توسيع الاستيطان وحدود تجميده، ضمن معادلة تحدد السقف السياسي الذي تقبله الإدارة الأمريكية للاستيطان. ففي الوقت الذي وافقت فيه الإدارة الأمريكية على بناء المستوطنة الجديدة البديلة التي أقامها «الإسرائيليون» بدلاً من مستوطنة «عمونا» التي أخليت بناء على قرار من «المحكمة العليا»، قررت أيضاً حصر الاستيطان داخل المستوطنات المقامة في الضفة الغربية وفي الأحياء اليهودية شرقي القدس ووقف بناء أي مستوطنات جديدة، وفي ذات الوقت تطالب السلطة الفلسطينية بالتكيف مع هذا السقف الاستيطاني، وإلا فإن البديل هو التوسع دون قيود وحدود.
واضح أن سقف هذه التفاهمات الأمريكية- «الإسرائيلية» سيكون عائقاً أمام نجاح لقاءات القادة العرب مع الرئيس الأمريكي، وتبديد فرص التوصل إلى تفاهمات عربية- أمريكية تتوافق مع السقف الذي حددته مقررات قمة البحر الميت، خصوصاً إذا لم تغير الإدارة الأمريكية من رغبتها في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
عن الخليج الاماراتية