وثيقة «حماس» الجديدة: تغيير في التكتيك لا في الاستراتيجية

20170804093150.jpg
حجم الخط

 «بقيت السيارة ذاتها، والمسألة هي مسألة عيار المقود»، هكذا قال أحد المراقبين لما يحدث في «حماس» حول «الوثيقة السياسية» التي تقوم المنظمة بصياغتها، هذه الايام، والتي ستنشر قريبا. هذه الوثيقة لن تلغي ميثاق «حماس»، بل هي ورقة تعريف جديدة معدلة لـ»حماس» للعام 2017. ورقة أقل حدة وأكثر غموضا مع الغمز للغرب، تزيين، لا أكثر. منذ سنة ونصف السنة و»حماس» تنشغل بصياغة الوثيقة، طواقم التفكير في الخارج وفي قطاع غزة وفي الضفة الغربية تبادلت بعض المسودات. وقد كانت ثلاث أو اربع مسودات انتقلت من جهة الى جهة، واجتمعت الطواقم وأجرت التعديلات، وألغت بعض البنود وأضافت اخرى، وتم توصيلها الى المكتب السياسي ومجلس الشورى السري للمراجعة والمصادقة عليها. يبدو أن هذه هي المهمة الأخيرة التي أخذها خالد مشعل على مسؤوليته قبل مغادرة المكتب السياسي لـ»حماس» بعد أكثر من عشرين سنة في هذا المنصب. ومن سيحل محله في رئاسة المنظمة سيتسلم «حماس الجديدة». في بداية الاسبوع تم تسريب مسودة من مسودات الوثيقة لمحطة «الميادين» المقربة من «حزب الله». في «حماس» غضبوا، قالوا في البداية إن المحطة اللبنانية حصلت على المسودة ليس من القنوات الرسمية، وبعد ذلك زعموا أنها ليست الوثيقة النهائية بل هي مسودة تعود الى بضعة أشهر وتم اجراء تعديلات عليها، ويمكن أن التسريب قد كان موجهاً، بالون اختبار، من اجل اثارة النقاش الاولي والحصول على ردود الشارع الفلسطيني قبل نشرها رسمياً. الخطة هي أن يتم نشر الوثيقة في موعد قريب من خلال عقد مؤتمر صحافي لخالد مشعل في الدوحة. ومن المفروض أن تنشر باللغة العربية والانكليزية. احدى الرسائل المركزية التي تريد «حماس» توصيلها من خلال الوثيقة الجديدة هي «أنا هنا، أنا لاعب رئيسي لا يمكن تجاهلي، لا في الحرب ولا في السلام». عدد من الإجابات حاول كثيرون في الغرب في السنوات الاخيرة جس نبض «حماس» ومعرفة موقفها من الاتفاق المستقبلي مع اسرائيل. حاول توني بلير وغيره معرفة اذا كانت المنظمة ستوافق على دولة فلسطينية في حدود 1967، واذا كانت ستندمج في العملية السياسية أو على الأقل عدم تعويقها. قطر، الدولة التي توجد فيها قيادة «حماس»، تحولت الى مكان للحج. اوروبيون كثيرون التقوا هناك خالد مشعل في السنوات الاخيرة، وتكررت الاسئلة. الوثيقة التي صيغت على مدى سنة ونصف السنة هي بمثابة عدد من الاجابات للغرب، وقد جاءت من أجل الترتيب، وقد ركزت على مواقف «حماس» المعروفة دون انحراف حقيقي عن الخط المتصلب الموجود من الميثاق الأصلي الذي تمت صياغته قبل ثلاثين سنة. أغلبية المحللين الفلسطينيين الذين قاموا بتحليل الوثيقة الجديدة لم يلاحظوا وجود أي تغيير جوهري في مواقف «حماس». مصطفى الصواف، المحلل المقرب من «حماس»، كتب في الفيسبوك أن الوثيقة لا تلغي مبادئ «حماس». «لا تبالغوا في التعاطي معها»، قال. وفي «حماس» سارعوا الى القول: يدور الحديث عن صياغة لغوية وقانونية دون التنازل عن المبادئ، ودون أن تناقض الوثيقة الميثاق الاصلي. تعبّر الوثيقة عن تغيير في التكتيك وليس في الاستراتيجية»، قال أحد قادة «حماس» في غزة، وأضاف: الميثاق لا يتغير مثل دستور الدولة. مصادر غير معروفة في «حماس» أكدت أن الوثيقة الجديدة هي برنامج سياسي واقعي وليس على حساب الميثاق. إن قراءة مسودة الوثيقة السياسية التي تم تسريبها لوسائل الاعلام تظهر أن «حماس» بقيت هي «حماس». قيل الكثير عن ميثاق «حماس» الاصلي. وهو اعلان لاسامي يقول إن اليهود والصهاينة يسيطرون على العالم من خلال المال والاعلام، وهم الذين يُحدثون الانقلابات في العالم، والاحداث الاساسية على مدى التاريخ. ويذكر الميثاق بروتوكولات حكماء صهيون والبناة الاحرار. اليهود نازيون والصهاينة هم أعداء للانسانية، هكذا كتب، ومن خدم الصهاينة استفاد كثيرا من الحرب العالمية الثانية. في مقدمة الميثاق جاء أن معركة «حماس» هي مع اليهود الكفار. وفي البند السابع جاء «عيون (حماس) تشخص لتحقيق الوعد الالهي، حيث قال النبي محمد: لن تقوم القيامة حتى يقاتل المسلمون اليهود ويقتلوهم». من صاغ الوثيقة السياسية ابتعد عن قصد عن هذه الاقوال لإبعاد المنظمة عن الاشتباه بها باللاسامية. «لم نعد قردة وخنازير، بل مجرد يهود»، قال إسرائيلي متهكماً. تقول الوثيقة الجديدة إن «حماس» تميز بين اليهودية كدين وأهل كتاب وبين الاحتلال والمشروع الصهيوني. «الصراع ليس مع اليهود لأنهم يهود أو بسبب دينهم، بل هو مع الصهاينة المحتلين، و»حماس» ستقف في وجه كل من يحتل ارض الشعب الفلسطيني بغض النظر عن دينه»، جاء في البند 15 في مسودة الوثيقة. في البند التالي تقول «حماس» إنها تعتبر «المشكلة اليهودية واللاسامية ومطاردة اليهود مظاهر ترتبط بالتاريخ الاوروبي وليس بالتاريخ العربي الاسلامي». أما «الحركة الصهيونية التي ظهرت نتيجة للاسامية فهي التي سمحت باحتلال فلسطين». لهذا لم يعد اليهود أعداء الله، على الأقل في وثيقة العلاقات العامة السياسية لـ»حماس». ولكن المشروع الصهيوني بقي «عدو الأمة العربية والاسلامية» في الوثيقة الجديدة ايضا. ماذا بخصوص الاتفاق السياسي على اساس حدود 1967؟ بالنسبة لـ»حماس» لا توجد هنا ايضا بشرى في الوثيقة الجديدة. صحيح أن ميثاق المنظمة الاصلي لا يذكر ذلك ولم يكن جزءاً من النقاش في حينه، لكن الموقف الذي تعبر عنه «حماس» في الوثيقة السياسية لا يختلف عن الموقف الذي عبروا عنه منذ التسعينيات، وخاصة في العقد الاخير، منذ اندماج «حماس» في السياسة الفلسطينية عند انتصارها في انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006. وهو الموقف الذي تم التعبير عنه بعدد من الوثائق والتصريحات. «دولة فلسطينية عاصمتها القدس في حدود الرابع من حزيران 1967 مع عودة اللاجئين الى بيوتهم موضوع متفق عليه وطنيا، ولا تعني الاعتراف بالكيان الصهيوني»، كتب في البند 19 من الوثيقة. لم يتم ذكر اسرائيل باسمها في الوثيقة، باستثناء مرة واحدة بين قوسين. «حماس» لا تريد الاعتراف باسرائيل، لا في حدود 1967 ولا في حدود 1948. «فلسطين بحدودها التاريخية، من النهر حتى البحر، من رأس الناقورة وحتى أم الرشراش هي ارض الشعب الفلسطيني»، جاء في الوثيقة الجديدة. اذا كان هناك أحد يصمم على حياكة البدلات لمؤتمر سلام في كامب ديفيد مع «حماس» قريبا، فان الوثيقة تقول: اقامة دولة اسرائيل لاغية كليا وكذلك قرار التقسيم ووعد بلفور. («حماس» تعارض جميع الاتفاقيات والمبادرات التي تسعى الى القضاء على القضية الفلسطينية... ومن المحظور الحاق الضرر بالحقوق... لا يمكن أن يكون سلام في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني وسرقة اراضيه... كل اتفاق كهذا لن يؤدي الى السلام، المقاومة والجهاد لتحرير فلسطين هي حق مشروع وواجب على كل فلسطيني). وأعلن محمود الزهار في مقابلة له مع «الميادين» اللبنانية في نهاية الشهر الماضي أن موافقة «حماس» على اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 لا تعني الاعتراف باسرائيل، بل «حدود مؤقتة وتكتيك في اطار استراتيجية تحرير كل فلسطين». خطة الانفصال أحد الفوارق البارزة بين ميثاق «حماس» وبين الوثيقة السياسية الجديدة هي الانفصال العلني عن الصلة التنظيمية مع حركة الاخوان المسلمين الدولية. وقد جاء في البند الثاني في الميثاق أن «حماس» هي ذراع من أذرع «الاخوان المسلمين»، وقد تم الغاء هذا البند في الوثيقة الجديدة. وفي الميثاق جاء ايضا أن «اتفاق كامب ديفيد الخياني أخرج مصر من دائرة الصراع»، وهذا ايضا ألغي من الوثيقة الجديدة وليس صدفة. تفحص «حماس» في هذه الايام كيفية العودة الى قلب مصر. فهي بحاجة اليها بسبب قربها من القطاع وهي المنفذ للعالم. الانتخابات الداخلية في «حماس» اقتربت من الانتهاء، ويمكن أن يكون اسماعيل هنية بديلا لمشعل في منصب رئيس المكتب السياسي. ويتوقع أن يكون هنية موجودا في قطر معظم الوقت، وقد ينتقل الى السكن هناك. هو وقيادة «حماس» في القطاع بحاجة الى مصر كمعبر. وهذا هو سبب الابتعاد الوهمي عن «الاخوان المسلمين». مصر التي يسيطر عليها السيسي هي عدوة لـ»الاخوان المسلمين»، ولا يناسب «حماس» في هذه المرحلة أن تكون جزءاً منهم. ولكن المصريين عيونهم مفتوحة وقد سمعوا المقابلة الاخيرة لمحمود الزهار في «الميادين» حيث قال، («حماس» في تفكيرها وميثاقها وطريقها وتربيتها هي اخوان مسلمون ولا أحد ينكر ذلك). كيف سينظر الغرب الى هذا الانفصال؟ هذه قصة اخرى. تمتنع «حماس» في الوثيقة السياسية الجديدة عن مناكفة «م.ت.ف» الميثاق يتحدث عن الصراع بين الخصوم السياسيين على أنه صراع بين النور والظلام، بين القوى الدينية والتيارات العلمانية الفلسطينية، إما نحن أو هم. أما في الوثيقة السياسية تعتبر «حماس» أن «م.ت.ف» هي «اطار وطني يجب الحفاظ عليه واعادة بنائه من جديد». تعتبر الوثيقة الجديدة أن الكفاح المسلح هو خيار استراتيجي. وهذه صورة مرآة لـ «م.ت.ف» التي اعلنت في السابق أن السلام بالنسبة لها هو الخيار الاستراتيجي. «نحن لسنا نسخة عن (فتح)»، قال الزهار. هذه بالضبط هي الرسالة التي تريد «حماس» توصيلها للشعب الفلسطيني الذي لا يميز احيانا بين المنظمتين بخصوص اقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967. حتى لو أن الوثيقة السياسية لـ»حماس» صيغت باسلوب مختلف، فهي تبقى نفس السيدة ولكن بمظهر مختلف. «حماس» ستواصل ترديد شعاراتها حسب ميثاقها والتي تُسمع حتى الآن في المظاهرات والجنازات والاستعراضات العسكرية: «الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا، والقرآن دستورنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا». عن «معاريف»