ملاحظات على أداء الشيوعيين في مناطق 48

حمادة فراعنة.jpg
حجم الخط

دعانا الحزب الشيوعي الأردني إلى الاستماع لمحاضرة نوعية قدمها المناضل عادل عامر أمين عام الحزب الشيوعي في مناطق 48، بمناسبة يوم الأرض، وهي نوعية لسببين: أولهما لأن الضيف كان شريكاً في أحداث يوم الأرض في 30 آذار1976، وثانياً لأنه أحد الشهود عن قرب على أوضاع أبناء مناطق 48، فهو من مدينة كفر قاسم المشهورة بالمجزرة التي قارفها الجيش الإسرائيلي في شهر تشرين الأول 1956 عشية العدوان الثلاثي الاستعماري البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر.
قدم المحاضر الوقائع الحسية المتسلسلة لأحداث يوم الأرض، وعرض حجم معاناة المكوّن الأول من مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة وهي: 1- فلسطينيو مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، 2- فلسطينيو مناطق 67 أبناء الضفة والقدس والقطاع ، 3- فلسطينيو اللجوء والمنافي والتشرّد من أبناء المخيمات الذين هجروا من وطنهم العام 1948.
الفلسطينيون توزّعوا بين الكيانات السياسية، وتوحّدوا في المعاناة، ووحدهم أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة واجهوا ظلماً متعدد الأشكال من محاولات طمس هُويتهم الوطنية، والعمل على تمزيق تماسكهم الاجتماعي والوطني والقومي، فأطلقوا عليهم التسمية الدارجة «عرب إسرائيل»، وهكذا تم بفعل قوة الواقع التجاوب مع الثقافة والهُوية الإسرائيلية، ووحدهم الشيوعيون الذين تصدوا للتهجير وحرضوا شعبهم على البقاء وعدم الرحيل، رغم المجازر المنظمة المنهجية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين على أيدي طلائع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لدفعهم نحو الهروب والرحيل والهجرة القسرية.
الشيوعيون في مناطق 48 رفعوا شعار الصمود لشعبهم لأنهم الحزب الوطني الوحيد الذي بقيت قياداته وقواعده على أرض وطنه، ولم يكن ذلك امتيازاً لهم، بل تحمّلوا أعباء المواجهة منفردين في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني وبرنامجه، وأدوا واجبهم كما يجب، ودفعوا أثماناً باهظة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وزادوا من كره وحقد أجهزة الأمن الإسرائيلية لهم، تمسكهم الحازم بالحفاظ على هُويتهم الفلسطينية.
وكانت هذه مأثرتهم الأولى والفضل الأول لشعبهم، وكان لهذا انعكاسه على نضال شعبهم.
وهذا ما يفسر وجود أدب المقاومة وولادته على أيدي توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وغيرهم من أفذاذ شعراء المقاومة وفي طليعتهم، كما كان للقيادات السياسية دورها في صياغة برنامج العمل الكفاحي لشعبهم في مواجهة الحكم العسكري البغيض، وانقطاعهم عن أمتهم وتغييب كل الأدوات الوطنية والقومية والدينية المناهضة للمشروع الإسرائيلي.
كان توفيق طوبي وجورج طوبي وإميل توما وإميل حبيبي وسالم جبران وتوجهاتهم وكتاباتهم، المرشد الوطني القومي التقدمي لمعركة صمود شعبهم والإصرار على التمسك بهُويتهم الوطنية والقومية وتأدية دورهم الطليعي حتى كافأهم شعبهم بالانحياز لهم في كل الجولات الانتخابية، كي يكونوا طليعة شعبهم وقيادته في مواجهة سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأجهزتها وزبانيتها، حتى كانت حرب 67 التي شكلت محطة انتقالية رفدت هؤلاء مساحة أوسع من الوعي والعمل، فقد التقوا مع أبناء شعبهم في مناطق 67، وبرزت أكثر من ذي قبل حقيقة الصهيونية ومشروعها الاحتلالي التوسعي الاستعماري، باحتلال ما تبقى من فلسطين إضافة إلى الجولان السوري وسيناء المصرية.
لقد ترسخ نضال الشيوعيين وباتوا رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه أو تخطّيه أو القفز عن تأثيراته وأفعاله، فكانت ولادة جبهة الناصرة الانتخابية التي جعلت من شاعر المقاومة توفيق زياد رئيساً لبلديتها، ونجاح قوائم مماثلة بقيادة الشيوعيين في العديد من المدن والقرى العربية الفلسطينية التي قادت معركة الحفاظ على الأرض والدفاع عنها والدعوة للإضراب الاحتجاجي على قرارات المصادرة يوم 30 آذار 1976، وسقوط الشهداء من الشيوعيين وغيرهم من أبناء شعبهم في مواجهة الأمن الإسرائيلي.
سجل الشيوعيون إضافة إلى مأثرتهم الأولى بالحفاظ على الهُوية الوطنية الفلسطينية وعلى قوميتهم العربية، ورسوخ مبادئ حقوق الإنسان، وقيم العدالة، ورفض الظلم الذي وقع على شعبهم، اجتراح فكرة وبرنامج الشراكة مع الإسرائيليين الرافضين للصهيونية، والمعادين للاحتلال وللاستعمار، والمؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة: حق المساواة في مناطق 48، وحق الاستقلال لمناطق 67، وحق العودة للاجئين، وهكذا قدموا نموذجاً متقدماً للعمل المشترك وتوسيع آفاق وحجم التأثير لهم وإحراج أولئك الذين عملوا مع الأحزاب الصهيونية، وكان تأثيرهم قوياً حيث كانت نسبة التصويت لصالح الأحزاب الصهيونية من الوسط العربي الفلسطيني كبيراً، ولهذا قاد الشيوعيون معركة رفض التصويت للأحزاب الصهيونية ساعدهم على ذلك ولادة الحزب الديمقراطي العربي برئاسة النائب عبد الوهاب دراوشة والحركة الإسلامية برئاسة عبد الله نمر درويش ومؤخراً حزب التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة، هؤلاء الذين انتزعوا التصويت العربي عن الأحزاب الصهيونية.
ولادة الأحزاب العربية التي رفعت شعار «الصوت العربي للنائب العربي» لم يدفع الشيوعيين للتراجع عن برنامجهم المشترك في أولوية الحفاظ على الشراكة العربية العبرية، الفلسطينية الإسرائيلية، في نضال تراكمي متواصل ضد الاحتلال وضد العنصرية، وقد نجحوا في ذلك، حينما تشكلت القائمة المشتركة في 22/ 1/ 2015، وخاضوا الانتخابات يوم 17/3/2015 على أساسها، وحققوا نجاحاً متقدماً عبر التحالف الانتخابي الجبهوي بين التيارات السياسية الثلاثة: التيار اليساري وممثله الجبهة الديمقراطية والشيوعيون، والتيار الإسلامي عبر الحركة الإسلامية، والتيار القومي وتعبيره التجمع الوطني الديمقراطي ومعه الحركة العربية للتغيير، وكان العضو الثامن الذي نجح عبر القائمة المشتركة هو الشيوعي الإسرائيلي دوف حنين من بين 13 نائباً حققوا الفوز بعضوية البرلمان، والحقيقة أن الفضل يُسجل هنا لكل من محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية الذي تمسك بترشيح دوف حنين، وقبول الشيخ عبد الله نمر درويش مرشد الحركة الإسلامية ورئيس مجلس الشورى لديها، واستجابته لفكرة أن يكون يهودي إسرائيلي في عضوية القائمة البرلمانية المشتركة.
مأثرتان تحققتا في مناطق 48 بفعل رؤية الشيوعيين، وواقعيتهم وبرنامجهم السياسي المتصادم مع برنامج المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بالاحتلال والعنصرية والمصادرة والاستيطان والتوسع، فتمسكوا بالهوية العربية الفلسطينية في مناطق 48 ضد الأسرلة والتغييب والشتيت، الوطني القومي، وتمسكوا بالشراكة الفلسطينية الإسرائيلية، والقومية العربية العبرية، ونضالهم المشترك رغم ضعف الانحياز الإسرائيلي لعدالة المطالب الفلسطينية وشرعية نضالهم، ولكنه الطريق الصادم للعنصرية وللصهيونية وضد العزلة وادعاء التفوق.
الشيوعيون في فلسطين يختزلون عوامل الزمن في تحقيق الهزيمة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ونيل الانتصار للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني عبر برامجهم الواقعية العملية الملموسة في حشد الفلسطينيين وتوحيد صفوفهم، وفي العمل على اختراق المجتمع العبري الإسرائيلي وكسب انحيازات من بين صفوفهم لصالح عدالة المطالب الفلسطينية المشروعة، وشرعية النضال الوطني الديمقراطي الفلسطيني ضد الاستعمار والاحتلال والعنصرية والتمييز والصهيونية.