مجلس مقاومة الإرهاب لا الإرهابيين

thumbgen (12).jpg
حجم الخط

 

كلمة الرئيس السيسى القصيرة بعد الحادث الإرهابى الخسيس خرجنا منها بعدة قرارات ومناشدات، أنا شخصياً أعتبر أهم ما فيها هو تشكيل المجلس الأعلى أو الوطنى لمقاومة الإرهاب، ربما أهم من إعلان حالة الطوارئ، ذلك لأن إعلان الطوارئ هو قرار مؤقت، قرار تكتيكى وليس استراتيجياً، قرار هو امتداد لسياسة مقاومة الإرهابيين أمنياً وهى سياسة مهمة بالطبع لكن مقاومة الإرهاب مختلفة تماماً وأكبر وأشمل من مقاومة الإرهابيين، لكن هذا المجلس المفروض أنه سيضع استراتيجية شاملة لمقاومة الإرهاب، فنحن نضرب ذباب وبعوض الإرهابيين بمضرب، نصطادهم فرداً فرداً، بينما المستنقع يفرز لنا وتبيض وتتوالد فى قاذوراته وقمامته يرقات ومسوخ كل حشرات الإرهاب وضباعه وهوامه بالملايين!!، تشكيل هذا المجلس سيعطينا دلالة عن كيف تفكر الدولة بالنسبة لمقاومة ومحاربة واستئصال الإرهاب، إذا وجدنا نفس الوجوه القديمة التى جثمت على أنفاس المجتمع بسياساتها المتواطئة مع الإرهابيين، فالدولة بهذا الشكل ستكرر نفس المسرحية المملة من المماينة والمهادنة والأسطوانة المشروخة والحلول العقيمة ومؤتمرات البهرجة واللت والعجن والمكلمة، إذا امتلأت منصة اجتماعات هذا المجلس باللحى الوهابية التى تنمو إلى داخل الروح فتخلق أحراشاً سلفية غير ظاهرة للعيان ولكنها متجذرة فى تربة الروح والفكر والوجدان، لو فعلت الدولة ذلك فإننا نعيش حالة هزار وعبث بامتياز، لا بد أن يضم هذا المجلس مفكرين وفنانين وعلماء اجتماع وسيكولوجى.. الخ، لا بد أن نضع هؤلاء الشباب الانتحاريين على طاولة التشريح ونحلل ونرصد ونضع حلولاً، لا بد لهذا المجلس الذى لا بد أن يكون أعلى من سلطة أى كهنوت لأى دين، أن يجيب عن هذا السؤال المهم، هل نحن نريد اللحاق بالحداثة وبالحضارة التى أولى بديهياتها هى قبول الآخر والمواطنة واحترام القانون وقيم الدولة المدنية الحديثة أم لا؟!، نضع إجابة حتى نكون بلغة الشارع على نور، هل نحن جادون أم نستهلك وقتاً فقط فى استنفاد طاقة الحناجر ووقود الثرثرة؟!، الوقت لم يعد يحتمل الطبطبة، المجال لم يعد يتسع لقعدات العرب العرفية أو الفصال مع سماسرة الدين الذين ذهبوا بنا إلى قاع جهنم، لم يعد مقبولاً تكرار عبارة من فضلكم جددوا الخطاب الدينى لمن ضيعوا الدين والدنيا وما زالوا محنطين فى توابيت الماضى، مقدسين قبور العنعنات يطلبون منها الحل والبركة، واقفين على محطة صارت أطلالاً لا يقف أمامها قطار ولا تحط عليها حتى دابة وينتظرون وننتظر معهم توربينى المستقبل!!، وطن نصف قوات أمنه المركزى تحرس دور عبادته التى هى مرادف السلام والسكينة لن يصنع مستقبلاً، وطن يصرف مليارات من جيوب دافعى الضرائب لتخريج دعاة كارهين للحياة لا يحتاج المجتمع إلا واحد على ألف منهم، يرددون ما فى الكتب التى عمرها ألف عام ويلقون لنا ما تستطيع أى كى بورد أن تعرفنا أضعافه فى نفس الوقت الذى تتسول فيه معامل البحث العلمى الملاليم لكى تمنحنا دواء أو غذاء أو لحظة سعادة وبهجة!!، إعلام يستهلك نصف وقته فى تليفونات ورسائل فتاوى وتفاسير أحلام وكأننا شعب معوق لا يستطيع أن يفكر فى أمور حياته إلا من خلال بوتيكات الفتاوى الفضائية وبازارات بيع الحوريات الفردوسية!

نحلم بمجلس يحارب الإرهاب ولا يكرسه، شعاره دائماً فى الإمكان أفضل مما كان، مجلس الإبداع لا الاتباع، نشر التفكير النقدى لا النكدى، أعضاؤه محصنون من تهم وتكفيرات هواة الشهرة رافعى قضايا الازدراء التى صارت محاكم تفتيش ضمائر ونيات، مجلس مهمته من الممكن أن تكون مزعجة للبعض الذى استمرأ الشلل تحت اسم الاستقرار والتشرنق تحت اسم الحفاظ على الهوية!!، ، مجلس القلق الإيجابى المنتج، مجلس يكون أول خطوة للعودة إلى جوهر مصر الحقيقية الخضراء قبل هبوب رياح التصحر الصفراء.

عن الوطن المصرية