في صباي كنتُ تلميذة معهد، وعلى مدى سنين شاركت في يوم القدس في «مسيرة الأعلام». في تلك الأيام ظهرت أعلام أقل في المسيرة. ولكن حتى هكذا، بلباس ازرق – أبيض كنا كالأعلام التي تسير على أقدام في ازقة البلدة القديمة، نتظاهر مع الكثيرين لنستعرض سيادتنا على سكانها، ممن أغلقوا على انفسهم منازلهم. كان هذا بعد صعود «غوش ايمونيم» كحركة جماهيرية لليمين الديني. قبل ذلك كانوا يحيون يوم القدس في مناسبات داخلية في المدرسة الاساسية الدينية التي تعلمتُ فيها. ورغم اني انجرفت في حينه، مثل كثيرين آخرين، وراء البشرى الاعتقادية، أتذكر إحساسا كبيرا بعدم الراحة، وبودي أن اؤمن اني لم أكن وحيدة في ذلك. قبل بضعة ايام رفعت جمعية «عير عميم» (مدينة شعبين) التماسا ضد عبور مسيرة الاعلام في الحي الاسلامي. ومع السنين اصبحت المسيرة استعراضا للكراهية، العنصرية والقومية المتطرفة. لم يعد الحديث يدور عن «اعشاب ضارة» بل عن المئات وربما الاف الحالات، التي تتكرر كل سنة وتتوثق في ساعات من التسجيلات الصوتية والصورية. ففي المسيرة تطلق هتافات متكررة مثل «محمد مات»، «الموت للعرب»، «الموت لليساريين» وتخرّب املاك فلسطينية، ويشهد الفلسطينيون عنفا جسديا ولفظيا.
هذا وغيره، فمن اجل السماح بعبور المسيرة تغلق الشرطة الحي الاسلامي كله في وجه السكان الفلسطينيين. تغلق كل الدكاكين في الحي بأمر من الشرطة. ومن لم يتمكن من إغلاق بيته على نفسه يوقف حتى ساعات المساء المتأخرة خلف حواجز الشرطة، بمن فيهم اطفال كثيرون يعودون من المدارس. ويدور الحديث عن قيد جارف على حرية الحركة والعمل وشلل شبه تام للحياة، على اساس عرقي – قومي.
يدل سلوك الشرطة والبلدية على استسلام لليمين الديني. في الماضي عارضت الشرطة عبور المسيرة في الحي الاسلامي، ولكنها تراجعت عن ذلك بسبب ادعاءات منظميها بانها تشجع تقسيم القدس. وهكذا استبدلت الشرطة اعتبارا سياسيا باعتبار مهني. وذكرت احداث السنة الماضية الجميع بالنسيج الهش للحياة في القدس، البنية التحتية العميقة من الكراهية والعنصرية، التي تتشارك فيها فئات سكانية عديدة في المدينة، وقابليتها للانفجار. وكان ثمة مكان للاخذ بالحسبان هذا الواقع وتقييد الاعمال التي تستهدف اثارة فئة سكانية على اخرى واحداث مزيد من التشويش للعلاقات بينهما.
ان حرية التعبير قيمة عليا بالنسبة لنا، ولهذا فاننا لم نرفع الالتماس ضد المسيرة نفسها رغم أن استعراض النصر من فئة سكانية واحدة حيال مصيبة الثانية ضار في نظرنا اخلاقيا وسياسيا. نطالب بأن يمنع عبور المسيرة في الحي الاسلامي، وذلك لانها تخلق ظروف احتكاك غير معقولة وشللا عديم التوازن لحياة الفلسطينيين.
في الايام الاخيرة يجري نقاش يقظ في شبكات اليمين الديني في اعقاب فيلم نشرناه، يوثق التحريض واعمال العنف في المسيرة في السنوات الاخيرة. ولاول مرة تنطلق في اليمين الديني اصوات، وان كانت قليلة، تدعو الى القضاء على مظاهر العنصرية والعنف في المسيرة. ينبغي الترحيب بهذا النقاش والأمل في أن يتعمق ويخلق مراجعة عسيرة. ومع ذلك، اذا كانت نية معارضي العنصرية في اليمين الديني جدية، فان عليهم ان يدعو الى انسحاب المسيرة من الحي الاسلامي. فمن مثلهم يعرف بان المعالجة اللازمة للقضاء بل لتقليص العنصرية والتحريض في صفوفهم هي معالجة جذرية لا تتلخص بتصريحات لطيفة على الاذن.
ان مجرد الدخول الى الحي الاسلامي بهذا التوقيت وهذه الصيغة هو عمل عدواني ليس مقبولا على العقل في ظروف المس بمشاعر السكان الآخرين في المدينة. لا يمكن لسكان الحي الاسلامي آن يشكلوا بالون اختبار «للنوايا الطيبة».
عن «هآرتس»