استهداف مصر مرتبط بالردّ الأميركي...

thumbgen.jpg
حجم الخط

 

من الطبيعي أن تكون مصر مستهدفة على كلّ صعيد في مرحلة تبحث فيها المنطقة العربية عن توازنها. مطلوب من مصر أن تلعب دوراً سلبياً على المستوى العربي، خصوصاً بعد المصالحة التي تحققت في قمة البحر الميت، حيث التقى الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرئيس عبدالفتّاح السيسي في محاولة لإعادة المياه الى مجاريها بين الرياض والقاهرة. الملفت أكثر من ذلك، كان الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري في القمّة وحمل فيه على الذين يعملون من أجل إثارة النعرات المذهبية في المنطقة. كانت تلك إشارة واضحة الى إيران ومشروعها التوسّعي القائم على الاستثمار في كلّ ما من شأنه توسيع الشرخ المذهبي في المنطقة خدمة لهذا المشروع.

كان على مصر البقاء في اسر مشاكلها الداخلية وعلى خلاف مع السعودية ومنغلقة على نفسها وألا تكون لها اطلالة على الولايات المتّحدة. كان عليها ألّا تسعى الى استعادة أي دور في المجال الإقليمي، وألّا تتعرّض كنائسها لما تعرّضت له يوم احد الشعانين. هناك شيء اسمه «داعش» يصلح لكلّ أنواع الاستخدامات في منطقة لا يحصل فيها شيء بالصدفة.

كان الاستخدام الاوّل لـ«داعش» في سورية. كان الهدف واضحا كلّ الوضوح. يتمثّل هذا الهدف في اظهار النظام السوري في مظهر الشريك في الحرب على الإرهاب، علما ان هذا النظام كان له دوره الأساسي في ظهور هذا التنظيم الإرهابي الذي يضمّ عناصر كثيرة ذات أسماء معروفة كانت في سجونه واطلقت فجأة. اطلقت في مرحلة التمهيد لشيطنة الثورة الشعبية في سورية من جهة والتشجيع على انتشار الإرهاب «السنّي» في العراق من جهة اخرى. هل هناك افضل من «داعش» لتبرير عملية التدمير الممنهجة لمدينة مثل الموصل على يد «الحشد الشعبي» والقيام بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي في انحاء مختلفة من العراق بدءا بالعاصمة بغداد؟

لم تعد مصر في منأى عن استخدامات «داعش» الذي أعلن مسؤوليته عن مهاجمة الكنائس المصرية في طنطا والإسكندرية ومدن أخرى، كما حصل في السابق، بواسطة انتحاريين أو عبوات ناسفة زرعت داخل هذه الكنائس لتنفجر بالمصلين. هناك معاقبة لمصر تمارس بواسطة «داعش» في وقت اتخذ السيسي قرارات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي من بينها السعي الى استعادة الدور العربي لمصر، مع بداية فهم لحقيقة النظام السوري، بدل الاكتفاء برؤية ما يدور في هذا البلد بعين واحدة. هذه العين الواحدة تفرضها عليه الحساسية تجاه الاخوان المسلمين والتخلّف الذي يجسدونه، فضلا بالطبع عن فكرهم الذي هو في أساس كلّ التنظيمات الإرهابية التي تستخدم الإسلام غطاء. صحيح انّه لا يمكن تجاهل انتهازية الاخوان المسلمين عندما يتعلّق الامر بسورية وما يدور فيها، لكنّ الصحيح أيضا أن الثورة في سورية هي ثورة شعبية تجاوزت الاخوان المسلمين، مثلما تجاوزت شخص بشّار الأسد والمحيطين به. إنّها ثورة شعب يبحث عن كرامته، شعب يرفض بكلّ بساطة نظاماً اقلّوياً متحالفاً مع ايران ومع روسيا فرض عليه العبودية والتبعية.

في القمّة العربية وبعدها، ظهر السيسي وكأنّه دخل مرحلة إعادة تأهيل مصر عربيا وإقليميا، وذلك على الرغم من المشاكل الاقتصادية العميقة التي يعاني منها البلد. كانت له زيارة ملفتة للولايات المتحدة حيث حظي باستقبال حار في البيت الأبيض ومن الرئيس دونالد ترامب بالذات. اظهر الرئيس الاميركي انّه على استعداد لتجاوز عقدة باراك أوباما تجاه مصر وسورية وايران. هناك سياسة أميركية مختلفة مصريا وسورية وايرانيا. هل يعاقب ترامب، بواسطة «داعش»، على اعادته الاعتبار الى مصر وعلى كشفه النظامين في سورية وايران على حقيقتهما وتخليه عن دور المتفرّج على الحرب التي يشنها بشّار الأسد على شعبه؟ هل يعاقب ترامب لانّه كشف ان روسيا لم تلتزم تعهداتها في العام 2013 وتغاضت عن بقاء كمّية من الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري؟ يبدو أن هجمات «داعش» على الكنيستين المصرية موجهة في جانب منها للسياسة الأميركية الجديدة التي اكدّتها الضربة الأميركية للقاعدة السورية التي انطلقت منها الطائرة التي قصفت اهل خان شيخون بسلاح كيميائي.

انحصر دور «داعش» منذ ظهر على خريطة المنطقة على لعب الدور المطلوب منه إيرانيا. لم يسمع يوما عن تهديد «داعش» لإيران. كلّما كان النظام السوري محشورا، نرى «داعش» ينفّذ عملية إرهابية في أوروبا او في تركيا او في احدى المدن العربية. نراه حتّى يمارس ارهابه في روسيا لتبرير وقوفها الى جانب النظام السوري في الحرب التي يشنها النظام بمشاركة الميليشيات المذهبية التابعة لإيران على الشعب السوري.

لا يمكن بالطبع تجاهل ان مصر، التي استطاعت الإفلات من قبضة الاخوان المسلمين بعد ثورة شعبية في الثلاثين من يونيو 2013، تتحمّل مسؤوليات كبيرة. من بين هذه المسؤوليات تفادي الأخطاء التي ارتكبت في عهد حسني مبارك الذي تميّزت السنوات العشر الأخيرة من عهده بغياب أي وعي لخطورة انتشار فكر الاخوان وتوابعهم في وسائل الاعلام وغياب أي قدرة على اتخاذ مواقف تستوعب مسألة الاقباط. نعم، هناك مسألة قبطية في مصر. لا بدّ من معالجة هذه المسألة، التي هي أكبر من قضيّة، عبر خطاب ديني مختلف بدل السقوط في فخ «داعش» ومن وراء «داعش». هناك حرب لا مفرّ من شنّها على «داعش» وما تمثله. الحرب «مسؤولية المسلمين اوّلا»، على حدّ تعبير الملك عبدالله الثاني، هذه الحرب ذات أوجه عدّة. من بين الاوجه استيعاب من يقف فعلا وراء هذا التنظيم الإرهابي المرتبط بطريقة او باخرى بالنظامين في سورية وايران. استيعاب ذلك سيسّهل على مصر مهمّتها وسيمكّنها من الاقدام بخطوات شجاعة على الصعيد الداخلي، خصوصا في مجال تحديث الخطاب الديني بعيدا عن ما يصدر عن الازهر الذي كان عليه اخذ المبادرة في هذا المجال بدل ترك نفسه اسير الجمود والتزمت.

هناك زعماء عرب، على رأسهم الملك محمّد السادس، لم يترددوا في الاقدام على كلّ ما من شأنه الدفاع عن الإسلام الحقيقي الذي يؤمن، بين ما يؤمن به، بالاعتراف بالآخر بديلا من الفكر الذي يروّج له «داعش» السنّي و«الدواعش» الشيعية التي لديها مصالح متبادلة مع «داعش».

تجد مصر نفسها وسط لعبة معقّدة واعداء شرسين همّهم الاوّل ان تبقى أسيرة مشاكلها الداخلية التي تفاقمت في عهد حسني مبارك بحسناته وسيئاته التي من بينها الإهمال الكامل للمسألة القبطية.

يُفترض الانطلاق من مأساتي الكنيستين لبناء جديد في مصر، لا لشيء سوى من اجل استعادة التوازن الإقليمي الغائب والامساك بالوضع الداخلي ومواجهة «داعش» ومن وراء «داعش» بفعالية. من أين البداية؟ البداية بكل تأكيد في تجديد الخطاب الديني في اتجاه الانفتاح ولكن من دون تجاهل ما هو «داعش» حقيقة ولماذا استهداف مصر بواسطة «داعش» بعيد عودة السيسي من رحلته الأميركية. استهدفت مصر، بكلّ بساطة، بعد ايّام من كلّ تلك الضجّة التي اثارتها إدارة ترامب عندما اكدت وجودها القويّ في سورية بالردّ على استخدام السلاح الكيميائي في الحرب المتعددة الاطراف على شعبها...

عن الرأي الكويتية