بعد يومين من هذا النهار، وفي المناسبة السنوية ليوم الأسير الفلسطيني، سوف تشرع الحركة الأسيرة في المعتقلات الاسرائيلية، بكل أطيافها السياسية، بإضراب مفتوح عن الطعام، هو الاول من نوعه منذ سنوات، لتحقيق عدد من المطالب الانسانية المشروعة، على رأسها إطلاق سراح الأسرى المرضى، وإنهاء سياسة العزل الإنفرادي، والكف عن الاعتقال الإداري، الى جانب مطالب حياتية اخرى محقة، بما في ذلك تحسين الاوضاع داخل اثنين وعشرين معتقلاً، تضم آلاف الاسرى، بينهم مئات النساء وعشرات الأولاد القاصرين.
ولا أحسب أن هذا الاضراب، الذي يقوده القائد البارز الأسير مروان البرغوثي، مجرد حدث داخلي فلسطيني، لا يخاطب سوى ذوي نحو 6500 معتقل من الفلسطينيين والعرب، المنسيين في ظروف مجحفة، خلف أبواب حديدية مغلقة. حيث كانت الإضرابات الفردية والجماعية عن الطعام، في ما مضى من زمن، حدثاً وطنياً جامعاً، يتردد صداه في الخارج على أوسع نطاق، لا سيما في العالم العربي، الذي بات الآن منشغلاً بأوضاعه الداخلية المزرية، إلى حد لم يعد فيه الخبر الفلسطيني يجد مكاناً لائقاً على شاشة التلفزيون وشبكة الانترنت، او في الإعلام المكتوب.
وعليه، ينبغي وسط هذه الهموم والانشغالات التي لا حصر لها، ومع تزاحم الأولويات على الأجندة العربية، التذكير بهذا الإضراب، وبث الواقعة بكل السبل المتاحة، لحث اصحاب الضمائر الحية على التفاعل بكل الصور المشروعة مع هذا الاضراب النوعي، وإبداء مختلف أشكال التضامن الوطني والقومي مع هؤلاء الأسرى الأبطال، الذين سيدخلون في أكثر الإضرابات جماعية، بقيادة مركزية، وبإعداد وتخطيط وتنظيم وتحشيد وتعبئة، وتوعية مسبقة، بأهمية التزام جميع المعتقلين بمعركة الأمعاء الخاوية، إلى إن يتم تحقيق غاياتها النبيلة.
ذلك أن معارك الإضراب الجماعي عن الطعام، ومقاومة المحتلين بالإرادة الذاتية، وبسلاح الجوع المتاح وحده، ملاحم كبرى في حياة الشعوب وحركات التحرر الوطني على مدار التاريخ الحديث، كما تعتبر مثل هذه المعارك النادرة خطوة نضالية لا مثيل لها في أي مكان يسوده الظلم وتختل فيه الموازين، فما بالك بالحالة الفلسطينية المحتاجة في هذه الآونة، الى وقفة من هذا النوع من المواجهات الملهمة للخيال، التي قد تؤدي مفاعيلها المرتقبة الى التقدم على طريق انهاء الانقسامات الداخلية، وشد العصب الوطني، وراء كوكبة من المناضلين الشجعان.
ومع ان نجاح مثل هذا الاضراب المفتوح زمنياً، يتوقف في المقام الاول على صلابة معدن الرجال والنساء، وهم ذوو تجربة غنية وخبرة متراكمة، يخوضونها كمعركة مصير في أسوأ الظروف الموضوعية، إلا أن نجاح الإضراب من عدمه يتعلق بمدى التفاعل مع المضربين، ويتصل بتنوع أشكال الإسناد من الخارج، أي من الشعب الفلسطيني في الداخل، ومن أشقائه من مختلف العواصم، بما في ذلك القوى الحزبية والاجتماعية ووسائل الإعلام والكتاب والمثقفون وغيرهم، المطالبون بمؤازرة هؤلاء المرابطين في الخندق النضالي المتقدم ضد الاحتلال البغيض.
ولعل بعض من يقرأ هذه السطور يشعر في قرارة نفسه بالعجز عن فعل أي شيء مفيد، ولا يدري كيفية إظهار تضامنه مع الحركة الأسيرة، أو التعبير عن تعاطفه ومساندته لقيادتها المنهمكة في العمل على إنجاح مبادرتها الشجاعة، لذلك فإننا ندعو هؤلاء، بالحد الأدنى، إلى حث الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم الفصائلية إلى الوحدة ورصف الصفوف وراء أصحاب هذه الوقفة النضالية، ومطالبتهم بتشكيل حالة إسناد وطني جامعة على كل المستويات الممكنة، من منطلق أن هذا الاضراب معركة تخص كل الفلسطينيين دون استثناء، وفي ذلك مساهمة كبرى قد تؤدي إلى الخلاص من حالة الانقسام الكريه.
وليس من شك في أن طول الإضراب الذي يتحسب له المحتلون، ناهيك عن مدى نجاحه في تحقيق أهدافه المعلنة، يتوقف بدرجة كبيرة، وإلى حد بعيد، على إيصال صوت المتضامنين إلى الخارج، وعلى تجاوب المخاطبين به مع أصحاب البطون الخاوية، ناهيك عن تفاعل المؤسسات الحقوقية والدولية والإنسانية مع القابضين على جمر معاناتهم الشخصية والوطنية في غياهب السجون والمعتقلات، لعل ذلك كله يرد الاعتبار للقضية الفلسطينية المتروكة، ويعيدها إلى رأس جدول الاهتمامات العربية والدولية، ويسهم كذلك في تكوين رافعة نضالية قوية لحالة فلسطينية لا تسرّ إلا العدو.
عن الغد الأردنية