والأسئلة موجهة إلى شيوخنا الأعلام لأنهم يفترض أنهم حماة الشرع والشريعة والموكلون بحكم مواقعهم ومناصبهم ومرتباتهم بإعمال ما يمكن تسميته بفقه الواقع وهو الفقه الذى يفترض أن يتطابق مع الحاضر الذى نعيشه والحقيقة أن هذه الأسئلة تقلق كل مسلم غيور على دينه وعلى فهم هذا الدين ، فهماً يقتاد المسلم المعاصر إلى رفض التأسلم الذى يتحول بالكثيرين إلى الإرهاب.. ألم ندرك جميعاً أن الإرهاب يبدأ فكراً . ومن هذه الأسئلة كمجرد أمثلة.
عن الطلاق الشفوى: عندما طلب الرئيس فحص مسألة الطلاق الشفوى اجتمع كبار الكبار منكم وعادوا إلى كتب الفقه القديمة دون أى دراسة للواقع الجديد وأحوالنا وأوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى تجددت رغم جمودنا عبر قرون عدة. وعادوا بالفتوى الشهيرة بأن الطلاق الشفوى يقع . ولكن هل لفت انتباهكم فارق كبير جداً عن يومنا الآن ويوم الفقهاء العظام فى أوانه القديم وهو أن الزواج على أيامهم كان كله شفوياً فلم يكن هناك ـ مأذون ـ ولا وثيقة محررة وإنما كان يكفى الإشهار فإن لم يكن هناك إشهار فإن الزواج لا يقع.. وهنا أسأل لو أن رجلاً أقسم بالطلاق بينه وبين زوجته داخل جدران بيته .. ودون إشهار فلماذا يقع؟ فإذا كان الإشهار ضرورياً فى الزواج فلم لا يكون ضرورياً فى الطلاق مجرد سؤال؟ فهل من إجابة.
حول الفقه: ولست أدرى لماذا نتمسك فى وجل بفقه الأئمة الأربعة متجاهلين تغيرات الزمان والمكان ومتجاهلين مستحدثات العقل ومنجزات العلم فى عالم يسرع فيه الإبداع العقلى والعملى بصورة تحتاج الى متابعة محله وألا خرجنا إلى خارج التاريخ. والحقيقة أن الأئمة الأربعة قد أمرونا بألا نلتزم بما قالوا فقد كانوا يدركون ضرورة إعمال العقل فى كل ما قالوا قبولاً أو رفضاً ويدركون أن باب التأويل والتفسير لم ولن يغلق بعدهم.. فقالوا: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب ـ الإمام الشافعىـ .
ورأينا هذا هو أفضل ما قدرنا عليه فمن جاء بأفضل منه قبلناه ـ الإمام أبو حنيفةـ.
وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر ويشير إلى قبر الرسول ـ الإمام مالك ولنستمع لآراء من أتوا بعدهم فالإمام ابن القيم يقول من أفتى الناس بمجرد النقل من الكتب رغم اختلاف أعرافهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين [إعلام الموقعين ـ الجزء الثالث ـ صـ 78] . والإمام القرافى يقول ينبغى على المفتى إذا ورد عليه مستفت ألا يفتيه بما عادته أن يفتى به حتى يسأله عن بلده وهل حدث لهم عرف فى ذلك أم لا [الأحكام فى تمييز الفتاوى عن الأحكام ـ صـ323].
ولعل من حقنا أن نسأل أين سهامكم التى تشرعونها إلى صدور المجددين بينما أمامكم سلفيون يحرضون على الأقباط صارخين .. لا تآكلوهم ولا تشاربوهم ولا تهنئوهم بأعيادهم ولا كل سنة وانتم طيبون فيتهيأ العقل الجاف من صحيح لدين إلى نسف الكنائس .. فهل انتم مشاركون فى الإثم ؟ .
عن الأحاديث الشريفة: أجهد الإمام البخارى نفسه واحتمل مشاقاً وأسفاراً فى مختلف أرجاء الدولة الإسلامية وجمع من الأحاديث ستمائة ألف حديث ، وإذ حقق الأحاديث وقام بفحصها وأعمل عقله فاستبعد منها ما أرشده العقل من عدم صحته فأقر منها أربعة آلاف حديث فقط . أى أنه لم يصح لديه منها إلا حديث واحد من كل مائة وخمسين حديثاً أى نسبة 60% . وأبو داود لم يصح لديه من خمسمائة ألف حديث جمعها غير أربعة آلاف وخمسمائة.
ويقول الإمام الدار قطنى: ان الحديث لم يجمع إلا فى عهد المأمون أى بعد أن أصبح الحديث الصحيح فى الحديث الكاذب كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود. والآن هل من حقنا ان نقول إن فقه الأئمة الأربعة وغيرهم وهم كثيرون منتج بشرى غير معصوم ويجوز عليه الصواب والخطأ، وأن نبدأ نحن فى تمحيص الأحاديث النبوية واستقصاء ما هو معقول ومقبول منها وما ليس مناقضاً للعقل والعلم ومنجزات العصر. فهى فعل بشرى.
وسؤال من الإمارات لكل المصريين : وهذا السؤال ألح به مثقف شديد الاحترام من الإمارات.. ألح عدة مرات وأنا أروغ منه ، ثم ألح فسألت سؤاله . لماذا فى مصر وحدها خلافاً لكل بلاد فيها مسلمون تلتصق «زبيبة» فى جباه الكثير من المصريين ، جميع المسلمين يسجدون ومنهم من يطيل السجود ورعاً فلماذا لا تلتصق الزبيبة إلا فى مصر؟ ولماذا لا تلتصق مثلاً فى جباه النساء مع أنهن يصلين ويطلن سجودهن؟
وأعترف بأن أعرف الإجابة ولكننى عزفت عن إبلاغها للصديق الإماراتى لأنه يلح على طرح السؤال على المجموع نكاية فى أصحاب الزبيبات [جمع زبيبة] ولكى لا أرهق القارئ بحثاً عن إجابة لسؤال قلت أنا انه ساذج. فالإجابة هى أن نموذج التأسلم السلفى يقوم أساساً على المظهر الخارجى الجلباب والسروال واللحية والاختراع المصرى «الزبيبة» وكلما تمدد السلفيون على حجر الدولة وازدادوا انغماساً فى عمق المجتمع زادت الزبيبات وكان الإيمان شكلا ومظهرا .. هل لديك عزيزى القارئ إجابة أخرى نسد بها ظمأ الصديق الإماراتى؟
ويا سادتى جميعاً من حملة الزبيبات أو من غيرهم وقبلكم وقبلنا يا شيوخنا الأعلام لماذا لا نأتى جميعاً إلى صوت العقل..
ما هو قرآن وسنة صحيحة واجب الاتباع وما هو منتج بشرى يحتمل الصواب والخطأ ويبقى من ثم خاضعاً للتجديد. فمادام حق البشر فى التأويل متحققاً فلماذا نوقف قطار التأويل عند محطة الفقهاء الأربعة الكبار؟ هل من إجابة؟.
عن الاهرام