1- أعلنت الصناعات الجوية، الأسبوع الماضي، عن صفقة سلاح بمبلغ ملياري دولار مع الجيش الهندي. وتعتبر هذه الصفقة الكبرى، ليس فقط في تاريخ الصناعات الجوية، بل في تاريخ الصناعات الأمنية في إسرائيل. وحسب المعايير الدولية تعتبر هذه صفقة كبيرة. فقد باعت اسرائيل لجيش الهند أجهزة دفاع جوية من نوع «ام.آر.سام»، اضافة الى ذلك ستزود سلاح البحرية الهندي باجهزة دفاع جوية من نوع «ال.آر.سام»، والتي سيتم وضعها على حاملة الطائرات الاولى في الهند. هذه الاجهزة هي من تطوير عائلة صواريخ «براك».
في الـ 25 سنة الأخيرة يوجد تعاون عسكري وثيق بين الدولتين، وقد تحولت الهند الى السوق الوحيدة المهمة للصناعات الأمنية الإسرائيلية، بالنسبة للشركات الكبيرة ايضا ومنها رفائيل والصناعات الجوية والصناعات العسكرية و»البيت»، وبالنسبة لمصانع صغيرة ومتوسطة ايضا. هذا التعاون مر بأزمات عندما تم اتهام «رفائيل» والصناعات الجوية بدفع الرشوة لوزراء وموظفين رفيعي المستوى في الحكومة الهندية.
لا تعطي وزارة الدفاع تفاصيل حول حجم بيع السلاح الاسرائيلي للهند أو أي دولة، لكن حسب التقديرات فانه منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في التسعينيات وصلت المبيعات الى مبلغ 20 مليار دولار تقريبا. وقد شملت الصفقات بيع الرادارات والصواريخ والأجهزة الاستخبارية وأجهزة الرقابة ضد إطلاق النار ومراكز رقابة وسيطرة وما أشبه.
وتعتمد بعض الصفقات على منح الترخيص لإنتاج بعض الاسلحة أو مكوناتها في الهند، والبعض الآخر من الصفقات يختص بالتعاون والبحث المشترك، وهذه هي الحال بالنسبة للصفقة الحالية.
لقد تم تطوير جهاز «براك» في نهاية السبعينيات في الصناعات الجوية و»رفائيل» للدفاع عن السفن ضد الصواريخ، وهو معقد أكثر من رادار الرقابة على اطلاق النار، وقد اعتبر في حينه تطوراً نوعياً، حيث إن الصاروخ الذي يتحرك بشكل عمودي يحمل رأساً متفجرا كبيراً نسبياً يزن حوالي 20 في المئة من وزن الصاروخ. ومنذ ذلك الحين تم ادخال تعديلات وتحسينات اخرى كي يتم استخدام الصاروخ في سلاح البر وضد الطائرات.
الصاروخ الاخير الذي تم بيعه للهند هو «براك 8»، وجميع سفن سلاح البحرية في اسرائيل تمتلكه. وفي حرب لبنان الثانية أصيبت سفينة سلاح البحرية «حنيت» بصاروخ ايراني أطلقه «حزب الله» من الشاطئ، وقد حدثت الإصابة لأن قادة «حنيت» قرروا وقف جهاز الدفاع اثناء الإبحار قرب الشاطئ اللبناني.
استخلص سلاح البحرية الدروس في حينه، وغير الأوامر والإجراءات. وفي تشرين الأول 2014 تحدث سلاح البحرية عن تجربة ناجحة اخرى لصاروخ «براك 8» في الدفاع امام صواريخ «يحونت» الروسية. وتمت التجربة في اطار تحسين أجهزة الدفاع التي تهدف الى حماية السفن من الصواريخ، وكذلك حقول التنقيب عن الغاز في اسرائيل. أحد سيناريوهات الجيش الإسرائيلي هو أنه عند نشوب الحرب مع «حزب الله» أو «حماس» ستحاول صواريخ العدو الإضرار بالسفن وحقول الغاز.
سلاح البحرية قلق جدا من صواريخ «يحونت» الفتاكة والأكثر تطورا في العالم. هذا الصاروخ الروسي يحلق أمتارا محدودة فوق سطح البحر. وقد زودت روسيا سورية بهذه الصواريخ، وحسب تقدير الاستخبارات الاسرائيلية يوجد لدى «حزب الله» عشرات من هذه الصواريخ التي تم تهريبها أو سرقتها أو اعطاؤها للمنظمة الشيعية. القصف في سورية، الذي ينسب في السنوات الأربع الأخيرة لسلاح الجو الاسرائيلي، يهدف الى منع وصول صواريخ «يحونت» من سورية الى لبنان.
لقد اشتكت اسرائيل في السابق لروسيا بسبب نقل هذا السلاح، وقدمت معلومات استخبارية تؤكد ادعاءها. وكان الرد الروسي أنه اذا كان هذا الأمر صحيحا فان هذا تم بدون علم روسيا، ولكن إسرائيل تجد صعوبة في تصديق التبرير الروسي.
عودة الى الهند. فهذه الدولة الكبيرة تحولت ليس فقط الى سوق للسلاح الإسرائيلي، في السر يوجد تعاون في مجالات عسكرية مختلفة وفي الموضوع النووي ايضا، كما نشر، مؤخراً، مراسل من الهند، قبل الزيارة المتوقعة لرئيس الهند في إسرائيل.
يوجد لدى الهند صاروخ باسم «برهاموس». وقد تم تطويره بالتعاون مع سورية، وهو يشبه صواريخ «يحونت». وقبل أن تقوم الهند بشراء صواريخ «براك 8» من اسرائيل، قام سلاح البحرية هناك باجراء الكثير من التجارب لمعرفة قدرة هذا الصاروخ. وخاصة قدرته أمام «برهاموس». يمكن القول إنه في سياق التعاون وصفقات السلاح تعتمد اسرائيل على الصاروخ الهندي من اجل معرفة مزايا «يحونت» وتحسين أداء «براك 8» ضده.
إن الصفقة الكبيرة ليست ذات أهمية مالية فقط، فمن ورائها قصة لافتة لها أهمية استراتيجية لاسرائيل.
2- ما الذي حدث بالفعل في الساعة 2:40 من صباح يوم الجمعة في 17 آذار؟ في الإعلان الرسمي لمتحدث الجيش بعد بضع ساعات، جاء أن اجهزة الدفاع الجوي في اسرائيل اسقطت صاروخا سوريا من انتاج روسي مضاد للطائرات. وبعد ذلك تبين أن صاروخ «حيتس 2» أطلق باتجاه صاروخ سوري متجه الى الضفة الغربية والمناطق الاسرائيلية في شمال القدس ومنطقة غور الأردن.
يبدو أن الإعلان المختصر لمتحدث الجيش لا يروي القصة كاملة. وبكلمات اخرى، الجيش الإسرائيلي لا يكشف الحقيقة حول هذه الحادثة بشكل كامل.
في تلك الليلة استمر سلاح الجو الإسرائيلي بالقصف في سورية، وهو القصف الذي استهدف مخازن وقوافل السلاح المتقدم لـ «حزب الله»، والذي كان موجها ضد المواقع العسكرية في اسرائيل. وتم اطلاق الصواريخ الروسية من بطارية سورية على الطائرات الاسرائيلية. وكانت وجهة أحد الصواريخ السورية هي الجنوب – جنوب غرب. نظريا كان من المفروض أن يسقط في الاراضي الاسرائيلية. ولكن عندما يخطئ هذا الصاروخ هدفه فمن المفروض أن يعمل الجهاز الذي يجب أن يدمره في الجو ويسقط بقاياه على الارض.
وبسبب أن هوية الصاروخ لم تكن معروفة، كان هناك تخوف من سقوطه في الضفة الغربية أو في اسرائيل، ويبدو أن بطارية حيتس اطلقت عليه صاروخا أو صاروخين. وقبل الإطلاق تم تشغيل صفارات الإنذار في بعض مناطق غور الأردن التي كان يحتمل اعتراض الصاروخ فوقها.
بعد ذلك ببضعة ايام قال قائد الدفاع الجوي، العقيد تسفي حايموفيتش «التهديد كان بالستيا، وحول هذا الامر لا يوجد تساؤل أو مفارقات». وحسب حايموفيتش تم اتخاذ قرار إسقاط الصاروخ من قبل قائد بطارية الحيتس خلال أجزاء من الثانية، وبسبب سرعة الرد المطلوب لم تتم استشارة قائد سلاح الجو ورئيس الاركان، اللذين صادقا على القرار فيما بعد.
يوجد لصاروخ حيتس 2 رأس متفجر من المفروض أن يصيب مقدمة الصاروخ البالستي الذي يقوم باعتراضه. والمقدمة هي الجزء الوحيد الذي يصل الى الهدف عند الحديث عن صواريخ سكاد أو شهاب التي توجد بحوزة ايران و»حزب الله». ويتم ملء المقدمة بالمواد المتفجرة. ولكن مقدمة صاروخ «سام 5» القديم لا توجد فيها مواد متفجرة، بل يوجد فيها «مواد حديدية» فقط وهي كابل رادار وأدوات اخرى. وكذلك جهاز التدمير الذاتي، إضافة الى القاطع الحديدي.
باختصار، لا يمكن أن تكون شظايا الحيتس قد أصابت الصاروخ القادم من سورية. وبكلمات اخرى لم يكن هناك اعتراض بكل معنى الكلمة.
أحاول منذ أسبوعين الحصول على ردود من متحدث الجيش. وقد طلبت معرفة اذا كانت أجزاء من الصاروخ السوري قد سقطت في إسرائيل، واذا كانت الصور التي نشرت حول الأجزاء التي سقطت في الأردن هي لصاروخ حيتس. وقد رفض متحدث الجيش الإجابة، واكتفى بالقول إن الحادثة قيد الفحص من أجل استخلاص الدروس.
هذا التملص يثير التساؤل، وقد يكون للجيش الإسرائيلي ما يخفيه وعدم كشف الحقيقة للجمهور. وهو الامر الذي يذكرنا بـ «القبة الحديدية» قبل سبع سنوات. في السابق زعمت «رفائيل» ووزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي أن «القبة الحديدة» تستطيع إسقاط القذائف أو الصواريخ قصيرة المدى، أي 5 كم. ومما تبين في الحربين الأخيرتين في قطاع غزة، رغم الإنجازات الكبيرة لـ «القبة الحديدية»، إلا أن هذه القدرة لا يمكنها إسقاط الصواريخ قصيرة المدى.
عن «معاريف»