حرب غزة وترامب.. متغيرات تدفع نحو الصفقة

صالح النزلي
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

كتب رئيس التحرير: صالح النزلي

تشخص الأنظار نحو العاصمتين المصرية والقطرية التي تشهد اجتماعات مكوكية بين الوسطاء المختلفين والوفود الإسرائيلية من جهة ووفود الفصائل الفلسطينية من جهةٍ أخرى، في محاولاتٍ مستمرة منذ شهور عدة لتتويج هذه المحاولات باتفاق يُنهي الحرب الغير مسبوقة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة للشهر الرابع عشر على التوالي والتي أدت حتى اللحظة لاستشهاد نحو 45 ألف مواطن وإصابة مئات الآلاف وهي حصيلة غير نهائية في ظل وجود آلاف الشهداء تحت الأنقاض.

ومع انطلاق كل جولة للحوار في العواصم المختلفة يعتبر الفلسطينيين خصوصاً في قطاع غزّة أنّها ستكون الجولة التي تُنهي الحرب المجنونة التي يعرضون لها والتي لم يشهد لها القطاع المحاصر منذ 17 عاماً وما يزيد مثيلاً، والتي سيتناقل فصولها الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل، لكِن ورغم الفشل المتكرر للجولات السابقة، ينظر أهالي القطاع الذين باتت الخيام منازلهم وقدَّمت كل عائلة تضحيات كبيرة وغير مسبوقة، فمنهم من استُشهد أبنائه أو أحد أفراد عائلته أو حتى تم تدمير منزله وتجرع مرارة الفقد والحرمان والانكسار، بإيجابية لهذه الجولة كونها تأتي في ظل مرحلة فارقة يستعد فيها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض وتنصيبه الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، والذي لوَّح سابقاً في مؤتمرات صحفية بأنَّ عدم عودة الرهائن في غزة قبل تنصيبه في 20 يناير 2025، لن يكون لطيفاً على الشرق الأوسط، ما اعتبرته أوساط سياسية تهديداً ليس لحركة حماس فقط بل لنتنياهو والحكومة الإسرائيلية أيضاً من أجل تقديم تنازلات تؤدي إلى إنجاز الاتفاق.

متغيرات الحرب:

1- ترامب وحرب غزة

يرى الفلسطينيون أنَّ ترامب ستختلف سياساته خلال فترة حكمة المرتقبة عن السابقة، خصوصاً أنَّ العالم شهِد خلال أعوام حكم الحزب الديمقراطي صراعات وحروب مريرة، فهو في منظورهم رجل الصفقات الذي عمِل سابقاً في فترة حكمه على إنعاش الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المنافسين، وترجم هذه المحاولات طلبه من نتنياهو وقف الحرب في غزة، حيث بات من المؤكد لدى كافة الأطراف الإسرائيلية أنّ ترامب يريد لهذه الحرب أن تنتهي.

ومع قرب تنصيب الرئيس ترامب بدأت تتراجع حدة التصريحات الإسرائيلية عن السابق بشأن حرب غزة، وقد ترجم ذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عن الصفقة مع غزّة والتي باتت تدعم إتمام صفقة شاملة يتم بموجبها تحرير الرهائن دون إغفال الإيجابية الراهنة واستغلال هذه الأجواء، وكذلك بدأ الوسطاء بالضغط على الجانبين لإنجاز الصفقة وهو الأمر الذي ظهر من خلال تنازل حماس عن بعض الشروط وأيضاً تخلي "إسرائيل" عن بعض الشروط بمفهوم "النزول عن الشجرة"، حيث كانت حماس تشترط سابقاً الانسحاب الكامل من غزة ووقف الحرب كلياً، ولكِنها الآن تقبل بحسب بيان لها بالانسحاب التدريجي والوقف المؤقت للحرب، وكذلك من قبل الجانب الإسرائيلي الذي أظهر مرونة في هذين الأمرين وملفات أخرى شهِدت في السابق تعنت إسرائيلي واضح.

ولعل أبزر ما يُميز ترامب بحسب خبراء هو طبيعته "غير المتوقعة"، فهو مهندس صفقة القرن التي تم كشف أجزاء منها لصالح إسرائيل بشكل كبير وهو من نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس واعترف بالمدينة المقدسة عاصمةً لإسرائيل، لكِن رغم ذلك فطبيعة ترامب تسمح له باتخاد قرارات تتناقض مع قراراته السابقة، والمعروف عنه بأنّه غير ملتزم بنهج معين، ومع ذلك فإنَّ هذه الطبيعة قد يكون لها سلبيات خصوصاً أنّه لا برنامج واضح لديه بشأن الشرق الأوسط.

وفي نهاية المطاف يرى كثيرون أنَّ ترامب ورغم حرص الولايات المتحدة على "إسرائيل" إلا أنّه سيعمل على وقف الحروب والعمل على تحقيق بعض الرخاء والسعي لتحقيق إنجازات اقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تتعلق آمال الشعب الفلسطيني على هذه الجولات التي تجري حالياً ما بين القاهرة والدوحة من أجل إتمام الاتفاق وإنقاذ مليوني إنسان يعيشون في ظل القتل اليومي والدمار والفقر والحرمان من أبسط الحقوق.

2- اتفاق لبنان وسقوط الأسد ودور إيران

بات جلياً بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ الاتفاق اللبناني الإسرائيلي بين دولة الاحتلال من جهة وحزب الله اللبناني من جهةٍ أخرى كان له دور في الإسراع بسعي الأطراف المختلفة لإنجاز اتفاق في غزة على غرار لبنان، خصوصاً أنَّ "إسرائيل" تكون بذلك قد حققت أحد أهدافها وهو إسقاط ما كان يُسمى سابقاً "وحدة الساحات" حيث كان معروفاً رفض حزب الله سابقاً في عهد زعميه حسن نصر الله القبول بعقد اتفاق في لبنان دون وقف إطلاق النار في غزة، لكِن بعد عملية اغتياله واغتيال نائبه وصعود أمين عام جديد للحزب وتوجه الحزب لعقد اتفاق منفرد، كان له بالغ الأثر على شعور "إسرائيل" بالنشوة من خلال تحقيق أحد أهدافها، وأيضاً توجه حركة حماس لعقد صفقة وتقديم التنازلات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

كما أنَّ سقوط نظام بشار الأسد الذي كان داعماً رئيسياً لحزب الله ضمن المحور "الإيراني" ويوفر له ممر إدخال الأسلحة، ساهم بقدر كبير في تغيير موقف إسرائيل من جهة وموقف حركة حماس من جهة أخرى، حيث وصل إلى مفهوم الأولى أنَّ عملية تفكيك ما يُسمى "محور المقاومة" تسير على قدمٍ وساق بدءًا من غزة وصولاً إلى لبنان ثم سوريا، وأيضاً من جانب حركة حماس التي باتت تشعر أنَّ حزب الله توجه لاتفاقٍ منفرد على عكس التوقعات وكذلك سقوط نظام بشار الأسد الداعم للمحور والحزب وأيضاً تخلي إيران إلى حدٍ كبير عن حلفائها الرئيسيين.

3- اغتيال قيادات الحركة وأوضاع غزة الكارثية

كذلك فإنَّ عمليات اغتيال قادة حركة حماس مؤخراً وفي مقدمتهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وزعيم الحركة في غزة يحيى السنوار وعدد من القيادات، أدت بشكلٍ أو بآخر إلى تغيير موقف حركة حماس من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، فالاحتلال يرى في عمليات الاغتيال هذه انتصاراً معنوياً يمكن أنّ يعدده ضمن إنجازات الحرب خاصةً أمام جمهوره، وحماس أيضاً تعلم أنَّ اغتيال قياداتها يؤثر بشكلٍ أو بآخر على الحركة، وكذلك لم تملس أيّ تغيير أو تدخلات يمكن أنّ تُغير طبيعة الحرب التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم.

كما أنَّ أوضاع قطاع غزة الكارثية التي لا تخفى على أحد يمكن أنّ تكون ضمن عوامل دفعت حركة حماس إلى تغيير موقفها إزاء اتفاق تبادل الأسرى، وتقديم بعض التنازلات التي قد تؤدي لإتمام الاتفاق، خاصةً أنّ سكان قطاع غزة يُكابدون الحرب والعدوان منذ 440 يوماً ولا زالوا يعيشون في متاحة الجوع والقتل والحرمان ويعيشون في خيامٍ مهترئة لا تقيهم حرارة الشمس أو برد الشتاء.