تـرامـب أعـاد الـولايـات الـمـتـحـدة إلى مكانتها الدولية.. بخطوة واحدة

دونالد-ترامب.jpg
حجم الخط

في هذا الأسبوع بدأ عهد دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة. بعد اشهر استمر فيها في إدارة الحملة وكأن الانتخابات لم تنته بعد، يبدو أن إدارة ترامب بدأت أخيرا في الحكم. ما زال هناك صك للاسنان، لكن للمرة الأولى هناك علامات على عمل الهيئة وبلورة السياسة من اجل عودة الولايات المتحدة كلاعب دولي له تأثير، دون جر العالم الى الحرب.
بدأ ترامب يتخلص من التعيينات الغريبة التي أجراها بعد الانتخابات. فقد أقال مايك فلين، وأقصى ستيف بانون. ومؤسس "مراكز المحرقة" المتحدث شون سبايسر، حصل في هذا الاسبوع على درس منه. وزير الخارجية ريكس تالرسون ومستشار الامن القومي هيربرت ماكماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس، هم جمهوريون عنيدون وجديون، أخذوا المبادرة وهم يخلقون لصالح ترامب سياسة خارجية تعيد الولايات المتحدة الى مكانتها المناسبة في الساحة الدولية. شعار الانتخابات "أميركا أولا" تم التخلي عنه، وبدلا منه هناك اهتمام كبير ومبرر في السياسة الخارجية.
مع كل التقدير لـ ايفانكا وكعكة الشوكولاتة التي اكل منها قبل إعطاء الأمر بالهجوم، يبدو أن قراره الصحيح والناجح بالرد ضد سورية كان نتيجة خيار واع من بين عدة خيارات. بخطوة واحدة نجح ترامب في إعادة الولايات المتحدة الى مكانتها الدولية وحظي بالتأييد الواسع، سواء في أوساط الجمهور الأميركي أو في اوساط الرأي العام العالمي.
في اسرائيل مقتنعون بأن روسيا أعطت الضوء الاخضر للأسد من أجل الهجمة الكيميائية في خان شيخون. وفي البيت الابيض يقولون الشيء ذاته، رغم أن ماتيس والبنتاغون أقل قناعة. والامر الواضح هو أن هذه الهجمة كانت تعبيرا عن عدم دقة الأسد الذي تخيل أنه فوق الحصان. من المشكوك فيه أن يتجرأ من الآن فصاعدا هو وحليفته روسيا على استخدام غاز السارين من جديد.
إن تبادل الاتهام الشديد بين موسكو وواشنطن أنشأ الازمة، ولكن يبدو أنه لدى ادارة ترامب مستويين من السياسة الخارجية: المستوى الكلامي، الذي يجد تعبيره في تويتر. والمستوى العملي الذي يديره أشخاص مثل تالرسون. ولدى روسيا ايضا كانت هناك فجوة بين تصريحات الكرملين الشديدة وبين التسامح تجاه ترامب في وسائل الإعلام الروسية، التي يسيطر عليها بوتين كما هو معروف.
تالرسون هو رجل اعمال بارد المزاج، أدار في السابق شركة تصل أرباحها الى أكثر من الناتج القومي في اسرائيل. وتم إرساله الى موسكو، وخلافا للتصريحات الروسية بأنه غير مرغوب فيه، حظي بلقاء لمدة ساعتين مع بوتين. وفي نهاية اللقاء تم اعادة التنسيق الجوي بين الدولتين. هذه ليست ازمة حقيقية.
إن قصف سورية كان فرصة بالنسبة لترامب لازالة الاشتباه بأن روسيا تقوم باستخدامه وابتزازه، وتجندت روسيا ايضا في جهد تطهيره. نظريات المؤامرة المشوشة في الإنترنت أخذت الامر بعيدا، وكأن الهجمة الكيميائية والرد الأميركي تم التخطيط لهما في موسكو، واختارت روسيا عدم إسقاط الصواريخ الأميركية.
إن غيمة الاشتباه حول صلة ترامب بروسيا لم تختف تماما. وعندما تتم قراءة تبادل الأحاديث بين البيت الأبيض والكرملين، يتضح أن هناك أمراً خفياً عن الأنظار. وعند اعتقال القرصان الإلكتروني في إسبانيا وتقدم التحقيق في علاقة ترامب بروسيا، فان هذه الغيمة تتكدر أكثر.
الأمر الذي يخشى منه بوتين هو وجود رئيس أميركي يفعل به ما فعله للولايات المتحدة: تهديد استقراره من خلال الكشف عن فساده، والأمور التي قام بجمعها. لذلك مهم لبوتين بقاء ترامب في منصبه. هذه ضمانة له. قد يهاجمه بالتصريحات من اجل نفي صلته به، ولكن في الوقت ذاته يقدم له انتصارات سياسية لضمان بقائه. على هذه الخلفية تزداد أهمية الثلاثة، رجل أعمال وجنرالين، كي يمكنوا الولايات المتحدة من إدارة سياسة مستقلة بقدر المستطاع أمام موسكو.
سافر تالرسون إلى موسكو من أجل فحص إمكانية التفاهمات المستقبلية، وليس من أجل صياغة وثيقة زواج أو تحالف شجاع. في هذا المكان لدى الولايات المتحدة ليونة للتنازل في موضوع اوكرانيا والقرم، الذي لا يعنيها أبدا. ولكن طموح روسيا بأن يقوم ترامب بتفكيك الناتو، تبخر. وخلافا لجميع تصريحات الانتخابات، وقف ترامب، هذا الاسبوع، من وراء الحلف الاطلسي.

من أزمة الى فرصة
التوقعات من القمة الاولى، كما تبدو الامور، بين ترامب وبوتين، حول صفقة دولية كبيرة، ما زالت سابقة لأوانها، فستكون هناك خلافات كثيرة، ويمكن أن يتم التوصل الى بعض التفاهمات، بما في ذلك في الموضوع السوري. لا تلتزم روسيا فعليا بالأسد، ومن المهم لها أن تبقى سورية تحت رعايتها، لكن الأسد شخصيا غير مهم. واذا لاحظت مرونة في موقف أميركا في الشؤون الأقرب لها، فلن تتردد بالتضحية بالأسد.
ليس مهماً اذا كان تواجد ايران في سورية سينتهي في الاتفاق المستقبلي. روسيا تريد استقرار الجزء الغربي من سورية، وهي تدرك أن هناك أغلبية سنية، لذلك لن تصمم على السيطرة الشيعية هناك.
إسرائيل من ناحيتها خلقت علاقة جيدة مع المتمردين السنة على الحدود في هضبة الجولان، ويا ليت كان باستطاعتنا الحديث بشكل أكثر تفصيلا عن هذا التعاون الرائع. ولكن سنكتفي بالقول إن هناك علاقة تفوق الخيال. ومن الأجدر أن تقوم إسرائيل بنسج علاقة مشابهة في الحدود الجنوبية، خاصة أمام تصاعد تهديد "داعش". ومن الصحيح انشاء علاقة مشابهة مع القبائل البدوية في سيناء.
إن التحذير الذي حصلنا عليه بخصوص سيناء قبل العيد، تبين أنه دقيق. قام "داعش" في سيناء بعمليتين في مصر، وأطلق الصواريخ على إسرائيل، ونحن نأمل انتهاء الأمر عند هذا الحد. إن قرار قيادة "داعش" لجميع الفروع هو زيادة العمليات في عيد الفصح، وهذا تم في روسيا ومصر والسويد وألمانيا. وهذه إشارة الى ما سيحدث بعد هزيمة "الدولة الإسلامية" في سورية والعراق: البنية المادية سيتم تدميرها، لكن الفكر والالهام سيبقيان. ورغم ذلك، سورية هي بند واحد في النقاش الذي سيتم بين ترامب وبوتين. ومن المهم بالنسبة لترامب التقدم في الشرق الأوسط، في سورية وفي الموضوع الفلسطيني، ولكن ما يقلقه في الوقت الحالي هو كوريا الشمالية، حيث يظهر هناك واقعية سياسية لافتة. بعد الحملة الانتخابية التي اعتبرت الصين تهديدا مركزيا على الولايات المتحدة، فهم ترامب انها شريكة مهمة من اجل كبح كوريا الشمالية. بعد ثلاثة ايام من اللقاء الناجح له مع رئيس الصين، اتصل معه الرئيس الصيني وقال له إنه يقوم بعلاج الامر.
من اجل إظهار الأخطار قام ترامب بالقاء الأسطول الأميركي مع حاملة الطائرات "كارل ولسون" التي تم إرسالها الى منطقة كوريا، الى داخل المعادلة، ورد كيم جونغ اون بالإعداد لتجربة نووية اخرى. دفعت الصين الآن الى الزاوية وهي ستضطر الى الإثبات بأنها قوة عظمى مسؤولة تستطيع خفض التوتر، أو ستستمر في سياسة العزلة والحياد في الازمات الدولية. واذا فشلت الصين أمام كوريا الشمالية، سيشعر ترامب بأنه يستطيع علاج الديكتاتور في كوريا الشمالية.
ما زال من الصعب معرفة اذا كان ترامب سينجح في تجاوز العقبات الداخلية. فهو ما زال يعيش ازمة أمام معظم وكالات الاستخبارات الأميركية. وهذه الازمة قد تدمره. ولكنه يعبر عن فرصة لإحداث نظام عالمي واقليمي جديد يعيد شريكتنا الاستراتيجية الى مكانتها وترتيب علاقات القوى بين السنة والشيعة في المنطقة. ومن المهم أن نكون نحن ايضا شركاء في بلورة هذا النظام الجديد.

عن "معاريف"