منذ أن أعلن عن بدء ملاحقة النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي باسل غطاس، نهاية العام الفائت، بتهمة تهريب هواتف خلوية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والحكم عليه بالسجن عامين لذلك، هذا الأسبوع، تُلِح عليّ تفاصيل "دلال" السجناء الإسرائيليين المتهمين بقتل عرب، أو حتى قتل إسرائيليين لأسباب سياسية. ومع بدء إضراب الأسرى، بقيادة مروان البرغوثي، يوم الإثنين المقبل، تلح تفاصيل الإضرابات، خصوصا إضراب نفحة 1980، ويوم وزّع مروان الملح على أخوة الأسر احتفالا بقدوم ابنه.
أجزاء من هذا المقال اقتباسات من مقالات سابقة لي، ولكنها تلحّ وتجتمع، بمناسبة إضراب الأسرى المقبل.
بينما يُسجن غطاس بسبب إدخال هواتف للأسرى، فإنّ واحدا من مطالب إضراب الأسرى الوشيك، السماح لأهاليهم بزيارتهم بانتظام، وأن يوضع هاتف عمومي يتصل به الأسرى مع رقم واحد محدد سلفا، ومعروف، لأهاليهم، ليعرفوا أوضاع عائلاتهم، خصوصاً أنّ جزءا كبيرا من هؤلاء ممنوعون من الزيارة، بحجة المنع الأمني. وقد أعلن عدد من قدامى الأسرى الأردنيين، انضمامهم لإضراب الإثنين، ومطلبهم الخاص هو "رؤية أهاليهم الذين حرموا منهم منذ الاعتقال". بالتوازي مع ذلك نتذكر أنّ عامي بوبر، الذي قَتَلَ بدم بارد سبعة عمال فلسطينيين، العام 1990، تزوج في المعتقل ثلاث مرات، وأنجب عدة أبناء، وهو يخرج إجازات يمكن تقديرها، تقريبا، بنحو مائتي إجازة، مجموعها نحو أربعمائة يوم. أمّا إيغال عمير، الذي قتل العام 1995 رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، فأنجب في العام 2006، ابناً، إذ سمح له العام 2003 بالزواج، ثم سمح لزوجته بزيارته والاختلاء به، لمدة عشر ساعات.
في لقاء مع القائد الفلسطيني أبو علي شاهين، قبل وفاته، أخبرني أنّه في أحد السجون وصل الأمر أن يمنع السجانون الأسرى من مجرد الارتكاء بظهورهم للجدار، فيجب أن يبقوا وسط الغرفة، وكيف قام هو بكسر هذا النظام.
يتزامن إضراب الإثنين، مع الذكرى السابعة والثلاثين لإضراب نفحة الأسطوري العام 1980، ومما أخبرني إياه يونس الرجوب (أبو صامد) أحد المشاركين فيه، عن التغذية الجبرية، حينها، باستخدام أداة تسمى "الزوندا" يُسكب منها الحليب قسراً في جوف المعتقل: كان الأسرى يُجلبون من زنازينهم تباعًا، ووضعت كؤوس ماء وملح ولبن وأرز بحليب، أمامهم، يُضربون ويعذبون ويركلون بالبساطير لدفعهم للطعام، وبعد فشل ذلك، يقوم السجانون بإدخال برابيش "الزوندا"، (محقان كبير في نهايته أنبوب مطاطي (بربيش) "في فتحتي أنف المعتقلين، حتى يسيل الدم منهما، ثم يضعون البربيش في سبيل المعتقل الخلفي، ويعبئونها بالماء والملح المذاب، وبعد ذلك يسحبون البربيش ويدخلونه عبر الفم إلى معدته ويعبؤونها بالماء والملح، ويُجبر المعتقل على القفز الموضعي والسير على يديه وركبه كالحيوانات وصولا لزنزانته، وسط حالات تقيؤ وسيلان لاإرادي". استشهد أثناء وبسبب هذا الجحيم علي الجعفري، وراسم حلاوة، ولاحقاً إسحق مراغة.
في كتاب مروان البرغوثي (ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي)، مشهد زنزانته الانفرادية الأشبه بصندوق مغلق، يوجد في جدارها 130 حفرة، تخرج منها أنواع الصراصير والنمل والحشرات. تستيقظ فجأة لتجد جدارا بأكمله يملؤه نمل كريه الرائحة، ينتشر بتراص كما لو كان ورق جدران. تشعر بالقرف والضيق ولا تعرف أين تهرب. هذا سجنه الحالي، أمّا عندما وقع مروان في الأسر نهاية السبعينيات، فتم تعذيبه وضربه على الأعضاء التناسلية، وقال له الضابط إنّه يفعل هذا حتى "يقطع نسل" أمثاله. ولذلك عندما جاءه نبأ ولادة ابنه البكر "قسام" وهو في الأسر، ثانيةً، العام 1985، كانت فرحته مضاعفة؛ بالمولود وبهزيمة الضابط. أبلغه المحامي النبأ وقد مضى عليه ومن معه أسبوعان مضربين عن الطعام. عاد ليلتف حوله "شركاء" الزنزانة، وعددهم 35 مناضلا، يحتفلون، فيقدّم لهم "حلوانا". ولم يكن لديه سوى قليل من الملح، فالمضرب عن الطعام يُسمَح له ببعض الملح لئلا تتعفن أمعاؤه!.
محطات إضرابات الأسرى كثيرة جداً، وتحتاج أن نوثقها، والأهم أنّها جزء لا ينتهي من محاولة الإسرائيليين كسر روح الأسرى للأبد، وانتفاض الأسرى من تحت الرماد مجددا. ويبقى السؤال الحارق الآن، ماذا نفعل لنصرتهم حتى ينتصروا؟