يقضي قانون أقرته الكنيست، مؤخرا، بتسرع تميز به التشريع القومي الذي يزعم بانه يكافح ضد كارهي اسرائيل ويتمتع باسناد من اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، بأنه لن يسمح بالدخول الى اسرائيل لمن يدعو الى فرض المقاطعة على دولة اسرائيل. ولو كان المقصود بذلك فقط اولئك الذين يدعون الى مقاطعة شاملة على اسرائيل، اي رجال الـ "بي.دي.اس" لكان القانون مفهوما، مقبولا، ويحظى بإجماع عام. فجماعة الـ "بي.دي.اس" لا تسعى الى السلام او الى حقوق الانسان، بل تسعى الى شطب حق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية وديمقراطية. صديق لي يتعلم في جامعة كولومبيا في نيويورك، شارك في لقاء طلاب لهذه المنظمة، فوجئ بالحماسة والتحريض على قتل اليهود. احتج امام رئيس الجامعة على هذا التحريض، ولكن قيل له ان هذا جزء من حرية التعبير المنتهجة في الجامعات. ولهذا السبب، فان جماعية الـ "بي.دي.اس" لا يستحقون زيارة البلاد لأنهم يحرضون على قتل مواطنيها.
ليس لدي أي تعاطف مع حرية التعبير التي تحرض على اي قتل. ولكن القانون على اي حال يبدو انه لا داعي له. فجماعة الـ "بي.دي.اس" لا ينوون زيارة اسرائيل او الاستقرار فيها. فهم معنيون بمقاطعة اسرائيل، مقاطعة شاملة وبالتأكيد حظر الزيارة لها. فاذا كانت نية الدعائيين الذين يسعون للوصول الى اسرائيل لاستخدام هذه الزيارة على سبيل الدعاية المناهضة لاسرائيل، فان لوزير الداخلية – حتى بدون القانون – الصلاحيات لمنع دخول هؤلاء الاشخاص، مثلما منع دخول رجل "حرس حقوق الانسان" الاميركي. حتى هذه الخطوة كانت زائدة وضارة، وفي النهاية استجاب وزير الداخلية لضغط الرأي العام الاميركي وسمح لمندوب المنظمة بالوصول الى هنا كسائح.
مبدئيا يطرح السؤال: لماذا يُشرَّع قانون موجود أصلا في القضاء الاسرائيلي؟ هناك حق كبير في القول الاميركي الذائع: "اذا لم يكن هذا فاسدا، فلا تصلحه!" – قول لا يعرفه على ما يبدو النواب اعضاء الائتلاف في الكنيست الحالية، فجزء كبير من التشريعات الخاصة في هذه الكنيست زائد أو ضار (او حتى زائد وضار في الوقت ذاته). المشكلة مختلفة: قانون يستهدف مكافحة الـ "بي.دي.اس" يخدم عمليا هدف هذه المنظمة الحقيرة. لماذا؟ لان تعريف المقاطعة ضد اسرائيل يتضمن المستوطنات في الارض التي تحتفظ بها اسرائيل كمنطقة احتلت في حرب "الايام الستة"، قبل 50 سنة. هذه المنطقة توجد تحت سيطرة عسكرية اسرائيلية، ولكن القانون الاسرائيلي لا ينطبق عليها.
المشكلة في ذلك هي ان هذه المستوطنات تختلف عن الاستيطان اليهودي في اسرائيل نفسها. فالبلدات التي اقيمت في اسرائيل استهدفت تعزيز المشروع الصهيوني دون المس بالحقوق السياسية وغيرها لعرب البلاد. اما الاستيطان في "المناطق" فلا تقوم على مبادئ المساواة التي ينص عليها اعلان الاستقلال والقانون الاساس: كرامة الانسان وحريته. فالنظام الاسرائيلي في "المناطق" يقوم على اساس التمييز بين اليهود، الذين يستحقون كل الحقوق، بما فيها السياسية، مثل كل مواطني اسرائيل، وبين الفلسطينيين الذين يخضعون للحكم العسكري.
بتعبير آخر، هذا نظام فصل "سغريغيشن" وهي الكلمة المكروهة في قاموس كل الشعوب المتحضرة – وليس مجرد "سغريغيشن" (الفصل العنصري)، بل فصل يقوم على اساس الدين والقومية للانسان. هذا وضع لا يزعج بعض النواب في الكنيست، وذلك لان المصلحة القومية، كما يرونها، اكبر من النفور من السغريغيشن، بل ان احدهم اقترح مشروع قانون لتثبيت هذا الوضع حتى بعد ضم "المناطق" الى اسرائيل، أي انه سيكون في داخل اسرائيل نفسها تمييز ديني – قومي بين اليهود وغير اليهود.
بخلاف ذلك، فان الغالبية العظمى من اليهود في الشتات ينفرون من كل ظل السغريغيشن (الفصل العنصري)، وحتى مؤيدو اسرائيل الواضحون ورجال القانون المؤيدون لرئيس الوزراء لن يسلموا بدولة يهودية تقيم نظاما من الفصل العنصري المنكر من هذا النوع. وبالتالي لا عجب في أن تكون الثورة ضد هذا النظام كونية، وعبثا ستبحثون له عن مؤيدين من خارج حدود اسرائيل.
حتى حكومة بنيامين نتنياهو اضطرت لتوافق على التفرقة الاوروبية بين إسرائيل و"المناطق"، ووافقت على خطط – مثل خطة هورايزن للتعاون العلمي مع الاتحاد الاوروبي، والتي لا تنطبق خارج اسرائيل نفسها. هذا نوع من المقاطعة الاوروبية ضد مؤسسات التعليم العالي التي توجد في "المناطق". فضلا عن ذلك، فقد قرر البرلمان الاوروبي، كما هو معروف، التأشير على هذه البضائع بهدف واضح وهو أن يقاطع المستهلكون الذين يعتقدون ذلك هذه البضائع.
اعارض هذا القرار، لانه لا يساهم في شيء في المسيرة السلمية؛ فهو يشجع الرفض العربي ويشجع الدول العربية على عدم الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، بخلاف قرار الامم المتحدة. فضلا عن ذلك، فان القرار احادي الجانب لانه لا يترافق وعقوبات ضد السلطة الفلسطينية التي لا تتخذ خطوات – على اقل تقدير – ضد التحريض اللاسامي منفلت العقال المتبع فيها وفي مدارسها. ولكن، هذا هو القرار، واولئك الذين صوتوا له يجب أن يعتبروا حسب القانون الجديد مقاطعين لاسرائيل.
يوجد موضوع واحد آخر: مقاطعة البضائع بحد ذاتها ليست عملا غير قانوني ولكنها أيضا لا تعتبر عملا عنيفا. ومع الف فارق، فقد أعلنت الصهيونية – وعن حق كبير – عن مقاطعة البضائع الالمانية بعد صعود النازيين الى الحكم في المانيا، وقبل الغاء الابرتهايد اعلنت مقاطعة في دول عديدة ضد بضائع جنوب افريقيا، المقاطعة التي ساهمت في وضع حد للفصل العنصري بين البيض والسود الذي كان متبعا فيها.
من خلف هذه المبادرة، مثلما من خلف مبادرة القانون السابق، تقف الفكرة في أن المستوطنات ستعتبر في نظر الاخرين جزءا من اسرائيل. اذا كنت تقاطعها، فانك تقاطع اسرائيل. ولكن المبادرين الى القانون لم يفكروا بانه تحتمل ايضا نتيجة معاكسة: ستُلون اسرائيل بألوان المستوطنات، بالفصل العنصري القائم فيها. هذه حقا هدية من السماء لكارهي اسرائيل الذين يبادرون الى أسابيع الابرتهايد المغرضة ضد اسرائيل.
ان القانون الذي يلزم وزير داخليتنا عدم السماح بدخول اعضاء البرلمان الاوروبي الى اسرائيل – وهذا هو معنى القانون – هو قانون لن يضر جماعة الـ "بي.دي.اس" بل سيحقق أثرا معاكسا، سيعززهم فقط في دعايتهم ضد اسرائيل. ان الاغلبية الائتلافية ارادت مكافحة الـ "بي.دي.اس" وخرجت وهي تساعدها، وذلك بقانون لا توجد له اي حاجة.
عن "إسرائيل اليوم"