من رحمها ولدنا ... وفي كنفها قتلنا , هي حنونة كوردة; شريرة كقصفة رعد, دافئة كشمس تحنو على الأرض, مشتعلة كقذيفة مدفع أقسمت أن تنسف الواقع كله.
هي غزة بكل تناقضاتها وفتنتها وقبحها وصبرها وجورها, تلك التي بادلتنا المحبة بخوف, وحرية بحصار, ونور بعتمة, تلك التي أهديناها قبلاتنا فعايدتنا بجرح!
غزة التي رسمناها بحراً أزرق فرسمتنا ملح غزة, التي أذلتنا وحين مددنا أيدينا لمصالحتها قطعت يدها!
و أدارت ظهرها ورفضت الصلح , غزة الشموخ والصبر الجميل ..
غزة البحر والرمل والجمال., غزة الموت المشروع ... والحلم المذبوح والأطفال أصحاب الذاكرة العامرة بالموت, غزة ساحة الحرب... وأرض البواسل المقنعين.
غزة أرض قصص الحب التي لم تكتمل, والأجنة الذين استشهدوا, والعرائس اللواتي زففن في الخيام.. وهن ينتظرن يوم العمر الموعود ويحلمن بثوب ابيض, وزفة عرس, وعريس ينشق من جبينه القمر..
وفرحة تنسيهن خوف متربص بهن ليقتل فرحة عمرها من عمر الوجع.. جاء يوم الفرح ولم يأتي الفرح نفسه, غاب وسط الركام والحطام ولكن كان للحياة أن تنتصر على الموت, وأن تخرج من قلب العويل زغرودة, وأن تبتسم أم بالأمس دفنت حبيبها وأرادت أن تمنح عروس جميلة قبلة ونصيحة أن عيشي ولا تهابي الحياة أو الموت, وأنجبي أبطالاً وأرضعيهم حب غزة وهِبيهم لها.
ها هي غزة التي حدثتكم عنها, وما زلت سأحدثكم كلما وقعت عيني على قبر شهيد, أو شارع يحمل اسم راحل, أو طفلة تنادي جدها بابا لأن أباها اضحى صورة على رصيف.
وتظل غزة هي العمر الذي يمضي وأنت تنتظر معجزة تخرجك منها, فتخرج لكي لا تعود ويصبح تابوتك أمواج بحر لم تلهو يوماً على شواطئه, أو تبني قصراً وهمياً من رمله, أو تمنح صدفة وشوشتها بحلمك أملاً مغترباً, هانت عليهم الحياة وهانت عليهم الذكريات وكل الأحبة وركبوا الموت الذي ظنوه أرحم من غزة, ولكنه كان أقسى وألعن, ليضحوا جثث طافية على شواطئ النسيان والعبث, لتتساوى الحياة مع الموت فكله موت ونحن موتى بالحياة !! فيا غزة السجانة والجبارة والسجينة .
أستحلفك بالله أن ترحمينا .