كان يوم الاثنين 17 نيسان (إبريل) 2017 يوم صمود وتحد وتغيّر في نبرة الخطاب والروح الفلسطينيتين، في مزجٍ مهم بين خطاب سياسي قانوني موجه للعالم وخطاب تعبوي تم ترويجه وتوزيعه بطريقة غير معهودة. ومن الواضح من قراءة رسائل اليوم الأول للإضراب أنّ الامر يتعدى مطالب الأسرى لصياغة الخطاب الوطني التحرري من جديد.
أطلق، يوم الأحد سراح لينا الجربوني، عميدة الأسيرات الفلسطينيات، من قرية عرابة البطوف، في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948، قائدة الأسيرات في السنوات السابقة، التي اعتقلت لانتمائها لحركة الجهاد الإسلامي، فاستقبلتها بلدتها وأهلها والفلسطينيون، بما يليق بالبطولة، في مشهد يؤكد وحدة الأراضي الفلسطينية (1948 و 1967)، وهي وحدة تتعزز يومياً.
إلى ذلك بدأ إضراب نحو ألف أسير فلسطيني عن الطعام، وفي صباح يوم الاثنين، تقرر أن تقرأ الإذاعات الصباحية في المدارس الفلسطينية، في الضفة الغربية، كلمة موجهة من القائد مروان البرغوثي، أخبرهم فيها بعد أن عرّف السجن، وأنّه حرمان "من كل شيء بسيط"، بأنّ عدالة قضية فلسطين تجعلنا "نضحي بفرح وسعادة بكل ما نملك". ولم تكن رسائل مروان مقتصرة على الطلبة والجيل الجديد، فقد نشرت نيويورك تايمز، الاثنين، أيضاً مقالاً، كتبه مروان، ليصل بذلك صوته لنخب العالم، ومزجت مقالة مروان بين البعد الإنساني العاطفي، وهو يروي قصص عذابات الأسرى، ومن ضمنهم هو، والجانب القانوني. وروى قصة اعتقاله أول مرة، منذ كان في الثامنة عشرة، وتعذيبه عارياً بضربه على الأعضاء التناسلية، بقصد إفقاده القدرة على الإنجاب، واستمراره في النضال وابنه الآن في الواحدة والثلاثين من عمره. ثم إنه تحدث في بعد قانوني محدد، بدأه من أنّ كل السجون الإسرائيلية موجودة تقريباً داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا مخالف للقانون الدولي. فالدول التي تعترف بإسرائيل تدرك أنّه في هذه الحالة يجب أن تكون السجون داخل أراضي العام 1967، وأوضح مروان كيف يستخدم هذا الأمر لمنع أهالي الأسرى من الوصول إلى زيارة أبنائهم، بمنعهم من دخول أراضي 1948. وتحدث عن حقوق الأسرى المدنيين المصانة بالقانون الدولي الذي يجري انتهاكه. وأوضح كيف أوجد الاحتلال نظامين للسجون، واحد يمنح الامتيازات للإسرائيليين الذين قتلوا فلسطينيين، والثاني يقتل الفلسطينيين. ولكن لعل أهم ما في مقال مروان، أنّه تبنى خطاباً تحررياً واضحاً، فهو ربط بين فلسطين وحركات التحرر التي يعرفها العالم، ثم قال بوضوح عن الممارسات الإسرائيلية "لن نستسلم لها".
في رسالته الموجهة للطلبة وضع مروان قائمة كاملة من أدوات المقاومة المدنية "العلم والثقافة والأدب والفن والرواية والشعر والرسم والموسيقى والفلكلور الشعبي والتراث، وبفلاحة الأرض وزراعتها وبناء المدارس والجامعات والمعاهد، وبإنتاج مصنوعات وطنية، وبمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وبفضح جرائم الاحتلال".
لعل أولى الرسائل التي وجهها الأسرى في إضرابهم، وكتبها بكلماته مروان البرغوثي، هي أن هناك حقوقا للأسرى يجب أن تلبى.
وثاني الرسائل هي تبني خطاب حركات التحرر التي تعلن "لن نستسلم"، وهو خطاب قوة موجه للعالم (كما في مقالة نيويورك تايمز).
ثالث الرسائل، هي ضرورة تحول المجتمع إلى مجتمع مقاومة، بكل أنماط تعبيراته وحياته، بعيداً عن الصيغ الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية التي تجعله حائراً وتائها بين التزامات السلطة والمفاوضات ومتطلبات التحرر.
رابع الرسائل لباقي القوى السياسية، وهي أن التناقض الأساسي هو مع الاحتلال، والباقي تناقضات ثانوية، وأن من يريد أن يحل التناقض الثانوي من خلافات وتنافسات داخلية، فإن أفضل ميدان لذلك هو مواجهة العدو والاحتلال.
خامس الرسائل، أنه للمرة الأولى تقريبا في التاريخ الفلسطيني، يصبح عامل التحريك الأول للشارع هو الأسرى. فرغم الدور التاريخي الدائم للحركة الأسيرة، إلا أنه لم يكن هناك يوم ينظر فيه الفلسطينيون ليجدوا رموزهم الوطنية التي تحرك الشارع أيضاً في الأسر. بدءا من مروان البرغوثي، إلى أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات، إلى أسرى آخرين بعضهم تحرر مثل القيادي في الجهاد الإسلامي خضر عدنان، ويرى دور يحيى السنوار، في قيادة "حماس" بعد تحرره. وهذا بدوره يعطي للاستعداد للتضحية عند الجيل الجديد معنى بطوليا مهما.
يرتبط إضراب الأسرى الحالي بالدرجة الأولى بمطالب حياتية داخل الأسر، ولكن نظرة بسيطة لرسائل وفعاليات الإضراب، توضح أنّ الأسرى يصيغون الخطاب الوطني من جديد ويحددون أجندته.
عن الغد الأردنية