بدأ قبل يومين حوالَى 1500 أسير ومعتقل فلسطيني في سجون الاحتلال إضراباً مفتوحاً عن الطعام، هو بطبيعة الحال ليس الإضراب الأول وقد لا يكون الأخير، لكنه مع ذلك متميز لأنه الإضراب الأهم منذ فترة طويلة تشتتت فيها الحركة الأسيرة واختلفت ما ساعد مصلحة السجون الإسرائيلية في الانقضاض على حقوق الأسرى الأساسية ومصادرة جزء كبير منها، وخاصة منع تقديم الامتحانات الثانوية ومنع الالتحاق بالجامعات لإكمال التعليم والحصول على الشهادات الجامعية، وتسليم المطابخ للجنائيين الإسرائيليين بعد أن كان الأسرى يطبخون ويجهزون طعامهم بأيديهم، ما يعني حرمانهم من أكل الطعام المطبوخ في المطابخ لعدم الثقة بنظافة القائمين عليها، وأيضاً هذا يحرمهم من معرفة الحصص التي يحصل عليها الأسرى من المواد الغذائية التي من المفروض أن تقدم لهم حسب القائمة التي تزود مصلحة السجون الأسرى بها، وما يضطرهم أيضاً لشراء المأكولات على حسابهم الشخصي، وتقليص زيارات الأهل وتفتيشهم بشكل مذل بحجة البحث عن أجهزة التليفونات النقالة وأشياء أخرى يدعون أنه يجري تهريبها للمعتقلين، صحيح أن جزءا من التقليص بسبب الصليب الأحمر الدولي ولكنّ هناك أموراً لابد من تحقيقها في الزيارات مثل ملامسة الأطفال والأحفاد، ومعاملة الأهل بشكل محترم وإنساني، وزيادة مدة الزيارة إلى ساعة ونصف الساعة، وعدم الحصول على العلاج الطبي الملائم في الوقت الملائم بما في ذلك مشكلة مستشفى الرملة الذي لا يصلح لأن يسمّى مستشفى، والنقل من السجون إلى المستشفى والمحاكم.
ولدحض التذرع بالبحث عن تليفونات مهربة وقيام مصلحة السجون ووحداتها القمعية بتفتيش الأسرى ليلاً وإذلال الأهالي على الزيارات يطالب الأسرى بتركيب تليفونات عمومية في كل الأقسام حتى يتسنى لهم الاتصال بذويهم بشكل دائم وتحت رقابة مصلحة السجون التي يمكنها التنصت أيضاً على المكالمات الهاتفية، وهذا ما يحصل عليه الجنائيون الإسرائيليون، كما يطالب الأسرى بوقف سياسة العزل الانفرادي ووقف الاعتقال الإداري والسماح بإدخال الكتب والصحف وإعادة القنوات الفضائية التي حرم الإسرى من مشاهدتها.
هذه المطالب وغيرها هي إنسانية بامتياز ولا علاقة لها بأي أهداف سياسية وهي تكذب الرواية الإسرائيلية بأن الإضراب يقوده مروان البرغوثي لأسباب تتعلق برغبته في تحسين شعبيته وزيادتها في ضوء ما حصل معه بعد مؤتمر "فتح" وبعد عدم إسناد منصب نائب رئيس الحركة له.
وللعلم فقد تم الاتفاق على الإضراب في شهر آب الماضي قبل مؤتمر "فتح" من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكن للفصائل أن توافق على خوض إضراب لتلبية مصلحة خاصة لقائد حتى لو كان بوزن مروان البرغوثي.
وبالإضافة إلى ذلك فمروان لا يحتاج لإضراب للحصول على الشعبية وهو يتمتع بها أصلاً ويحصل على الرقم الأول في قائمة المرشحين بعد الرئيس أبو مازن.
في الواقع وضع الأسرى سيئ للغاية بسبب ضعف الحركة الأسيرة وتشرذمها وبسبب عدم تصديها لاعتداءات مصلحة السجون على حقوق تم انتزاعها بالدم والمعانيات، وقسم من الأسرى غير المضربين يتحملون مسؤولية في ضياع إنجازات الحركة الأسيرة، التي يتحملها الجميع طبعاً، وبالتالي لا يوجد منطق ولا مبرر أخلاقي في عدم خوض الإضراب المتفق عليه أصلاً، ولا يمكن استيعاب إحجام فصائل عن المشاركة مهما كان السبب.
ولا يعقل أن يتحول نضال الأسرى إلى نضال فردي للخلاص أو انتظار أن يمن الله على الأسرى بالحرية في تبادل أسرى أو نتيجة لاتفاق سياسي لا يلوح في الأفق.
وعمليات تبادل الأسرى لم تنجح في الإفراج عن الجميع ولن تنجح طالما الاحتلال قائم.
فعدم مشاركة كل الحركة الأسيرة في الإضراب هو دون شك نقطة ضعف كبيرة في الإضراب ولكنها لا تمنع من الاستمرار حتى النهاية وتحقيق مطالب الأسرى التي لا تخص المضربين وحدهم بل تهم كل الأسرى في سجون الاحتلال.
مرة أخرى تنجح الحركة الأسيرة في استغلال الضعف الإنساني كمصدر قوة بتعريض النفس للخطر في سبيل تحقيق مطالب إنسانية عادلة، وفي توحيد الشارع حتى مع امتناع فصائل للمشاركة في دعم وإسناد الأسرى وهذا غير مفهوم ومدان تماماً، ولكن الشارع لا يقاس بالفصائل بل بحركة الناس ومواقفها.
فالفصائل مهما بلغت قوتها تشكّل أقلية في الجماهير، وقوة حركة الشارع يمكن رؤيتها في المسيرات وفي تعاطف الناس مع إضراب الأسرى في كل المواقع والميادين بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت بوصلة لمعرفة اتجاهات الرأي العام.
ومن المتوقع أن تزداد حركة التضامن قوة بعد مرور عدة أيام على الإضراب وبعد شعور الناس بالخطر المحدق بالأسرى نتيجة استمرار الإضراب، ومن الواضح أن الإضراب قد يستمر فترة طويلة بسبب موقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي ترفض التفاوض مع الأسرى وتتخذ مواقف متشنجة، وتحاول إلصاق تهم بدافعية الإضراب ومبرراته، ولكن في نهاية المطاف من يتحكم في النتائج هو استمرار الأسرى وإصرارهم على النجاح ومدى دعم الشارع لهم وإلى أية درجة يمكن أن تسخن فيها الأمور.
إضراب عام في إسبانيا ضد حرب الإبادة في فلسطين
27 سبتمبر 2024