الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبدو كذواقة في مطبخ بحجم العالم، يريد أن يتذوق الأطباق التي تغلي على المراجل، لكنه لن يقدم على التهام أي طبق، فهو مجرد ذواقة فقط يضيف شيئاً ما هنا ويبهّر طبقاً آخر ويخلط طبقاً بطبق. جس نبض الأزمة السورية وقصف مطار عسكري سوري، بعد أن حذّر الروس قبل ذلك، وجعلهم يبتعدون عن المكان ويسحبون طائراتهم. ثم قصف تنظيم «داعش» في أفغانستان ب «أم القنابل» وصمت، وواصل سياسة سلفه أوباما في اصطياد عناصر القاعدة في اليمن عن طريق طائرات بدون طيار، وأمر بعملية إنزال هناك، وأعطى دفعاً معنوياً لدول الخليج العربي في مواجهة إيران كانت تفتقده في عهد سابقه. وفي الصراع العربي - «الإسرائيلي» ما زال يبلور أفكاره لعقد «صفقة»، مع علمه أن صديقه بنيامين نتنياهو لن يتجاوب معه. لكن العقدة الأصعب هي كوريا الشمالية، حيث استعان بالصين لتهدئة الوضع، لكنه لم يمنع نفسه من توجيه تهديدات عبر «تويتر».
ترامب لا يستطيع اتخاذ خطوات حاسمة في أي من الأطباق العالمية التي يتذوّقها، وإنما يلجأ إلى ردود فعل صغيرة ومعبرة، كمن يوجّه رسائل للجميع، إلا أنه إذا شاء الدخول في مواجهات كبيرة، فإنه يحتاج إلى رأي «الدولة العميقة» ومؤسساتها في الولايات المتحدة، فهو وإن أجرى تجربة نووية جديدة في صحراء نيفادا وأرسل قطعاً من الأسطول إلى السواحل الكورية لا يستطيع توجيه ضربة ب «أم القنابل» أو بغارات على كوريا الشمالية، لأن النظام هناك سيرد بمزيج من الصواريخ، وربما باستخدام أسلحة.
الرئيس الأمريكي يحتاج إلى استراتيجية متفق عليها مع مراكز صنع القرار في بلاده إذا ما قرر حسم الصراع مع النظام الكوري الشمالي، وقد تحاشت الإدارات السابقة مثل هذه المواجهات في السابق، لتفادي حمامات دم هائلة متوقعة، ستكون الأكبر والأكثر وحشية وفتكاً منذ الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة لسوريا، فإن القصف الصاروخي لقاعدة جوية لا يشكل استراتيجية جديدة، بل هو رد فعل على مجزرة خان شيخون التي حمّلها للنظام، وبالتالي سيترك للدبلوماسية مع روسيا المجال للتعاطي مع الأزمة السورية، لكنه يبدو أكثر انفتاحاً على تنفيذ أفكاره الانتخابية حول المناطق الآمنة في جنوب سوريا وشمالها!
الرئيس الأمريكي لن يواصل سياسة الوعيد مع كوريا لأنه غير مستعد لدفع الثمن ومواجهة مؤسسات الدولة الأمريكية، لكنه سيحظى بدعمها في الحالة السورية، خاصة في مجال المناطق الآمنة، وأيضاً في اليمن، إذ إن هزيمة الحوثيين تسجل كهزيمة للنفوذ الإيراني، والمناطق الآمنة أيضاً اختراق ميداني يضعف النظام السوري وحليفه الإيراني. أما بالنسبة للملف الفلسطيني - «الإسرائيلي»، فإن ترامب يتذوّقه على نار هادئة، لأنه ملف غير متفجر حالياً، على الأقل، وهو يحتاج إلى وقت أكبر لبلورة أفكاره بعد لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس واللقاءات التي عقدها مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فالملف الفلسطيني لا يهدد الأمن ولا الهيبة الأمريكية، لكن إنجاز صفقة سلام سيسجل كإنجاز تاريخي. إلا أن القرار يبقى بيد «إسرائيل» ونفوذها في الكونغرس الذي يفوق نفوذ الرئيس الأمريكي نفسه. العالم بوجود ترامب سيظل عالماً كما كان قبل ترامب. فبعد أن ينتهي من التذوّق سينسحب ليهتم بأموره الداخلية، فالأزمات الحالية لا طاقة لترامب عليها.
عن الخليج الاماراتية