هل سنخرج من نفق الانقسام؟

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

يتم التعامل على الصعيد الإعلامي والسياسي مع «رزمة» الرئيس أبو مازن وكأنها اشتراطات وتهديدات لحركة حماس ومناصريها وبعض وسائل الإعلام المحسوبة على هذه الحركة، تتحدث عن ذلك، هذا من جهة، أما من جهة أُخرى، فإنه يتم بقصدية عالية الربط ما بين هذه الرزمة وما بين «التهديد» لمصالح الناس في القطاع، وكأن الناس ومصالحها ومصالح حركة حماس هي مصالح واحدة ومشتركة.
الحقيقة ان التضليل هنا وصل الى اعلى مستوياته، ذلك ان التدقيق في «الاشتراطات» يظهر بكل وضوح ان الأمر يتعلق اولا وقبل كل شيء بكسر معادلة الحكم والحكومة في القطاع وان المسألة ليست سوى خارطة طريق.
حركة حماس تريد ان تقوم الحكومة، اي حكومة فلسطينية بالوفاء بكل الالتزامات المطلوبة منها دون ان تحكم وبحيث تقوم حركة حماس بالتصرف بهذه الالتزامات لأنها تحكم وتتحكم، وبالتالي فإن المعادلة التي تريدها حركة حماس هي حرية الحكم والتحكم بالقطاع وبمقدراته وبكل الالتزامات الحكومية تجاهه في نفس الوقت الذي تمنع فيه الحكومة من الحكم ويقتصر دورها وفق هذا المفهوم على مجرد موازنات تصرفها ليس وفق احتياجات القطاع وانما وفق تحكم حركة حماس بهذه الموازنات لكي تستمر بالحكم والتحكم.
هذه المعادلة في الواقع ليس لها علاقة من قريب او بعيد بمصالح الناس وفقرهم وعوزهم، وانما بمصالح حركة حماس وبرؤيتها ونهجها القائم على تكريس سلطتها على القطاع.
فمن قال مثلا ان دفع فواتير الكهرباء والطاقة تخفف من اعباء الناس، وكيف يتم ذلك؟
واذا كان الامر كذلك فلماذا تستمر ازمة الكهرباء والطاقة منذ سنوات وسنوات؟؟
لو كان الذي تدفعه الحكومة يذهب دون المرور بقناة التحكم الحمساوية، لما كان هناك أية أزمات في الواقع، ولو كانت الجباية تعود لخزينة السلطة بصورة اعتيادية لما كان هناك مشكلة على هذا الصعيد، ولو كانت كل أشكال الأسناد والدعم للقطاع تمر عبر قنوات حكومية حرة ومستقلة عن أدوات حركة حماس للحكم والتحكم لأمكن حل اية مشكلة على قاعدة طبيعتها الفنية او المالية او التقنية.
أما وان الأمر ليس كذلك، وكون ان كل هذه الأشكال من الدعم والإسناد تخضع للاعتبارات الخاصة بالحركة وبالمصالح التي تجسدها هذه الاعتبارات، فإن الحكومة في الواقع لا تفعل اكثر من «مساعدة» حركة حماس على تكريس هذا التحكم من جهة، والإمعان في السياسة الانقسامية، بل وتسهيل مهمة الانفصال الناعم عن الجسد الوطني وعن المشروع الوطني، وربما عن الأهداف الوطنية.
فأين هو القاسم المشترك بين مصالح الناس ومصالح حركة حماس؟؟
على العكس من ذلك، فإن مصالح الناس تكمن في كسر هذه المعادلة بالذات. وبدلا من ركون حركة حماس واعتمادها عن التحكم بهذه الأموال وإعادة توزيعها وفق المصالح الخاصة بالحركة، فإن مصالح الناس تقتضي ذهاب هذه الأموال الى موردي الخدمات مباشرةً لكي يقوموا بتقديمها مقابل الالتزامات المعمول بها في كل أراضي السلطة الوطنية ووفق نفس الآليات والقوانين والقواعد المعمول بها.
هذا على الصعيد المالي لهذه المسألة.
أما على الصعيد السياسي فإننا نذكر بأننا نتحدث عن عشر سنوات متواصلة من الفشل في وضع حد لهذا الانقسام، ونذكّر بعشرات المحطات التي فشلت وأُفلشت عن سابق إصرار وترصد، وعن افتعال أزمات كلما اصبح او لاح في الأفق اي بصيص امل بالخروج من هذا المستنقع، هذا كله أولاً.
أما ثانياً، فالصراحة تقتضي ان تكون الأمور واضحة وغير مواربه ولم يعد بالإمكان طرح أنصاف الحقائق.
فقد حاولت إسرائيل طوال الشهور الماضية الترويج لما اسمته بالحل الإقليمي والذي يقوم في الجوهر على «تجاوز» القضية الفلسطينية وقيام تعاون او حلف عربي إسرائيلي لمجابهة «الإرهاب» ومجابهة ايران، وان مجيء ترامب الى سدة الحكم في البيت الأبيض سيكرس هذا التعاون والحلف.
بل بدأت إسرائيل تعلن صراحةً بانتهاء مرحلة حل الدولتين، (وداعاً للدولة الفلسطينية)، وروجت الحكومة الإسرائيلية لاختراقات «استراتيجية» على هذا الصعيد، وحاولت ان تقنع الشعب الإسرائيلي بأن إسرائيل تعيش في مرحلة «نعيم» سياسي، وبشرّت بنهاية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني،
بل ووصلت الأمور الى الحديث عن تجاهل العرب للقيادة الفلسطينية وتجاهل الإدارة الأميركية لهذه القيادة «وطمأنت» الإسرائيليين ان عصراً ذهبيا قادم على إسرائيل.
تلقت حكومة الاحتلال اكبر صفعة منذ سنوات طويلة في القمة العربية من خلال اعادة التأكيد على مبادرة السلام العربية، وفق آلية الانسحاب الاسرائيلي اولاً وقيام الدولة الفلسطينية على المحتل من الارض الفلسطينية منذ عام ١٩٦٧ والقدس الشرقية كعاصمة للدولة، والى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على قاعدة القرار ١٩٤.
اما الصفعة الثانية فكانت في دعوة الرئيس الأميركي للرئيس الفلسطيني بزيارة الولايات المتحدة.
اما هذه الوقائع والحقائق فقد وجدت القيادة الفلسطينية نفسها أمام صمود كبير وأمام ثبات كبير في الحالة العربية والدولية لكنها بقيت «عاجزة» أمام الحلقة الوطنية الداخلية.
اي ان نقطة الضعف الأساسية في الموقف الفلسطيني كما هو واضح اشد الوضوح هي حالة الانقسام القائمة والتدحرج نحو الانفصال بعد تشكيل الهيئة القيادية من قبل حركة حماس.
فهل كان مطلوبا من القيادة الفلسطينية ان تظل تنتظر عشر سنوات اخرى لكي تنضج حركة حماس، او لكي تتلطف على الشعب الفلسطيني بالتنازل عن حكم غزة والانخراط في شراكة وطنية بعيدا عن هذا العبث في المصير الوطني؟؟
ماذا كان بوسع القيادة ان تفعل لكي تخرج حركة حماس من هذا الواقع الذي أوقعت نفسها فيه وأوقعت الشعب الفلسطيني كله في معمعانه وأخطاره؟!
كل ما هو مطلوب أن «تتحمل حركة حماس المسؤولية عن القطاع اذا كانت ترى بأنها غير قادرة على التنازل عن حكمه او ان تنخرط في الشأن الوطني بالشروط الديمقراطية المناسبة والمتوافق عليها، لكي تخرج شعبنا من هذا المختنق الذي كاد يودي بنا جميعا.
فهل هذه شروط ام مخارج واقعية من الأزمة!!؟
وهل هناك مصالح لحركة حماس في الخروج الناعم من هذه الأزمة أم لا؟
أم ان هذه المصالح أصبحت تتركز في الانقسام والانفصال والذهاب للتغريد خارج السرب الوطني!!؟
أما ثالثاً وأخيراً، فإن إسرائيل وهي صاحبة المصلحة الاولى بهذا الانقسام تتربص بالقطاع وأهله، وعلى حركة حماس مسؤولية عدم تعريض القطاع لكارثة مريرة تحت مسميات المقاومة او غيرها لأن القطاع لم يعد يتحمل كل هذه الأهوال.