تاريخ مجد وبطولة لم يمكن الا ان يترك بصماته في تاريخ فلسطين هكذا ما كتبه ابطال جبهة التحرير الفلسطينية ابطال عملية نهاريا "عملية جمال عبد الناصر" بتاريخ 22نيسان 1979 ، حيث غيرت هذه العملية وجه الصراع العربي الصهيوني، حيث انطلقت من شاطئ صور من نوع (زودياك) معدل ليكون سريعاً جداً، للوصول الى مستعمرة نهاريا واختطاف رهائن من قوات العدو لمبادلتهم بمقاومين معتقلين في سجون الاحتلال ، واخترقت خفر سواحل العدو و اكبر حامية عسكرية اضافة الى الكلية الحربية ومقر الشرطة وشبكة الانذار البحري ومقر الزوارق العسكرية الاسرائيلية شيربورغ وأسرهم لعالم الذرّة الإسرائيلي دانى هاران ومن ثم مقتله وخمسة آخرين وإصابة اثنا عشر جريحاً خلال الإشتباك الذى افضى بأسر رفيقين هما المناضلان الاسير المحرر احمد الابرص والشهيد القائد الاسير المحرر سمير القنطار الذي كان مضرجاً بدمائه بعد اصابته بسبع رصاصات واستشهاد المناضلان مهنا المؤيد وعبد المجيد اصلان.
نعم كانت لحظة النضال الثوري التي ارادها الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس ورفيق دربه القائد العسكري سعيد اليوسف وقيادة الجبهة في ذاك الوقت للتوجه الى داخل الوطن المحتل، وعبر الحدود التي رسماها “سايكس و بيكو” ، لينيروا ابطال المجموعة طريق الحرية والاستقلال والعودة ، حيث سجلت جبهة التحرير الفلسطينية ولادة جديدة في النضال على طريق عملياتها البطولية ، فكان صمود الارادة الفولاذية للشهيد القائد الاسير سمير القنطار والعزيمة الصادقة الاصيلة التي صهرته التجربة مع رفاقه اسرى الجبهة والثورة وفلسطين والاسرى العرب لتدق ابواب التاريخ لتسطر على صفحاتها ملاحم النضال.
ومن هنا لن ننسى رحلة العذاب والصمود للقائد الشهيد سمير القنطار في سجون الإحتلال مدة ثلاثون عاماً والتي أمضاها شامخاً صلباً قوياً ، مقاوماً عميداً للأسرى في سجون الإحتلال ورمزاً لكل الأسرى والمعتقلين في قوة الإرادة والصبر والعناد ،رغم الأصفاد وجولات التعذيب الوحشية المتكررة والزنزانات الفردية والقضبان الفولاذية استطاع أن ينتزع من عيون العدو شهاداته الجامعية ومن عيون الوطنيين الأحرار شهاداته النضالية البطولية
فنحن نفتخر بالشهيد القائد سمير القنطار الذي تحرر رغماً عن جلاديه وقيادة الكيان الإسرائيلي الذين سبق ان أصدروا بحقة حكما يقضي بسجنه 542 عاماً نتيجة لعمليته الفدائية البطولية , فعاد الى حضن وطنه الذي عشقه حتى الشهادة والى أهله الذين لم تتكحل أعينهم برؤية سمير مدة ثلاثون عاماً من الفخر والصبر ، عاد شامخاً ، حيث اقسم في أول جملة نطقها تحت الشمس بعد تحريره ، لم يَعُد من فلسطين إلا لكي يعود الى فلسطين " ، ملتزماً قضيته الأم " فلسطين " رافضا ان يعيش حياته باللهو والسهر والتعويض عما فاته من سنين عمره في السجون بتجميع المال واقتناء السيارات وسواها من وسائل رفاهية العيش ، بل قرر وخلافاً لما يفعله أي شخص في حالة سمير القنطار أن يستمر في المقاومة والقتال ضد العدو الغاصب حاملاً نعشه على كتفه من جديد فتولى المقاومة في الجولان المحتل بعد أكثر من أربعون عاماً من الصمت ، فلم يغرق في الصراع الداخلي في سوريا ولم ينخرط في القتال في محاورها ولم تتلطخ يداه بدم عربي بل كان كل همه الأوحد إطلاق حركة مقاومة من أرض الجولان المحتل حتى استشهاده .
ان ما سجلته وسطرته عملية نهاريا البطولية لثوار جبهة التحرير الفلسطينية في 22 نيسان 1979، وبعد اسر العديد من الرفاق والاخوة العرب والامميين في فصائل الثورة جسد "يوم الاسير العربي " ولتؤكد الجبهة استمرارها في مسيرة التصدي للطاغوت الصهيوني الامريكي في خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لسحق الثورة في هذه المنطقة، حيث كانت عملياتها البطولية ردا على مشاريع التسوية واتفاقية كامب ديفيد الذي وقعها السادات في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، الا ان ابطال الجبهة استمروا بعملياتهم مزهوة بأكليل الغار والانتصارات على جباهها، حتى تسجل في كتاب التاريخ ملاحم جديدة لدورها النضالي في مسيرة الكفاح من اجل تحرير الارض والانسان.
وامام ذكرى عملية نهاريا ويوم الاسير العربي نقول ان جبهة التحرير الفلسطينية استطاعت خلال فترة زمنية وجيزة من فرض نفسها بقوة بعد ما تعرضت له بعد احداث مؤلمة تعرضت لها بعد الحرب الاهلية اللبنانية وعلى اثر سقوط تل الزعتر عام 1976 ، حيث شكلت من خلال قيادتها الثورية ايمانها المطلق بالأفكار الوطنية والتقدمية فكراً ونهجاً وممارسة قدمته الى فلسطين ثوبا احمرا جميلاً منقى بنقاء الخالدين في عليائهم على طريق العودة والتحرير ، لتحتل في الساحة الفلسطينية الصفوف المتقدمة لما قامت به من عمليات نوعية في ديشوم والخالصة وام العقارب والزيب ونهاريا وبرختا والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيلي لاورو والقدس البحرية والقدس الاستشهادية وغيرها من العمليات الجريئة او من خلال كتائب طلائع التحرير الفلسطينية وكتائب الفارس العربي الذي تحولت فيما بعد الى كتائب الشهيد ابو العباس ، ومن خلال آيمان امينها العام الشهيد القائد ابو العباس بفكر جمال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة فسطرت تاريخها النضالي واتخذت من تحرير فلسطين هدفاً وتعالت على الخلافات وأبدعت في المحافظة على النسيج الاجتماعي الداخلي وحافظت على الهوية الفلسطينية نقية متحدة بحكم امتلاك قيادتها أن تحافظ على البيت الفلسطيني .
وفي ظل هذه الظروف نقول أن تلك التجارب والخبرات لمناضلي الجبهة في المعتقلات وعبر العمليات يجب تعميمها ونشرها في أوساط الشعب الفلسطيني لاسيما فيما يتعلق بفلسفة المواجهة خلف القضبان ، ، كما لا يمكن للتاريخ القفز عنها ، فهي محفورة بصورها المتعددة في سجلات الحركة الأسيرة ، فجبهة التحرير تحتل مكانة في اوساط القوى التقدمية العربية ومساحة لا بأس فيها لدى الشعب الفلسطيني ، كيف لا وهي تاريخ ساطع وإرث عريق ليس لمناضليها ، وهي اليوم تساهم مع باقي الفصائل الوطنية بفاعلية أكثر في الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني .
لهذا نؤكد في يوم الاسير العربي وفي ذكرى عملية نهاريا ، ان الانجازات الكبيرة التي حققها الشعب الفلسطيني على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والدبلوماسية لم تكن لتتحقق لولا العطاء اللامحدود الذي قدمه شهداء الثورة الفلسطينية، لقد شكلت عملية نهاريا نقطة هامة وتاريخية في المشوار الكفاحي للجبهة وللشعب الفلسطيني ، حيث أكدت على استمرارية الثورة والكفاح المسلح ، وحشد الجماهير نحو خوض معركة التحرير والعودة ، وتفعيل دورها وتسخير كل الإمكانيات لمواجهة العدو بشتى السبل والوسائل وفي كافة المجالات، فكتبت معادلة الوفاء والإخلاص لفلسطين ، واليوم نقول ان دماء شهداء الانتفاضة من شابات وشباب فلسطين هم ابطال المرحلة ورجالها وعناوينها وانوارها الساطعة، فشجرة الثورة والصمود والانتفاضة والمقاومة كانت تسقيها على الدوام دماء الشهداء، وبتضحياتهم الجسام ستبقى فلسطين شعبا وقضية حاضرة بقوة في كل الميادين والمحافل، ولم يستطع العدو االصهيوني رغم كل مؤامراته وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني أن يحجب شمس المقاومة او يكسر ارادة هذا الشعب العظيم، وما زالت راية فلسطين خفاقة بإنتظار اشراقة شمس الحرية واستعادة الحقوق الوطنية.
نستذكر اليوم شهداء عملية نهاريا وشهداء فلسطين وفي مقدمتهم فارس فلسطين الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس ، هذا القائد الذي قضى غيلة في احد أقبية سجون الاحتلال الأمريكي في العراق بسبب مواقفه الوطنية والقومية والاممية الصلبة ، وتمسكه بثوابت وحقوق شعبه الوطنية ، وتبنيه لنهج الكفاح والمقاومة ضد المحتلين الغزاة لفلسطين ، أو في أي مكان في الوطن العربي والعالم ، ورفاق دربه الامين العام طلعت يعقوب والامين العام ابو احمد حلب ورفاقهم القادة سعيد اليوسف وابو العز وابو العمرين وحفظي قاسم وجهاد حمو وبرهان الايوبي وكل شهداء جبهة التحرير الفلسطينية من قادة ومناضلين وشهداء الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم رمز فلسطين الرئيس ياسر عرفات والقادة جورج حبش وابو علي مصطفى وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وسمير غوشه والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد الرحيم احمد وسليمان النجاب ومانديلا فلسطين عمر القاسم وكل شهداء الشعب الفلسطيني حيث تركوا وراءهم إرثاً عظيماً ومسيرة مشرفة نفتخر بها، كما تركوا وراءهم اجيال من المناضلين الأشداء الذين حملوا الامانة ولا زالوا يواصلون طريق الانتفاضة والمقاومة والنضال، من أجل فلسطين، ومن اجل الحقوق الوطنية، ، بما يخدم نضالنا الوطني في الوقت الراهن.
وفي ظل هذه الذكرى نؤكد على اهمية مواقف شعوب العالم من قضية فلسطين العادلة، وبالتالي، من قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب، وهم يخوضون معارك المواجهة المفتوحة والممتدة مع السجان، وليس الإضراب المفتوح أو الجزئي عن الطعام، سوى أبرز أشكالها، وأقساها، وأكثرها عنفواناً ونجاعة، ونحن نتطلع الى اهمية تحرك المؤسسات الحقوقية بضرورة التعامل مع الاسرى كأسرى حرب وحرية وفقاً للقوانين الذي وضعها المجتمع الدولي لانهم هم مناضلين من أجل حرية شعبهم واستقلال وطنهم حيث يعاني العشرات بل المئات من الاسرى المرضى من امراض خطيرة في ظل سياسة الاهمال الطبي التي يتبعها العدو بحقهم ومئات الاسرى الاطفال القسر وكذلك الاسيرات الماجدات اللواتي يواجهن كل اشكال التعذيب النفسي.
ان ما يحاك للمنطقة من مؤامرات صهيونية وامبريالية اميركية بهدف ابعاد الشعوب العربية عن بوصلة فلسطين وتقسيم المنطقة من خلال ادواتهم الارهابية الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ، ستتكسر على صخرة صمود المقاومة العربية في مواجهة هذه الهجمة ، ونحن اذ ننوه بمواقف القوى التقدمية العربية وشعوبها المبدئية والشجاعة في محاربة الإرهاب والمؤامرة الأمريكية الصهيونية ، وكذلك هذا يدعونا إلى توحيد الصف الفلسطيني وحشد التأييد الشعبي لدعم انتفاضته ومقاومته في وجه الاحتلال الصهيوني ، ومطالبة العرب بقطع علاقاتهم التطبيعية مع كيان الاحتلال.
ختاما : ستبقى عملية نهاريا البطولية ساطعة بضمير شعبنا وستبقى جبهة التحرير الفلسطينية تحتل مكانة لدى كافة الاحرار والشرفاء ، وهي من كتبت تاريخ ساطع وإرث عريق من خلال عملياتها البطولية ، وستبقى على خط قادتها ومناضليها الشهداء ، تحفظ التاريخ الحافل والإنجازات الكبرى ، وستبقى فلسطين القضية المركزية للامة العربية ، فالتحدي سيظل مفتوحاً وينتقل من جيل الى جيل حتى تتحرر ارض فلسطين لتكون عنوان مستقبل الامة العربية.