المشروع الأمركو صهيوني الجديد لإعادة تقسيم دول وشعوب الأمة العربية تحت يافطة "الشرق الأوسط الجديد"، إعتمد بشكل اساسي على مبدأ "فرق تسد"، الذي يرتكز على قاعدة زرع بذور الفتنة في بنية المجتمعات العربية المستهدفة من خلال اللعب على وتر الدين والطائفة والمذهب والعرق او الإثنية، لاسيما وان بعض الدول العربية تحتضن فسيفساء دينية وعرقية إرتباطا بمكوناتها التاريخية. وكون الأنظمة العربية لم تتمكن من صقل وترسيخ مجتمع المواطنة، ولجأت للمركزية المستبدة، رغم انها، وخاصة العراق وسوريا وليبيا وطبعا مصر، إنتهجت بسمة عامة السياسة والقانون العلماني في التعامل مع مواطنيها. غير أن ذلك، لم يحُّل دون وجود الثغرات والنواقص في مجمل الأنظمة السياسية العربية. الأمر الذي سمح لقوى الثورة المضادة النفاذ إلى مكامن الخلل القائمة فيها. فضلا عن عملية التضخيم المقصودة من قبل الأعداء للثغرات والنواقص الموجودة، والإستفادة من ثورة المعلومات والإتصالات للوصول إلى الفئات والشرائح المراد تهييجها، ونقلها من حالة السخط النسبي او المقبول او التعارض الثانوي إلى حالة السخط والغليان التناحري مع مؤسسة النظام، وطرح شعارات سياسية إنفصالية تم إدخالها في أفواههم ليعيدوا نطقها او كتابتها، وبالتلازم مع عوامل تفجير إجتماعية وإقتصادية وثقافية لعبوا على إثارتها والنفخ على جمرها المشتعل تحت الرماد.
للإسف بعض الإنظمة العربية وقعت في المحذور، لإنها رغم الإدعاء بتبنيها العلمانية، إلآ إنها إرتدت عبر مسيرتها التاريخية إلى أنظمة عائلية وطائفية او أنظمة مشوهة، وإبتعدت عمليا عن روح الدولة الوطنية الجامعة. ولم يعد ما يحمله القانون او الشعار السياسي مقنعا للمواطن هنا او هناك، لإن وقائع الحياة اليومية أقوى وأعند. ومع ذلك يمكن الجزم بأن عراق صدام حسين على ما شابه من ثغرات ونواقص، اعظم الف مرة من النظام السياسي المحمول على الدبابات الأميركية بعد إحتلال العراق 2003، والمدعوم من النظام الإيراني، الذي كان يتحين الفرصة للإنقضاض على العراق لفرسنته، وتشييعه من خلال العبث بالتوزيع الديمغرافي للشعب العراقي. وتمكن خلال الأعوام الماضية ووفق سياسة منهجية بإدخال حوالي مليوني إيراني فارسي للسكن في مدن ومحافظات بعينها في العراق. حتى ان بعض القوى المحسوبة على إيران الملالي أخذت ترفض هذه الفرسنة وحتى التشييع الإيراني. ولعل صرخات مقتدى الصدر بين الحين والآخر، تعكس هذا الإتجاه، فضلا عن حزب البعث والحزب الشيوعي وغيرها من القوى العربية والكردية والتركمانية. التي ترفض الهيمنة الإيرانية بمستوياتها المختلفة القومية والطائفية.
وحدث ولا حرج عما يجري في سوريا، حيث يتم ومن خلال الإتفاق بين النظام الحاكم وقوى الجماعات التكفيرية على عملية الفرز والتغيير الديمغرافي لمركبات المجتمع والشعب السوري الشقيق تحت ذرائع وحجج واهية لا تمت للحقيقة بصلة. وكان آخر عملية تبادل للسكان، إتفاق "الزبداني، مضايا / الفوعة كفريا"، الذي تم تنفيذه يوم الأربعاء الموافق 12 إبريل الحالي. وكانت جرت سلسلة من الإتفاقات المبرمة بين نظام بشار الأسد والمجموعات التكفيرية في دمشق وحلب وحمص وحماة والآن إدلب وغدا الرقة والحسكة ... إلخ حيث يتم إرغام السكان في هذه المنطقة او تلك الخروج من أماكن سكناهم التاريخية، لإنهم من تابعية دينية او طائفية او إثنية إلى مناطق أخرى. وهذا للاسف أخطر ما في الأمر على الأرض، لإنه تكريس وتعميد لعملية التمزيق للنسيج الوطني والإجتماعي والسياسي. وهو بتعبير آخر تساوق واضح مع اهداف المخطط الأميركو صهيوني من حيث يدري او لا يدري النظام او قوى المعارضة، التي تدعي انها تدافع عن وحدة الدولة والشعب السوري العربي. كيف وعلى اي اساس يمكن إعتبار السكوت والتواطىء مع تلك الإتفاقات منسجما مع المناداة بوحدة الدولة والشعب؟ وهل تنسجم تلك الإتفاقات مع العقد الإجتماعي الوطني الجامع؟ وهل يصب ذلك في دولة المواطنة؟
بإختصار شديد، على الإتجاه العلماني في النظام، إن بقي هناك إتجاه، وعلى الشيوعيين والقوى الوطنية والقومية الديمقراطية التصدي لتلك الإتفاقات، والعمل على إفشالها وإسقاطها، والتحريض عليها وعلى من يسوقها او يدعمها في الشارع السياسي السوري. وايضا في كل دولة عربية يجب وقف عملية العبث بوحدة النسيج الإجتماعي والسياسي والوطني والثقافي، والعمل على حماية دولة المواطنة، وترسيخ جذور الديمقراطية الحقيقية.