تجسد فكرة إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام، المعنى شبه المتفق عليه في العلوم الاجتماعية، وهو "أثر إنسان على عقل إنسان". وهي فكرة أني وأنا مقيد وضعيف جسدياً لا أقوى على الحراك أضعك في موقع الدفاع. وهذا ما أكدته مقالة مروان البرغوثي في صحيفة "نيويورك تايمز"، ولكن هناك أيضاً الآن معالم أخرى للمواجهة مع الفلسطينيين والعرب في الجامعات، خصوصاً إذا أتقنوا مخاطبة العقول وفي الوقت ذاته سموا "إسرائيل"، باسمها باعتبارها عنصرية.
لم يحرك الساسة الإسرائيليون والإعلام الإسرائيلي، حتى الآن شيئا في إضراب الأسرى عن الطعام الذي بدأ يوم 17 الشهر الجاري، مثلما فعلت مقالة البرغوثي سالفة الذكر. ولكن هذا لا يعني أبدا أن أثر الإضراب غير مُقبِل. وما يحدث الآن هو تكتيك معروف في مواجهة الحركات الاحتجاجية. فيحدث كثيراً تجاهل احتجاج ما، والتقليل من شأنه، بهدف إحباط القائمين عليه. ولكن الإسرائيليين يدركون أن كل يوم جديد بقدر ما يتعب ويرهق ويؤلم المضربين، بقدر ما قد يقرب لحظة المواجهة.
هناك ازدياد في تحرك الشارع الفلسطيني، خلال الأيام الفائتة، وحتى ظهر أمس كانت هناك أخبار عن عمليتي طعن في تل أبيب وعلى معبر قلنديا المؤدي للقدس، في مؤشر إلى أين تتجه الأمور، رغم أنّ الإضراب بحد ذاته، والفعاليات المصاحبة له، حريصة على الطابع المدني.
لحدث من نوع الإضراب عن الطعام أثر من شقين؛ الأول سريع يرى مباشرة والثاني ليس كذلك، وهو جزء من صياغة عقل جمعي بما في ذلك لأجيال جديدة.
يدرك الإسرائيليون أنهم خسروا كثيراً في الجامعات الأوروبية، وهي ذات أهمية في صياغة الرأي العام، وخصوصاً للأجيال القادمة. وعلى سبيل المثال نجح اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا هذا الأسبوع في عرقلة عرض فيلم عن مروان البرغوثي في أكثر من فندق بفضل قوة تأثيرهم المالي، ولكن أشك أن ينجحوا في الجامعات.
مثال آخر، هو ما يحدث الآن في نيويورك، فهناك مسلمة محجبة، تزعج الإسرائيليين وأصدقاءهم كثيراً، لسبب بسيط أنها تتقن الحديث باعتبارها أميركية، يتضمن حديثها أمورا مثل النضال لاعتراف المدارس الحكومية الأميركية بعيدي الفطر والأضحى، والمشاركة القوية في الاحتجاجات ضد آراء وممارسات دونالد ترامب العنصرية أثناء حملته الانتخابية، وترفض التجسس على المسلمين الأميركيين، وتفتخر بالصمود الفلسطيني.
تبلغ صرصور نحو 37 عاما، ولدت في نيويورك لأبوين فلسطينيين، اختارت الحجاب والنشاط في المجتمع العربي، وتزوجت في سن 17 ولديها أبناء. وبينما رحبت "نيويورك تايمز" بها عام 2015، فكتبت عنها وعن نشاطها في مكافحة تجسس الشرطة على المسلمين الأميركيين، وعلاقاتها مع السود ومع الليبراليين الأميركيين، وتأسيس النادي الديمقراطي الإسلامي، يحاربها اليمين الأميركي والإسرائيليون بقوة. هذا الأسبوع نشرت وكالات أنباء يهودية (مثل جويش تلغراف) ومحطات مثل "فوكس نيوز"، وصحف إسرائيلية تفاصيل الاحتجاج ضدها، لأنها مدعوة للحديث في جامعة مدينة نيويورك (NYC) الحكومية. وكان الهجوم عليها بائساً في الواقع، بحجة أنها أولا تدافع عن الشريعة الإسلامية، والثاني لأنها كتبت على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت صورة لطفل فلسطيني صغير يحمل حجارة خلف يديه ويتحرك لمواجهة الجنود الإسرائيليين "هذا تعريف الشجاعة". وبالتالي بحسب فوكس نيوز "هي تؤيد "إلقاء الحجارة في إسرائيل".
الواقع أنّ وصول فلسطينية تنخرط بالمجتمع المدني وترفض الصهيونية بوضوح أمر مقلق بلا شك للإسرائيليين. فهي تتحدث عن نفسها كناشطة نسوية "فمنست"، ولكنها تقول إنه لا يمكن أن تكون صهيونيا و"فمنست" بنفس الوقت، لأنّه إذا كنت "فمنست" لن تتجاهل حقوق النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال.
تدرك ليندا أنها ليست حالة فريدة، ربما، وتقول للإعلام إن هناك مئات مثلها، وتضيف "ربما لم تر أي امرأة فلسطينية أميركية في الصف الأول لحركات العدالة الاجتماعية لأنها ستكون هدفا مباشرا لليمين، واليمين الصهيوني اللذين سيذهبان للحد الأقصى في محاولة تجريمنا، ولجعلنا نتبنى خطابا مختلفاً".
نجح الإسرائيليون في الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، بجعل أنفسهم جزءا من الثقافة هناك، ومن قيم يدّعون أنها الحرية والتحرر، فإذا جاء من يفضح زيف هذا ووصل للإعلام والجامعات فلا شك أن يطلق جرس إنذار عن الصهيونية.
عن الغد الأردنية