تعاملت إسرائيل مع اضراب المعتقلين الذي اندلع يوم 17/4/2017 وكأنها في حالة حرب حقيقية، حيث أستنفرت كافة قواها السياسية والأمنية والعسكرية والاعلامية والقضائية لمواجهة الاضراب، واعلنت حالة الطواريء لمواجهة جوع الاسرى المتعطش للحرية والكرامة والانسانية.
الجميع في إسرائيل استدعي الى الحرب، والجميع حمل سلاحه وعتاده العسكري وما في جعبته من افكار ومخططات جهنمية لصدّ انتفاضة الأسرى التي توسعت وخرجت من خلف الجدران والقضبان الى فضاء العالم لمسائلة دولة اسرائيل أخلاقيا وإنسانيا على انتهاكاتها للمعايير والاحكام الدولية في التعامل مع الاسرى.
هناك خطر أمني يهدد دولة اسرائيل ووجودها، ليست صواريخ تطلق عليها، ولا جيوشاً تزحف نحو حدودها، إنه إضراب أسرى عزل محشورين مهانين نزعت عنهم صورتهم الإنسانية وجردوا من حقوقهم الأساسية ، فأعلنوا إضرابًا عن الطعام كي ينتبه العالم والعدالة الانسانية لهم، ويعاملوا كبشر وليس كاشباح وأرقام تحت وطأة التحريض والعنصرية الاسرائيلية المتنامية.
جوع الأسرى في الزنازين والمعسكرات ومطالبهم بتحسين شروط حياتهم الانسانية يشكل خطرا على دولة اسرائيل النووية، يحرك في اعماقها بعد خمسين عاما على الاحتلال وسبعين عاما على النكبة ومائة عام على وعد بلفور المشؤوم دم وأصوات الضحايا الفلسطينيين الذين نهضوا فجأة من أجل الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة.
إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام يحاصر تل أبيب،
وبدأت الهستيريا الاسرائيلية بالمطالبة بإعدامهم وقتلهم ورشهم بالغاز السام وفتح معسكرات إبادة لهم، واستدعي الكنيست الاسرائيلي لسن المزيد من القوانين التعسفية والإجراءات المشددة ضد الأسرى وعائلاتهم.
اضراب الأسرى يحاصر تل ابيب ، لأن الأسرى طالبوا بوقف منع عائلاتهم من زيارتهم ، وتركيب مراحيض في ساحة السجون للعائلات، وطالبوا ان يلتقطوا صورا مع اولادهم الصغار ومعانقتهم ، وطالبوا بالعلاج الطبي للمرضى، وتركيب تلفونات عمومية للاتصال مع عائلاتهم، وطالبوا بوقف الاعتقال الاداري التعسفي الذي لا يستند الى اي محاكمة عادلة، وطالبوا بالتعليم الجامعي والثانوي، وبإدخال الكتب والصحف، وغيرها من المطالب التي تتفق مع ابسط المعايير الانسانية في معاملة السجناء.
إضراب الأسرى يحاصر تل ابيب، لهذا وضعت هيئة الاركان الاسرائيلية بنكا واسعا للاهداف ضدهم: عزل الاسرى في زنازين انفرادية وأقسام عزل جماعية، منع المحامين والاهالي من زيارتهم ، نقلهم من مكان لآخر كل ساعة لإرهاقهم والضغط عليهم، شن حملة تفتيشات وإذلال بحقهم على يد قوات قمعية تسمى النحشون، تجريدهم من ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية، التعرض لهم بالضرب وتعريتهم وإهانتهم، إجراء محاكمات لهم وفرض غرامات عليهم، وغيرها من الاجراءات التعسفية.
إضراب الأسرى يحاصر تل ابيب، ولهذا شنت حكومة اسرائيل حملة تحريض وتشويه واسعة ضد الاسرى ومطالبهم الاجتماعية والمعيشية البسيطة، حاولت ان تسيس الاضراب لتبرير العدوان عليهم داخل السجون، ولتبرير مساعيها لتجريد الاسرى من صفتهم القانونية كأسرى حرية ناضلوا من اجل الكرامة والاستقلال ولوضع كل نضال الشعب الفلسطيني في اطار الجريمة والارهاب.
إضراب الأسرى يحاصر تل ابيب، المستوطنون الساديون يقومون بحفلة شواء بالقرب من سجن عوفر العسكري، الشرطة الاسرائيلية تغلق ملفات في جرائم اعتداء على الفلسطينيين، السجناء اليهود الذين ارتكبوا جرائم قتل بحق الفلسطينيين يحظوا بالعفو والامتيازات والاحكام المخففة، اعتقالات واسعة تجري في صفوف الفلسطينيين ليل نهار وخاصة الاطفال الصغار، شهادات التعذيب الوحشي الممنهج في أقبية التحقيق تتزايد دون محاسبة او رقيب، جثث الشهداء لازالت تحتجز في الثلاجات ومقابر الارقام دون رحمة وبلا اخلاق .
إضراب الأسرى يحاصر تل ابيب، حالة استنفار تعلنها دولة اسرائيل ، فتح مستشفيات ميدانية للاسرى المضربين، دعوات لتركهم في الاضراب حتى الموت، اشهار سلاح التغذية القسرية لكسر الاضراب وإرادة الأسرى حتى لو ادى ذلك الى تعذيبهم وقتلهم، مطالبة نتنياهو بوقف اعانات الاسرى وحجز اموال السلطة الفلسطينية بهدف نزع الشرعية عن النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
اضراب الاسرى يحاصر تل ابيب، لأنه أعلن ان دولة اسرائيل التي تستبيح القانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف وتدوس ببساطيرها العسكرية على مباديء حقوق الانسان والشرائع الدولية قد دخلت عهد العنصرية والفاشية، وان جرائمها المستمرة ضد حقوق الانسان الفلسطيني تشكل خطرا على المنظومة الثقافية والقيمية الانسانية في العالم.
إضراب الأسرى يحاصر تل ابيب، حالة هلع وفزع اصابت حكومة نتنياهو ومؤسسته العسكرية والامنية، فالعالم كله الان بدأ ينظر الى ما يجري خلف ظلمات السجون، فضائح دولة اسرائيل وجرائمها المنظمة ينشرها الاسرى ويكسرون الصمت، يحركون الضمائر في كل مكان، انها محاكمة إنسانية عالمية لدولة الاحتلال بالماء والملح والجوع والارادة والكبرياء.
اضراب الاسرى يحاصر تل ابيب، يقول للمحتلين والسجانين ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش:
آن ان تنصرفوا..
ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل..
ولنا الماضي هنا..
ولنا صوت الحياة الأول..
ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل..