في خيمة الاعتصام المساند لإضراب الأسرى هناك مشاهدات مختلفة رصدتها بالعين المجردة، تلك المشاهدات أثارت العديد من التساؤلات ضمن واقع المجتمع الفلسطيني، ما رأيته هو أن المجتمع بكافة أطيافه ومركباته هو بداخل السجن الإسرائيلي، بمعنى أن الدولة الفلسطينية التي وافقنا عليها في اتفاق أوسلو هي الآن سجن محكم على الفلسطينيين بأشكال وأدوات مختلفة.
في الخيمة تواجد عدد من أصدقائي وهم أسرى محررون، استمعت لتجاربهم عن الإضرابات المختلفة التي عاشوها، ومدى أهمية وقيمة الأخبار التي تأتيهم من خارج فضاء السجن التي تتحدث عن مدى تفاعل الشارع الفلسطيني، ما يرفع منسوب الطاقة لدى الأسير المضرب عن الطعام، وكما قالها أحد الأصدقاء: «كل خبر إيجابي كان يصل لنا كنّا نعتبره وجبة كاملة الدسم».
في الخيمة هناك صور لأسرى يوحدهم السجن والسجّان وتفرقهم شعارات الفصائل التي وضعت على صورهم، كل يتغنى بالأسير الذي ينتمي له، متناسين أن جميع الأسرى يتغنى ويفتخر بهم الوطن. بالتأكيد المجتمع الفلسطيني لا يميز بين أسير وأسير، إذن لمصلحة من يتم تفرقتهم على الرغم من أن غرف التحقيق توحدهم!!
في الخيمة كنت أسأل ذاتي مستغرباً: كيف يصمد الأسير المضرب عن الطعام، وأنا إذا ما تأخرت عن أكل أي وجبة طعام أصاب بحالة من الرجفة والدوخة وعدم التركيز بما هو محيط؟ كيف يقدم المناضل ذاته قرباناً مرتين على مذبح الحرية أسيراً وشهيداً؟ كيف يتم تحويل الجهاز الهضمي لدى الأسير إلى سلاح يخشاه السجان ودولة الاحتلال؟
في الخيمة شربت القهوة مع رجل كان يحتضن صورة ولده المحكوم مدى الحياة، تعلمت منه بأن الأحاسيس ليست مجرد شعور أو عاطفة نعبر عنها وقت اللقاء فقط، الحب هو الحرمان كما قالت الأديبة المصرية نوال السعداوي، فالأب مازال يعيش على أمل برؤية ابنه حراً قبل موته، ما يحفزه هذا الشعور على المشاركة في جميع الاعتصامات والأنشطة التي تسلط الضوء على معاناة الأسرى. علمني أن الحب ليس مجرد شعور في القلب، بقدر ما هو الفعل الدائم في تكسير العوائق التي تمنعك من الوصول لمن تحب.
في الخيمة كنت أبحث عن مفهوم هذا الحيز الفضائي في وجدان الهوية الثقافية الفلسطينية؟ خيمة اعتصام، خيمة لجوء، خيمة لأصحاب المنازل المهدمة في قطاع غزة، الخيمة أيضاً هي المعتقل، كيف تجمع هذه الخيمة التضاد في الاستخدام رغم أن الكلمة واحدة؟! كيف نكون في خيمة اعتصام مطالبين بالحرية لمن هم في خيمة الاعتقال؟ هل الخيمة في الثقافة العربية هي ذات الخيمة الفلسطينية؟ الخيمة هي أول اللجوء لنا في زمن كانت هي أول الأفراح في الثقافات العربية! وهنا يأتي سؤال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش:
هل سيسفر موتنا عن: دولة ... أم خيمة؟
في خيمة الاعتصام يتحول كل من هم خارج الخيمة إلى ممثلين في مشهد من مسرحية سريالية، نضحك على المواطنين الذين ينظرون لنا بعين الشفقة والتعاطف وكأنهم من كوكب آخر، نشاهد سائق التكسي يبحث عن راكب، وبائع القهوة المتجول يحاول أن يصطاد فريسة بحاجة إلى فنجان قهوة توقظه من حالة الإحباط، وشرطي يجتهد بتنظيم السير، وهناك من كان يعتبر أن من هم في الخيمة هم على خشبة المسرح، ومن أعماقي كنت متأكد أن الجميع_من في داخلها وخارجها_ يريد لهذه الخيمة أن تصمد.