لم تعد الرؤية واضحة فيما يتعلق بأفكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
فقد كانت حملته الأكثر يمينيةً وتطرفاً في الانتخابات الأميركية تشير بوضوح إلى أنه يسعى لخدمة المصلحة الإسرائيلية ولا شيء في المنطقة أكثر أهمية بالنسبة له من ذلك.
لقد كانت وعوده لإسرائيل كثيرة، فمن الضغوط على عديد الدول لتغيير مواقفها في مجلس الأمن عند التصويت على قرار يدين الاستيطان قبل توليه الرئاسة، مروراً بوعوده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصولاً إلى مساندة إسرائيل في اعتداءاتها في المحافل الدولية، وليس انتهاء بالمطالبة باستيطان في حدود معقولة لا تؤثر على الحل السياسي دون المطالبة بوقف هذا الاستيطان.
بعد دخوله إلى البيت الأبيض تغيرت المعادلة ولو قليلاً وأصبحت سياسته الخارجية امتداداً للسياسة الأميركية المتجذرة عميقاً في المنطقة بعيداً عن رغبات وطروحات مستشاريه المستجدين في العمل السياسي.
بداية الشهر المقبل، سيزور الرئيس محمود عباس البيت الأبيض ليلتقي الرئيس الشعبوي، وستكون هذه الزيارة فرصةً لطرح وجهة النظر الفلسطينية، والاستماع إلى ما يدور في ذهن هذا الرجل الذي صرح أكثر من مرة بأنه ستكون هناك خطوات جادة وغير مسبوقة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، دون أن نعرف ما هي خطط ترامب ولا كيفية تحقيق رؤيته غير المسبوقة للحل..
من الواضح أن ترامب سيطرح أسئلة صعبة على الرئيس "أبو مازن"، وربما ستكون هناك مطالب أميركية بعضها قد يمس الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن لأحد التنازل عنها، لأننا فعلاً تنازلنا عن كل شيء تقريباً منذ اتفاق أوسلو وحتى اليوم.
جزء من التصورات الترامبية نقلتها الصحافة الأميركية والإسرائيلية، وهي التي سيتحدث عنها بشكل أكثر وضوحاً خلال زيارته لإسرائيل أواخر أيار المقبل.
أمن إسرائيل فوق كل اعتبار، ولا نقاش في ذلك.. وأمنها يتعمق بتفوقها العسكري، وبناء عليه ستظل المساعدات العسكرية الأميركية في تزايد وبشكل نوعي لا كمي.
أما النقطة الثانية، فهي القدس وقضية نقل السفارة، ويبدو أن ترامب قد تجاوز مرحلة نقل السفارة، وأصبح مقتنعاً بأن هذه الخطوة لن تكون في صالح السياسة الأميركية ودورها في الشرق الأوسط، ولهذا ستكون هناك رزمة وعود للمقايضة على التراجع، ومنها الإعلان عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وهو إعلان مخالف لكل القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة بما فيها مجلس الأمن الدولي.
هناك تسريب آخر، وهو رسالة ضمان تعترف فيها أميركا بأن هضبة الجولان المحتلة جزء من دولة إسرائيل، بمعنى آخر أن يعطي من لا يملك إلى من لا يستحق، على الرغم من أن الأوضاع في سورية ونتائج حروب العالم المتصارع في هذه الدولة سيبقيها ضعيفة غير قادرة حتى على المناورة سياسياً لطرح مطلبها العادل بإعادة الجولان حتى عقود قادمة.
فيما يتعلق بالاستيطان، سيؤكد ترامب أن الكتل الاستيطانية أصبحت واقعاً وجزءاً لا يتجزأ من الامتداد الإسرائيلي، وسيطرح بخجل الحد من البناء الاستيطاني في المستوطنات الخارجة عن إطار هذه الكتل الاستيطانية.
كما سيؤكد ضرورة أن يحارب الفلسطينيون الإرهاب الذي تعددت أشكاله ومسمياته عند الإدارة الأميركية الجديدة إلى الحد الذي وصفت فيه المساعدات المقدمة إلى أسر الشهداء بأنها جزء من الإرهاب حسب التعريف الإسرائيلي الموافق عليها أميركياً.
مختصر الحديث أن الضغوط الأميركية ستظل على أشدها بحق القيادة الفلسطينية، فيما سيبدو أن تعامل الإدارة الأميركية مع الاحتلال الإسرائيل وإفرازاته العنصرية سيكون ناعماً كمن يرتدي قفازاً من حرير.