دَرْسان صينيّان: واحد لـِ"ترامب" وآخر... لـِ"نتنياهو"

thumbgen (10).jpg
حجم الخط

 

 

في خضم الأزمات «المتوالدة» التي سعى ويسعى الرئيس الاميركي ترامب الى «زرعِها» في اكثر من منطقة,وبخاصة نهجه العدواني الرامي الى عسكرة العلاقات الدولية,وجعل لغة القوة هي السائدة بين العواصم النافِذة,واستهداف العلاقات الروسية الصينية بِمحاولته عزل روسيا و»تحييد» الصين او الايحاء بذلك،مستفيداً في ما يبدو من تجربة الثنائي الاميركي الشهير,اواسط سبعينيات القرن الماضي,ونقصد نيكسون – كيسينجر,عبر اللعب على الخلاف «العقائدي» الذي انهك علاقات موسكو ببيجين,حيث انخرط شيوعيو ذلك الزمان(وبعده)في التصويب على بعضهم البعض,بين من اتُهِموا بالتحريفية(انصار موسكو)واولئك الذين التصقت بهم صفة المغامَرة,وغيرها من الاوصاف التي أُلصِقَت بِأتباع الزعيم الصيني الأشهر ماوتسي تونغ.

وإذ لم تعد هناك ثمة خلافات عقائدية,ولا تجد هناك من يحفل بتقديم «البُعد» الأيديولوجي على اي علاقات دولية أو بيْنِية،فإن تراجع النفوذ الاميركي العالمِي,حتى لو اراد ساكن البيت الابيض الإعتقاد عكس ذلك,وتسويق شعاره غير القابل للتنفيذ باستعادة»عظمة اميركا»الذي كان رفعَه في حملته الانتخابية,حيث يجد»الان»فرصته لترجمتها عسكرياً,عبر تولّي وظيفة «شرطي» العالم,التي كان زعم انه لن يشتاق اليها(لكن القرار لِلمُجمّع الصناعي العسكري الاكاديمي,بما هو»حزب الحرب»الذي يُحكِم قبضته على القرار في واشنطن)فإنه – ترامب – يسعى لِبثّ الخلاف والشقاق بين العاصمتين الاكبر,اللتين تجمعهما مصالح استراتيجية عميقة ومُتداخِلة رغم التنافس(المشروع)بينهما,على تصدُّر المشهد الدولي, والحذَر من تحوّل هذا «التنافس»الى صراع على النفوذ,او رغبة باستتباع الآخرين، كما يحلم بعض المُنظّرين الغربيين,الذين يعملون على ذلك, بِتصوير الأمور وكأن بيجين وموسكو محكومتان بالصراع لا التعاون والتنسيق,وخصوصاً في مواجهة الرعونة الاميركية والعربدة التي تُميّز خطوات واشنطن,في»عُهدَة» اي حزب.. جمهورياً كان أم ديمقراطياً.

ما علينا..

في مَعرض تنويه البيت الابيض وإشادته بـ»منجزات»ترامب بعد إتمامه «المائة يوم»الاولى في منصبه, قال ناطق باسم المقرّ الرئاسي الاميركي:إن من «اوائِل» نجاحات ترامب خلال المائة يوم من حُكمِه: كان إقناع الصين بـ»عزل» روسيا.!!

عبارة تثير الفزع وتدعو بالفعل للتدقيق في اهدافها مراميها الخبيثة التي تسعى ادارة ترامب الى تحقيقها,وبخاصة وضع الصين في مواجهة روسيا,حيث لا خلافات او عداوات بل ولا حتى خصومات, منذ عقد ونيّف على الاقل اي مع وصول الرئيس بوتين الى الكرملين,ولاحظنا تنسيقاً متنامِيّاً يكاد يصل الى مرتبة»التحالف»,ازاء قضايا وبؤر توتر دولية وفي مقدمتها الازمة السورية,حيث وجدنا الفيتو «المشترك» الروسي الصيني لست مرات,فيما وجدت موسكو نفسها ترفع يدها في المجلس مرتين’اكتفت بيجين فيهما بالامتناع عن التصويت,ما وضعهما في بورة الاستهداف الاميركي والغربي الامبريالي بأسره,مُضافاً اليه بالطبع بعض العرب الذين لا يعجبهم مثل هذا «الفيتو المُشترك»وعجزِهم عن تغييره,حتى بالرشى والتملّق والتلويح بالعقود الإستثمارِية والتجارية.. المُغرِية.

ابلغ رد فعل بيجين على «الفِريَة» التي سوقها البيت الابيض حول اقتناع الصين بـِ»فِكرة»ترامب العبقريّة.. «عزل» روسيا,هو ما جاء على لسان رئيس دائرة اوروبا الشرقية واسيا الوسطى لدى الخارجية الصينية غوي تشونيون,في تعليقه على الكذبة الاميركية,وتذكيره باللقاء المُرتقَب بين الرئيسين تشي وبوتين, مُتسائِلاً عن اي عزلة لروسيا يمكن الحديث؟ في ظل هذه الوتيرة من العلاقات بين بلدينا,والتي تربطهما علاقات بالشَراكة الواعِدة على جميع الاصعدة,وهما يتحدثان بلغة مُشترَكة عن الاخطار التي تتهدّد الامن والاستقرار الدوليين,خاتماً بالقول: نهج العلاقات «الاستراتيجية»بين روسيا والصين راسخ ولن يتغيّر,وعلى بلدينا تعزيز التعاون المُشترَك بينهما,بصرف النظر عن التطورات على الساحة الدولية.

رد صيني واضح وبليغ,لا يحتاج لمزيد من الشرح, ما بالك ان عدوانية واشنطن تجاه كوريا الشمالية (رغم امتعاض بيجين من تصرفات بيونغ يانغ,حيث الاخيرة تبدو وكأنها تستجيب لاستفزازات واشنطن الساعية لاستدراجها الى مواجهة عسكرية,يمكن للعدوانية الاميركية اذا ما واصل ترامب جموحه وتهوّره,ان تتحول الى مواجهة بين الصين واميركا).

ماذا عن نتنياهو؟

الصينيون الذين يقيمون علاقات «مُتطورة»مع الكيان الصهيوني, يُبدون حذراً في خطواتهم وتعاملهم مع حكومة نتنياهو,وبخاصة في شأن مواقفِهم المُعلَنة من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي,والقائم على تأييد حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 ورفض الاستيطان اليهودي في الضفة والقدس المحتلتين,لهذا جرت مفاوضات استمرت لمدة «سنتين» بين تل ابيب وبيجين لاستقدام عمال صينيين للعمل في الدولة الصهيونية,سعت حكومة نتنياهو الى ان لا تُلزِم نفسها بأن يعمل هؤلاء العمال في «أي مكان»تُريده تل ابيب,لكن بيجين رفضت ذلك وأصرّت على ان لا يشتغل هؤلاء العمال في مستوطنات الضفة الغربية أو القدس الشرقية,وكان للصين ما ارادت,فتراجع نتنياهو واستسلم للرغبة الصينية,وإن كان نتنياهو,وكي لا يبدو وكأنه وافق على اتفاق يدعو بشكل صريح الى مقاطعة المستوطنات(كما قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية),توصّل الى صيغة مُراوِغة (لكنها في مضمونها واضحة المُفردات والمقاصِد» نصّت على ما يلي «... يتفق الطرفان على ان يعمَل العمال الصينيون في اطار الاتفاق,في المناطق «المُحدَّدة»التي يتفق عليها الطرفان بين الحين والاخر»ويُرفَق الاتفاق.. (وهذا هو الأهم, في ما نحسب),بِمُلحَق فيه قائمة البلدات المتفق عليها بين الطرفين,حيث لا تظهر فيها أي بلدة خلف الخط الاخضر(أي خطوط الرابع من حزيران 1967).

هذا ما يمكن للدبلوماسية الهادئة,ذات التفكير السيادي والاخلاقي ان تُحقِّقه في غمرة صراع قوى مفتوح مع دولة محتلة وعنصرية,يسعى الامبرياليون وحلفاؤهم من المتصهينين وبعض دول الإقليم,عربية وغير عربية,تشويه جوهره وإ خراجه عن إطار القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.

عن الرأي الاردنية