مع منتصف أيار من كل عام، يخرج عموم الفلسطينيين عن بكرة أبيهم إلى الساحات والشوارع، يتذكرون ويهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي، في مناسبة وطنية مهمة تصادف نكبتهم التي أدت في العام 1948 إلى تشردهم وخروجهم قسرياً عن أرضهم، في مقابل قيام دولة مارقة اسمها إسرائيل.
يوازي هذا الإحياء السنوي، إحياء وتجديد كتابي وإعلامي دسم لذكرى النكبة، وخلالها تكثر المقالات ويسهب الإعلاميون في شرح وتوصيف ماضي وواقع ومستقبل الحال الفلسطيني، الذي يؤسف القول إنه يمضي من سيئ إلى أسوأ.
ما نفعله كل عام، هو اللطم على حالنا والاسترسال حول حجم الانتهاكات الإسرائيلية التي أثقلت بفعلها على الأرشيف الفلسطيني الذي يمتلئ كل يوم بأحداث عنصرية إسرائيلية يومية، والنتيجة أن النكبة تنتهي ونودعها لعام مقبل كمناسبة وطنية، بينما هي حاضرة بقوة في تفاصيل حياتنا.
نعم هي حاضرة بقوة، وإن كانت النكبة الأهم «الأم» تشكل الثقل الأساسي في معادلة إضعاف الفلسطينيين، كون أنها -نكبة عام 1948- فتحت شهية الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير الناس قسرياً في محاولة لتكريس مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
الاحتلال صنع نكبة للفلسطينيين وهؤلاء صنعوا نكبة أخرى لهم، وأصبح حال الناس موزعا بين ضائع وتائه بين نكبتين، واحدة تستنزف من عزيمتهم وصمودهم، والثانية التي نشأت في كنف البيت الفلسطيني، تكمل على هذا الصمود حتى تطرحه أرضاً.
بين هاتين النكبتين، نكبة الاحتلال ونكبة الانقسام الفلسطيني، يعيش المواطن في نكبة يومية تطاله من جميع الجهات وتستهلك من رصيده في كل شيء، الرصيد الوطني والنضالي والرصيد الأخلاقي والمادي، ومع الأسف ليس من منقذ لهذا الحال.
نكبة الاحتلال عام 1948 أنتجت شتاتاً ما بعده شتات، وحينها طرد الفلسطينيون من أرضهم وتوزعوا في أصقاع الأرض، وزاد الاحتلال على هذا الشتات تهجيرا قسريا عام 1967، فأصبح الفلسطيني يُعرّف على أنه إما مواطن أو لاجئ أو نازح.
ولم يقتصر الأمر على المواطن نفسه، إنما سُحبت الأرض الفلسطينية من تحت أقدامه، وجرى تهويدها وربطها بالعقيدة اليهودية وما يسمى «أرض الميعاد»، واليوم يستهدف الاحتلال خلق نكبة جديدة عنوانها تهويد الضفة الغربية، مشمولاً معها القدس المحتلة.
كل هذا لم يحرك الفلسطيني كما كان حاضراً بالأمس في مواجهة المخططات الصهيونية، والسبب أنه يعاني من نكبة يومية تمتص كل انتباهه الوطني، وتجعل منه باحثاً عن لقمة العيش وقضايا حياتية تعطل من صحوته النضالية.
الفلسطيني أمام نكبة يومية وانقسام يومي، فكيف سيكون أداؤه إذاً؟ في قطاع غزة الناس يعيشون في حالة موت سريري، ولعلها أبلغ عبارة تلخص وضعهم المعيشي، خصوصاً وأنهم قابعون تحت حصار دولي، وتعرضوا مباشرةً لانقسام داخلي خطير ومتواصل لثمانية أعوام.
إنها النكبات تلاحقهم من «ساسهم إلى راسهم»، وكذلك الحال بالنسبة للفلسطينيين من الضفة الغربية الذين يتعرضون لزلازل استيطانية يومية، وتهويد ممنهج هدفه شطب كلمة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وفي الوقت ذاته حالهم مثل حال أهلنا في غزة، حيث يعانون من الانقسام الداخلي أيضاً.
ليس هذا فحسب، بل إن أكثر من عانوا من التهجير لمرتين وثلاث هم فلسطينيو الشتات، فهؤلاء لفظهم الاحتلال قسرياً عن منازلهم، ومنهم من عاش وأقام في دول غربية، وآخرون شدوا الرحال إلى دول عربية مختلفة.
ولأن واقع الحال اليوم سيئ جداً، فقد أصبحت الحياة صعبة على أهلنا في الشتات، خصوصاً وأن من يعيشون في الدول الغربية إما أنهم يكابدون حتى يحافظوا على هويتهم ووطنيتهم، وإما أن جزءاً منهم استسلم للنموذج الغربي وذاب في تلك المجتمعات وصارت هويته الأصلية فرعية في مقابل هوية الدولة التي حصل على جنسيتها، واستوعبها وهضمها قولاً وفعلاً.
أما من يقطنون في بعض الدول العربية فحدّث ولا حرج، إذ أنه كتب عليهم أن ينتكبوا وأن يهاجروا من منازلهم إلى مناطق آمنة، وأدق مثل على ذلك فلسطينيو العراق الذين لجؤوا إلى دول كثيرة بعد الاحتلال الأميركي لبغداد، حتى أنهم هاجروا للمرة الثالثة، من فلسطين المحتلة إلى العراق ومن ثم من الأخيرة إلى سورية، ومنها إلى مختلف أرجاء المعمورة.
ثم إن أهل مخيمي اليرموك وفلسطين، يقدمون نموذجاً حقيقياً عن معنى النكبة، ولنا أن نتخيل كيف أن الموت يلاحقهم من كل مكان، فإذا حالفهم الحظ في الخروج من مناطق سكناهم، تجدهم يتعرضون لأبشع أنواع التهجير من أجل الوصول إلى يابسة آمنة.
كتب على الفلسطيني أن يدفع ضريبة وطنيته وضريبة الانقسام الداخلي الذي فرض عليه بالقوة من أعلى الهرم الفصائلي، وكتب عليه أن يكابد ويعاني حتى يثبت أنه فلسطيني، وبالرغم من هذا الصمود الأسطوري، إلا أنه لا يقابل هذا الثمن أي جهد حقيقي لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ربما سيكون على الفلسطيني أن يواصل صموده لمكابدة النكبات التي تلاحقه، خصوصاً في إطار عاملين، الأول أنه لا توجد إرادة دولية لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ذلك أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد صرح حديثاً بأن الطريق لإنهاء هذا الصراع لا يزال شاقاً، ويسبق ذلك بالتأكيد الموقف الإسرائيلي المتعنت تجاه السلام وتجاه ما تعتبره تل أبيب أولويات لا تتوافق أبداً مع مواقف القيادة الفلسطينية.
لقد اختار الرأي العام الإسرائيلي حكومةً يمينية تستجيب لمعتقداته السلبية ضد السلام وخيار الدولتين، وهذه الترجمة انعكست على أجندة ونشاطات كافة الحكومات المتعاقبة، وما اغتيال رئيس الوزراء السابق المغدور اسحق رابين، إلا دليل على أن إسرائيل بيسارها ويمينها لا تقبل ولا تعترف بوجود شريك فلسطيني.
العامل الثاني يتعلق بغياب الإرادة الجمعية لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، ويتأكد هذا الموقف من العقلية الطفولية التي تمارسها قيادات الانقسام والتي تستهدف تأبيده والحفاظ على ديمومته والتأكيد على الأجندات الخاصة في مواجهة الأجندة الوطنية.
إنها النكبات التي توسع الفلسطينيين ضرباً وتسدد لكماتها يومياً في كل مكان من جسدهم المنهك في الأصل، مع ذلك فإنه مكتوب علينا الصمود والتفاؤل، وأن نوقد شمعة خير من أن نلعن الظلام، لأننا إذا استسلمنا لهذه النكبات فإننا قد نضيع وتضيع قضيتنا.
يوازي هذا الإحياء السنوي، إحياء وتجديد كتابي وإعلامي دسم لذكرى النكبة، وخلالها تكثر المقالات ويسهب الإعلاميون في شرح وتوصيف ماضي وواقع ومستقبل الحال الفلسطيني، الذي يؤسف القول إنه يمضي من سيئ إلى أسوأ.
ما نفعله كل عام، هو اللطم على حالنا والاسترسال حول حجم الانتهاكات الإسرائيلية التي أثقلت بفعلها على الأرشيف الفلسطيني الذي يمتلئ كل يوم بأحداث عنصرية إسرائيلية يومية، والنتيجة أن النكبة تنتهي ونودعها لعام مقبل كمناسبة وطنية، بينما هي حاضرة بقوة في تفاصيل حياتنا.
نعم هي حاضرة بقوة، وإن كانت النكبة الأهم «الأم» تشكل الثقل الأساسي في معادلة إضعاف الفلسطينيين، كون أنها -نكبة عام 1948- فتحت شهية الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير الناس قسرياً في محاولة لتكريس مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
الاحتلال صنع نكبة للفلسطينيين وهؤلاء صنعوا نكبة أخرى لهم، وأصبح حال الناس موزعا بين ضائع وتائه بين نكبتين، واحدة تستنزف من عزيمتهم وصمودهم، والثانية التي نشأت في كنف البيت الفلسطيني، تكمل على هذا الصمود حتى تطرحه أرضاً.
بين هاتين النكبتين، نكبة الاحتلال ونكبة الانقسام الفلسطيني، يعيش المواطن في نكبة يومية تطاله من جميع الجهات وتستهلك من رصيده في كل شيء، الرصيد الوطني والنضالي والرصيد الأخلاقي والمادي، ومع الأسف ليس من منقذ لهذا الحال.
نكبة الاحتلال عام 1948 أنتجت شتاتاً ما بعده شتات، وحينها طرد الفلسطينيون من أرضهم وتوزعوا في أصقاع الأرض، وزاد الاحتلال على هذا الشتات تهجيرا قسريا عام 1967، فأصبح الفلسطيني يُعرّف على أنه إما مواطن أو لاجئ أو نازح.
ولم يقتصر الأمر على المواطن نفسه، إنما سُحبت الأرض الفلسطينية من تحت أقدامه، وجرى تهويدها وربطها بالعقيدة اليهودية وما يسمى «أرض الميعاد»، واليوم يستهدف الاحتلال خلق نكبة جديدة عنوانها تهويد الضفة الغربية، مشمولاً معها القدس المحتلة.
كل هذا لم يحرك الفلسطيني كما كان حاضراً بالأمس في مواجهة المخططات الصهيونية، والسبب أنه يعاني من نكبة يومية تمتص كل انتباهه الوطني، وتجعل منه باحثاً عن لقمة العيش وقضايا حياتية تعطل من صحوته النضالية.
الفلسطيني أمام نكبة يومية وانقسام يومي، فكيف سيكون أداؤه إذاً؟ في قطاع غزة الناس يعيشون في حالة موت سريري، ولعلها أبلغ عبارة تلخص وضعهم المعيشي، خصوصاً وأنهم قابعون تحت حصار دولي، وتعرضوا مباشرةً لانقسام داخلي خطير ومتواصل لثمانية أعوام.
إنها النكبات تلاحقهم من «ساسهم إلى راسهم»، وكذلك الحال بالنسبة للفلسطينيين من الضفة الغربية الذين يتعرضون لزلازل استيطانية يومية، وتهويد ممنهج هدفه شطب كلمة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وفي الوقت ذاته حالهم مثل حال أهلنا في غزة، حيث يعانون من الانقسام الداخلي أيضاً.
ليس هذا فحسب، بل إن أكثر من عانوا من التهجير لمرتين وثلاث هم فلسطينيو الشتات، فهؤلاء لفظهم الاحتلال قسرياً عن منازلهم، ومنهم من عاش وأقام في دول غربية، وآخرون شدوا الرحال إلى دول عربية مختلفة.
ولأن واقع الحال اليوم سيئ جداً، فقد أصبحت الحياة صعبة على أهلنا في الشتات، خصوصاً وأن من يعيشون في الدول الغربية إما أنهم يكابدون حتى يحافظوا على هويتهم ووطنيتهم، وإما أن جزءاً منهم استسلم للنموذج الغربي وذاب في تلك المجتمعات وصارت هويته الأصلية فرعية في مقابل هوية الدولة التي حصل على جنسيتها، واستوعبها وهضمها قولاً وفعلاً.
أما من يقطنون في بعض الدول العربية فحدّث ولا حرج، إذ أنه كتب عليهم أن ينتكبوا وأن يهاجروا من منازلهم إلى مناطق آمنة، وأدق مثل على ذلك فلسطينيو العراق الذين لجؤوا إلى دول كثيرة بعد الاحتلال الأميركي لبغداد، حتى أنهم هاجروا للمرة الثالثة، من فلسطين المحتلة إلى العراق ومن ثم من الأخيرة إلى سورية، ومنها إلى مختلف أرجاء المعمورة.
ثم إن أهل مخيمي اليرموك وفلسطين، يقدمون نموذجاً حقيقياً عن معنى النكبة، ولنا أن نتخيل كيف أن الموت يلاحقهم من كل مكان، فإذا حالفهم الحظ في الخروج من مناطق سكناهم، تجدهم يتعرضون لأبشع أنواع التهجير من أجل الوصول إلى يابسة آمنة.
كتب على الفلسطيني أن يدفع ضريبة وطنيته وضريبة الانقسام الداخلي الذي فرض عليه بالقوة من أعلى الهرم الفصائلي، وكتب عليه أن يكابد ويعاني حتى يثبت أنه فلسطيني، وبالرغم من هذا الصمود الأسطوري، إلا أنه لا يقابل هذا الثمن أي جهد حقيقي لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ربما سيكون على الفلسطيني أن يواصل صموده لمكابدة النكبات التي تلاحقه، خصوصاً في إطار عاملين، الأول أنه لا توجد إرادة دولية لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ذلك أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد صرح حديثاً بأن الطريق لإنهاء هذا الصراع لا يزال شاقاً، ويسبق ذلك بالتأكيد الموقف الإسرائيلي المتعنت تجاه السلام وتجاه ما تعتبره تل أبيب أولويات لا تتوافق أبداً مع مواقف القيادة الفلسطينية.
لقد اختار الرأي العام الإسرائيلي حكومةً يمينية تستجيب لمعتقداته السلبية ضد السلام وخيار الدولتين، وهذه الترجمة انعكست على أجندة ونشاطات كافة الحكومات المتعاقبة، وما اغتيال رئيس الوزراء السابق المغدور اسحق رابين، إلا دليل على أن إسرائيل بيسارها ويمينها لا تقبل ولا تعترف بوجود شريك فلسطيني.
العامل الثاني يتعلق بغياب الإرادة الجمعية لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، ويتأكد هذا الموقف من العقلية الطفولية التي تمارسها قيادات الانقسام والتي تستهدف تأبيده والحفاظ على ديمومته والتأكيد على الأجندات الخاصة في مواجهة الأجندة الوطنية.
إنها النكبات التي توسع الفلسطينيين ضرباً وتسدد لكماتها يومياً في كل مكان من جسدهم المنهك في الأصل، مع ذلك فإنه مكتوب علينا الصمود والتفاؤل، وأن نوقد شمعة خير من أن نلعن الظلام، لأننا إذا استسلمنا لهذه النكبات فإننا قد نضيع وتضيع قضيتنا.