الكيان عندما يبرر جرائمه

thumbgen (8).jpg
حجم الخط

 

خلال كل قراءاتي لم أجد لحركة سياسية تاريخاً حافلاً بالجرائم «المُبَرّرة» من وجهة نظر القائمين عليها سوى الحركة الصهيونية، كأبشع حركة سياسية مزنّرة بأيديولوجية عنفية إجرامية تعبّر على الدوام عن مدى احتقارها لكل من هم غير يهود. إنها حركة سوبر عنصرية ملازمة لتشكلها ووجودها والتي غمرت كيانها السياسي المنشأ قسراً بكل عناصر الزور والبهتان والإجرام الذي يزداد مع مضي السنوات تجذّراً في أكبر تجمع للقتلة والمتوحشين في دولة الكيان.
خذوا مثلاً شخصية شايلوك التي وصفها المبدع شكسبير في مسرحيته «تاجر البندقية» والتي كتبها عام 1592، وهزّت يومها الأوساط الثقافية العالمية، لبشاعة شخصيتها الرئيسية «أنطونيو» اليهودي المرابي. هذه الشخصية قال عنها ديفيد بن غوريون في عام 1948 (وهو أول رئيس وزراء صهيوني) عندما سُئل عنها من أحد الصحفيين، ما يأتي: «أنا لا أحتقر شايلوك الذي ارتزق من الربا، لأنه لم يكن أمامه خيار آخر في منفاه غير هذه المهنة. لقد تفوّق بصفته الأخلاقية ونزعته الإنسانية على النبلاء وكل الذين أهانوه»!. باختصار بن غوريون أراد القول: ما اقترفه شايلوك كان مبرراً، وأن من أهانه هو المذنب وعديم الأخلاق، ولم يدرك أنه في المنفى! تصوّروا التزوير.
كل المذابح التي اقترفتها دولة الكيان ضد الفلسطينيين والعرب جرى تبريرها، فإما أن مقترفيها يعانون أمراضاً نفسية (والتقارير الطبية اللازمة للإثبات جاهزة) أو أن تصرفاتهم كانت فردية بمعزل عن أوامر قادتهم، وإن جرى الحكم على أحد الجنود بسبب قتله لفلسطيني أو عربي يحكم ببضعة شهور في سجن عشرة نجوم، ثم تبدأ مطالبات بالإفراج عنه إلى أن يصدر عفو بإطلاق سراحه.
في تبريره لارتكاب الطيران الصهيوني لمجزرة قانا الثانية عام 2006، قال شيمون بيريز (الحاصل على جائزة نوبل للسلام) عن قتل أكثر من 100 طفل استشهدوا، «للحرب ضحاياها، ونحن لم نكن نعلم بوجود هذا الكم من الأطفال!». أراد القول: وماذا يعني موت هذا الكم من الأطفال في الحرب؟. أما الذين منحوا بيريز ورابين جائزة نوبل فإنهم لم يقرأوا ماضيهما كعنصرين إرهابيين في المنظمات الإرهابية الصهيونية قبل تشكيل دولة العصابات عام 1948، وتاريخهما حافل بالمشاركة المباشرة والفعلية في ارتكاب المذابح.
وحينما نصل إلى الوقت الحالي في عام 2017، حيث قضية إضراب أسرانا البواسل في السجون والمعتقلات الصهيونية التي تطغى على المشهد السياسي، فإن من يستمع إلى تصريحات القادة الصهاينة حول الأسرى المضربين يتضح عمق الوحشية التي يتصفون بها، وحقدهم الكريه على كل ما هو إنساني! خذوا مثلا ما قاله عضو الكنيست أورن حازان: «لا يهم لو مات الأسرى الفلسطينيون جميعاً، فالسجون مزدحمة وهناك متسع لهم في التراب»! أما وزير الأمن جلعاد أردان، فقال: «لن أدعهم يؤذون أمن الدولة ولن نخضع لتهديداتهم»، ووعد بالعمل على إطعام المرضى منهم قسرياً، مبرراً ذلك، بالقول للقناة الثانية: «هذه أيضاً مسألة إنسانية، تماماً كما أتوقع من حارس سجن يرى سجيناً يحاول إيذاء نفسه، بأن يمنع عنه خطر الموت».
ليبرمان يدعو إلى إهمال السجناء تماماً، وعدم التفاوض معهم، فهم «حثالة ومجرد إرهابيين». هذا هو موقف نتنياهو أيضاً. لا بد أنكم سمعتم أو رأيتم مشاهد حفلة شواء اللحوم أمام سجن «عوفر» التي نظّمتها حركة المتدينين الجدد «كيكار هشبات»، وقد نقل عن المستوطنين بالمكان، تهكمهم على الأسرى، قائلين: «إن عليهم أن يعانوا هكذا روائح خلال إضرابهم عن الطعام». إنها تصرفات عنصرية فاشية لم يشهدها التاريخ من قبل. وما تقترفه دولة الكيان بحق الأسرى من وسائل تنكيل مبرر تماماً لأنها من أجل مصلحتهم كي يبقوا أحياء!.
أما الحقيقة التي لا يدركها معظم الصهاينة، أن ارتباط كل صهيوني بالأرض الفلسطينية التي يعيش عليها هو ارتباط هش ووجود عابر، كما حقيقة الولادة القسرية لهذه الدولة، وأن أصحابها الأصليين كانوا وما زالوا وسيظلون يطالبون فيها ويناضلون من أجل تحريرها.
لهذا سيظل الرعب متأصلاً في اللاوعي الصهيوني. لكل ذلك فإن وجود دولة الكيان يتناقض ومبدأ السلام.

عن الخليج الاماراتية