وثيقة "حماس" .. إسرائيل تخشى الاعتدال الفلسطيني !!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

سارعت قيادات حركة حماس، وهي تشير إلى توقيت الإعلان عن وثيقتها إلى التأكيد على أن صياغة هذه الوثيقة استغرق أكثر من أربع سنوات، هذا التأكيد محاولة لعدم الربط بين الإعلان وبين اللحظة السياسية الراهنة، وأعتقد أن هذه الوثيقة والإعلان عنها في هذا التوقيت لا يعود إلى اللحظة السياسية الراهنة بقدر ما أن الأمر ينطوي على عملية مراجعة تتطلبها ظروف العمل السياسي الفلسطيني خلال السنوات الماضية وتعاملاً مع مستجدات وتطورات حفلت بها المنطقة عموماً والساحة الفلسطينية على وجه الخصوص، عملية المراجعة هذه كانت ضرورية للتعاطي مع الواقع، ليس بالضرورة للخضوع له، بقدر ما أن هذه العملية تسهم في التأثير عليه، ليس من خلال إدارة الظهر له، بل بالتعامل مع محدداته.
وثيقة، هي الأكثر اعتدالاً ومرونة، رغم أن صياغة بعض العبارات والمواقف تحتمل أكثر من موقف، وهي موجهة إلى كل الأطراف وليس إلى طرف بعينه، وثيقة تم تسريبها بشكل متعمّد ـ على الأغلب ـ لكي يثار العديد من النقاش حولها ودراسة "رجع الصدى" للوقوف على مدى تأثيرها ومدى وصول رسائلها إلى الأطراف المتعددة، ونجحت حركة حماس فعلاً في إثارة موجة من الترقب والانتظار، مع التأجيلات المتتابعة للإعلان عن الوثيقة، وغابت المفاجآت المحتملة نظراً للنشر المسبق والنقاش الذي سبق الاعلان.
تقبل حماس رسمياً بدولة فلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967، دون الاعتراف بإسرائيل، علماً أن الدولة العبرية هي التي تدعو حماس للاعتراف بها، مع أن أمر الاعتراف يتم بين الدول، أو ممثلي الهياكل شبه الدولية، هناك اعتراف فلسطيني رسمي بالدولة العبرية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وعندما تطلب إسرائيل من فصيل فلسطيني، كحماس مثلاً الاعتراف بها، فهذا لا يشير إلاّ إلى أن إسرائيل تحاول أن تضع العراقيل أمام أية تسوية سياسية ليس إلاّ من خلال هذا الشرط الذي تعلم جيداً أنه لا يمكن الاستجابة له، مع أن قبول حماس بدولة على أراضي 1967، يعني ضمنياً شكلاً من أشكال هذا الاعتراف.
لن تقبل حماس التنازل عن أي من الحقوق الوطنية الفلسطينية، لكنها تطلب من المجتمع الدولي "التقاط الوثيقة التاريخية التي تفتح الباب لحوار علني معها، باعتبارها أكبر قوة سياسية منظمة ولديها المرونة والوسطية الكافيتين لكي تلعب دوراً مهماً وأساسياً في صناعة مستقبل القضية الفلسطينية".. حماس بهذا الفهم، عليها أن تسهم بقدر كبير، وربما أكبر من أي قوة أخرى في الساحة الفلسطينية يلعب دوراً جوهرياً في أي عملية سياسية تتعامل مع القضية الفلسطينية.
أما بالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فهي اطار وطني، لكن من دون ذكر أن المنظمة ممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني أينما وجد، الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً للتأويل والاجتهاد، ذلك أن أكبر قوة مؤثرة في الساحة الفلسطينية، أي حركة حماس، اما أن تقود هذا الاطار، أو أن تكون بديلاً عنه، على الأقل هذا أحد أهم التفسيرات لهذا النص الذي يذكرنا بالمؤتمرات التي عقدت مؤخراً والتي أسهمت بها جماعة الإخوان المسلمين، وقيل في حينه إن انعقادها تهيئة لإيجاد بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية في وقت تعاني فيه هذه المنظمة من اختلالات واضحة لا تخفى على أحد، علماً أن كافة فصائلها تطالب بتطوير أداة المنظمة وإعادة النظر بأجهزتها، دون أن تجد هذه الفصائل من يستمع إليها من قبل قيادة المنظمة.
الموقف الإسرائيلي كان متوقعاً، ورغم أن الاعتدال في هذه الوثيقة كان واضحاً، ومميزاً في ظل موجة من العنف والتصلب الذي ساد أكثر من منطقة في العالم مع صعود أطراف أكثر تشدداً إلى سدة الحكم، فإن الدولة العبرية هي أكثر من يخشى من اعتدال في الجانب الفلسطيني، فهي كانت ولا تزال توظف التصلب في الشعارات لصالح رسالتها إلى الرأي العام الدولي، الأمر الذي أكسبها تأييداً كان يمكن أن لا تناله لو كانت الرسالة الفلسطينية أكثر اعتدالاً مع تمسك بالمواقف.
البعض لم يرَ في هذه الوثيقة جديداً، بل ان بعضاً آخر، اعتبرها استنساخاً لبرامج ووثائق فلسطينية أخرى، وهذا غير صحيح كما اعتقد، اقتربت الوثيقة أكثر من أي وقت مضى من التوافق الوطني الفلسطيني، لكن لا تزال تعبر عن مراجعة تطلبتها الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية، خاصة لدى حركة حماس، والمهم في ذلك كله، وهو الأمر الأكثر أهمية، أن تتشكل هذه المرونة لدى وعي "الحمساوي" والاقتناع بما ورد بالوثيقة، وإلاّ فإنها ستظل مجرد أوراق لن تحظى بالقدر المطلوب من المصداقية على أرض الواقع!