قال رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، "نتطلع إلى دستور وطني قادر على ترسيخ المفهوم الحقيقي لتداول السلطة وفصل السلطات"، مضيفاً "لقد اهتمت الحكومة ببناء الدستور، كإطار حاضن وحام للحريات الدينية والفكرية والسياسية وحجر الأساس الذي منه ننطلق في بناء الدولة، دولة المؤسسات والقانون، التي يعيش المواطنون فيها بأمن وسلام وبتساوي في الحقوق والواجبات".
جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر البناء الدستوري في فلسطين، اليوم الأربعاء، في جامعة النجاح بنابلس، بحضور محافظ محافظة نابلس اللواء أكرم الرجوب، ورئيس المحكمة الدستورية المستشار د. محمد الحج قاسم، والقائم بأعمال رئيس جامعة النجاح د. ماهر النتشة، ونائب ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين توماس نيكلاسون، وعدد من الشخصيات الرسمية والاعتبارية.
وأضاف الحمد الله، "من أجل بناء دولة المؤسسات، فتحت القيادة المجال واسعاً لمناقشات صياغة دستور جديد عبر لجنة مختصة، وقد جاء قرار فخامة الرئيس، العام الماضي، بتشكيل أول محكمة دستورية فلسطينية عليا، تتويجا لهذا كله، وكاستحقاق دستوري، ومدخل هام لتوحيد القضاء الفلسطيني، ولإعادة الحياة الدستورية، والتقدم بخطوات مدروسة نحو الانتخابات العامة، التشريعية والرئاسية".
وتابع: "نتطلع إلى تأسيس دولة مدنية يكفل دستورها أن تعمل فيها الأحزاب السياسية المختلفة على تحقيق برامجها الانتخابية ومشروعها السياسي والاجتماعي، دون أي مساس بوحدة الوطن أو هيئاته ومؤسساته المدنية والحكومية القائمة، بل لتكون امتداداً لبنى الوطن الفاعلة وتساهم في تكريس هويتنا الوطنية التي لطالما حافظ عليها وصانها شعبنا من محاولات التشتيت والضياع والمصادرة".
وأردف الحمد الله، "إننا اليوم، أحوج ما يكون إلى مبادئنا الدستورية وقوانيننا الوطنية المستمدة من تجربتنا الثرية والمميزة والمتجددة في البناء والتحرر، لتكون صمام الأمان، وسداً منيعاً يحمي الوطن وإنجازاته من أية حسابات فئوية ضيقة وتنحاز للمصلحة الوطنية العليا، نعم إننا نتطلع إلى دستور وطني قادر على ترسيخ المفهوم الحقيقي لتداول السلطة وفصل السلطات، ليحمي الوطن والأرض والإنسان. ومعكم ومن خلالكم، وبشراكة وطنية وشعبية واسعة، سنتمكن من ذلك".
وتابع رئيس الوزراء: "أحيي من على أرض نابلس، قلعة الصمود والتحدي، أسرانا البواسل في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة أسرانا المضربين عن الطعام، فرسان الحرية الذين يواصلون معركة الأمعاء الخاوية لليوم السابع عشر على التوالي، ويسطرون ملحمة تاريخية في الصمود والنضال العنيد لنيل الحرية والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي. وإننا ندعو دول وشعوب العالم، والمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي برمته، التحرك الجدي لنصرة أسرانا في ثورتهم ضد الظلم والطغيان، وإلزام إسرائيل بالاستجابة لمطالبهم المشروعة ووقف ممارستها العنصرية ضدهم، كمقدمة لإطلاق سراحهم جميعا بلا قيد أو شرط".
وقال: "اسمحوا لي أن أتقدم من أسرى الحرية ومن كافة مناضلي الحركة الأسيرة، وجميع أبناء شعبنا بأحر التعازي، بوفاة الأسير المحرر، مازن المغربي، الذي توفي بعد أشهر قليلة من الإفراج عنه، ونتيجة للإهمال الطبي الذي عانى منه في سجون الاحتلال. إن هذا لا يزيدنا إلا إصراراً على الانتصار لمعاناة الأسرى، وإنهاء ما يتعرضون له من تنكيل واعتداءات واعتقال إداري وإهمال طبي وممارسات لا إنسانية، ويحفزنا على الوصول بقضية شعبنا إلى المحافل الدولية كافة، وعلى العالم، أن يتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين ومعاملة إسرائيل كأنها دولة فوق القانون".
واستطرد: "إنه لمن دواعي اعتزازي أن أكون بينكم اليوم في مؤتمر البناء الدستوري، وبين هذه النخبة المميزة من الخبراء والباحثين والمختصين المحليين والدوليين في مجال القانون، ومن طلبة كليات القانون والحقوق في جامعاتنا الوطنية، حيث يعد هذا المؤتمر الأول من نوعه في فلسطين، بل ويعتبر فعالية علمية ووطنية كبرى، تحتشد في إطارها جهود تعزيز سيادة القانون وإرساء بنية قانونية فاعلة ومتطورة. يشرفني أن أنقل لكم جميعا تحيات فخامة الأخ الرئيس محمود عباس واعتزازه بكم جميعا، وأنتم توحدون العمل والطاقات، وتخطون خطى ثابتة لإرساء أسس وأركان دستور وطني، يلبي تطلعات شعبنا الفلسطيني ويليق بتضحياته، ويضمن تقدمنا وتطورنا".
وحول أهمية المؤتمر، قال الحمد الله: "يكتسب هذا المؤتمر أهمية كبرى، إذ يأتي في غمار ظروف انتقالية وبالغة الخطورة، وفي الوقت الذي تحاصر فيه إسرائيل شعبنا بالجدران والحواجز والاستيطان، وتصادر أرضه ومواردها، وتتوسع في استيطانها وتخنق أهلنا في قطاع غزة المكلوم وتشدد من حصارها الظالم حولهم، وتفرض مخططات التهجير والاقتلاع والعزل في القدس والأغوار، وتحول بلادنا إلى معازل وكنتونات. وفي الوقت الذي نلجأ فيه إلى القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية لنجدة شعبنا وحمايته والخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، فإننا نتطلع أيضا إلى أن نحمي مجتمعنا وأمنه واستقراره، بالمزيد من تعزيز سيادة وهيبة القانون الداخلي، وبما يصون مشروعنا التحرري ويعطيه المزيد من الزخم والقوة".
وتابع: "لقد كانت ولا تزال مهمة بناء وصنع دستور فلسطيني وطني وعصري، يقوم على الإرث التاريخي الحضاري النضالي لشعب فلسطين، وبالتوافق مع المواثيق والصكوك والقوانين الدولية، مهمة كبرى نتصدى لها جميعا، فنحن ندرك تماما، أن تعزيز سيادة القانون واستقلاليته، هو السبيل الوحيد لتكريس نظام سياسي يعبر عن إرادة وتطلعات شعبنا، ويحترم قواعد ومبادئ حقوق الإنسان، ويقوم على الفصل بين السلطات، كبوابة رئيسية لتحقيق الاستقرار السياسي والسلم الأهلي".
كما ثمن دور محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب والمؤسسة الأمنية في فرض سيادة القانون في المحافظة، مؤكداً على أن العمل الأمني "مستدام في كافة المحافظات، من أجل حماية المواطنين وتوفير الأمن والأمان لهم".
وطالب الحمد الله، كافة المطلوبين للعدالة بتسليم أنفسهم للقانون لكي يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، متابعاً: "إن الوضع القانوني في بلادنا، معقد ونادر، فقد تناوبت جهات وقوى كثيرة على حكم بلادنا عبر التاريخ، مما كان له تأثير مباشر على بنيتنا التشريعية، كما أن دولتنا لا تزال ترزح تحت ظلم احتلال عسكري يحاول تشتيت هويتنا الوطنية الجامعة، وكان لتعطل المجلس التشريعي وحدوث الانقسام، أثراً كبيراً على بنيتنا وعملنا المؤسسي، وعلى نظامنا السياسي ككل".
وأضاف قائلاً: "رغم كافة المعيقات والصعوبات التي تحاصر شعبنا وقيادته الوطنية، فقد حرصنا على التقدم في مختلف المجالات واستنهاض القطاعات وتطوير المؤسسات، وباشرنا مسيرة المأسسة والتنمية، لوضع أسس وركائز دولة فلسطين. وقد انصب الكثير من العمل، في هذا الإطار على ترسيخ المبادئ الدستورية وبناء النظم القضائية والأطر القانونية وتطوير منظومة القضاء وبنيتها التحتية، فسيادة القانون والفصل بين السلطات وتعزيز استقلالية القضاء، هي مكونات حيوية وأساسية، لبناء النظام السياسي الديمقراطي الذي نريد. وقد أولت السلطة الفلسطينية، منذ نشأتها اهتماما كبيرا بتأسيس دستور يراعي المرحلة الانتقالية، ويكفل كافة الحقوق التي تؤسس لدولة مدنية حديثة ومستقلة. فعمدت إلى وضع قانونها الأساسي، ليحدد سياسة الدولة واختصاصات السلطات فيها، ويكون المرجعية الأولى لكافة التشريعات والقوانين التي يتم سنها".
وحيا الحمد الله "جامعة النجاح، خاصاً بالذكر كلية القانون، على عقد هذا المؤتمر الهام وعلى مساهمتها الفاعلة والثرية في المجال الأكاديمي والمعرفي"، معرباً عن شكره لكافة الخبراء والأكاديميين من فلسطين وخارجها، لإثرائهم نقاشات ومداولات ومخرجات هذا المؤتمر.
كما ثمن دور الدول الصديقة والجهات المانحة، خاصة الاتحاد الأوروبي "على دعمهم المتواصل لجهود تطوير منظومة القضاء والعدالة في فلسطين"، متمنياً استمرار هذه الجهود وصولاً إلى ترسيخ دستور وطني فاعل، بل وخلق تنمية وطنية في ظل حكم وسيادة القانون.