تطورات ومؤشرات مهمة حصلت في الأيام الأخيرة تبشر بإمكانية حلحلة الملف السوري الذي شهد مؤخراً تعقيدات كبيرة على خلفية الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون، الذي أعاد طرح موضوع التأكيد على ضرورة رحيل الرئيس السوري عن السلطة.
في الأسبوع الماضي جرت مكالمة هاتفية مهمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، حيث اتصل الثاني بالأول وتحدثا عن الملفين السوري والكوري الشمالي، ودعوا إلى التعاون والحوار على أمل تسوية الأزمة السورية.
الاتصال حمل عناوين جيدة يمكن البناء عليها، إذ تحدث الرئيسان عن موضوع التنسيق لمحاربة التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها «داعش»، يضاف إلى ذلك التشاور بشأن إمكانية إقامة مناطق آمنة مرتبطة بالحديث عن تثبيت وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه كل من روسيا وتركيا أواخر العام الماضي.
ومن محاسن الاتصال أنه قد يعقد لقاء ثنائي بين ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين التي تعقد في شهر تموز المقبل بهامبورغ الألمانية، وأعلنت الإدارة الأميركية ترحيبها بالاتصال واعتبره وزير الخارجية ريكس تيلرسون بناء ويخدم الجهود المبذولة لتسوية الأزمة السورية.
بوتين الذي اتصل بترامب، التقى في سوتشي كلا من نظيره التركي رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومن هناك تحدث عن أهمية صمود وقف إطلاق النار والتعويل على المسار السياسي باعتبار أنه مفتاح الحل.
على أن بوتين الذي أكد لضيوفه أهمية التعاون بشأن محاربة التنظيمات الإرهابية، طرحت بلاده على اجتماع أستانة الذي عقد يومي الأربعاء والخميس الماضيين، إقامة أربع مناطق آمنة في سورية، سميت «مناطق لوقف التصعيد».
هذا الطرح الذي عرض على فرقاء النزاع السوري في أستانة، رحبت به الحكومة السورية التي أعلنت الموافقة على إنشاء مناطق آمنة، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة التي شاركت في الاجتماع ووقعت على المذكرة الخاصة بهذه المناطق.
ويبدو أن هذا الموضوع تصدّر النقاش الذي جرى بين بوتين وأردوغان، خصوصاً وأن الأخير دعا في مناسبات كثيرة إلى أهمية إقامة منطقة آمنة في شمال سورية، غير أنه قوبل وقتها بالرفض التام من قبل روسيا والنظام السوري.
لنا أن نلاحظ بعد الموافقة المبدئية على إقامة هذه المناطق، كيف أن الحديث عن موضوع رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، لم يعد يحظى بتلك الأهمية والأولوية التي كان يحظى بها بعد هجوم خان شيخون والضربة الأميركية البحرية الجوية على مطار الشعيرات في حمص.
موسكو استخدمت سياسة سحب الذرائع في التعامل مع الملف السوري، إذ حين طرحت موضوع إقامة مناطق آمنة، وبادر رئيسها بوتين للاتصال بترامب، فإنها تحاول المناورة السياسية بهدف عدم جر النزاع السوري إلى مستوى ما تحت الصفر.
وأكثر ما يهم الحكومة الروسية في هذا الوقت هو صمود وقف إطلاق النار وتثبيته، دون إفشال المسار السياسي، مع إمكانية توسيع مشاركة دول في اجتماع أستانة من أجل إيجاد حالة من التوافق حول الموضوع السوري.
الجديد في اجتماع أستانة أن الولايات المتحدة حضرت إليه بصفة مراقب، حيث شارك مسؤول كبير في إدارة ترامب بهذا الاجتماع، فضلاً عن مشاركة المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا، الذي يعكف على إطلاق جولة جديدة من المفاوضات في جنيف.
ربما سنشهد في الأيام المقبلة حوارات واجتماعات مكثفة تخدم ثلاثة موضوعات رئيسة: الأول كيفية تثبيت وقف إطلاق النار، والثاني ترجمة فكرة إقامة مناطق آمنة ونطاقها الجغرافي، والثالث تخفيف المعاناة على السوريين بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
غير أن الحديث الفعلي والواقعي عن هذه الموضوعات بالتأكيد خاضع للابتزاز السياسي، ذلك أن روسيا حين تعرض فكرة إقامة مناطق آمنة، فإنها تفعل ذلك من أجل مصلحتها ومصلحة النظام السوري، وتأخذ بعين الاعتبار أبعاد القوة لدى الأطراف الأخرى وتفهم أن لها مصالح أيضاً.
الأتراك والأوروبيون والأميركان يريدون من تلك المناطق مجمعات سكنية آمنة للسوريين، من أجل وقف نزيف اللجوء، وتزيد أنقرة على ذلك أن إقامة مثل تلك المناطق خصوصاً في الشمال السوري، قد تنسف عملياً فكرة التمدد الكردي هناك.
وبين هذا وذاك ثمة من يعتقد أن إقامة هذه المناطق قد تشكل استراحة للمقاتلين والتهيؤ لمرحلة جديدة من النزاع، لكن بوتين حين أبدى موافقته على إقامة مناطق آمنة، فقد ربط بين إقامتها وعدم تحليق الطائرة الحربية في سمائها، إلى جانب هدوئها بنسبة مائة في المائة وضمان أن لا تكون هناك أي أعمال عسكرية في نطاقها.
على كل حال، هذه المؤشرات تخدم فعلاً المسار السوري عموماً، لجهة إمكانية تحريكه على نقاط متدرجة قد تؤسس للحل، ومن غير المستبعد أن تكون روسيا التي طرحت موضوع المناطق الآمنة، أن تقول للولايات المتحدة وحلفائها «انسوا موضوع الأسد».
الموضوع السوري ليس بعيد أبداً عن الابتزاز والأخذ والعطاء بين الدول الكبرى التي تطمح للاستفادة القصوى منه، فهي التي أطالت من عمره كل هذه السنوات وغذته بكل أنواع الأسلحة، وهي نفسها القادرة على إنهاء النزاع وتسويته من الجذور.
جيد جداً أن تحدث مثل هذه المؤشرات، لكن المشهد السوري مفتوح على كافة الخيارات، فحين كان يعتقد المحللون أن أمر النزاع السوري بات قاب قوسين أو أدنى من الحل العسكري، تفاجؤوا بأن دوامة النزاع تتحرك وتتغذى على التناقضات الداخلية والدولية.
أخيراً يمكن القول إن المناطق الآمنة لن تحل الموضوع السوري، وإنما واشنطن وموسكو يمكنهما حل هذا الموضوع، فإذا صدقت النوايا بخصوص التعاون بين البلدين، فبهذا نكون قد اقتربنا من ساعة الحسم السياسي الذي طال انتظاره.