سعدات قائد وطني صلب يدرك جيداً ويعي بأن الإنتصار في أي معركة مهما كبرت أو صغرت داخل سجون الإحتلال او خارجها أنها بحاجة الى الوحدة ثم الوحدة اولاً قبل أي شيء آخر وبحاجة كذلك للعقل الجماعي بعيداً عن الفئوية والإستئثار والتفرد والهيمنة ولغة الأنا التي تسيطر على عقليات الكثير من القيادات في الساحة الفلسطينية يميناً ويساراً،وخاصة التي تحب الظهور منها ولو حساب الموقف الوطني أو التي تريد القول انا موجود حتى ان لم يكن لظهورها معنى وطعم ولون،وسعدات في أكثر من محطة اعتقالية تعرض فيها للعزل والقمع في سجون الإحتلال بسبب صلابته وتمسكه بمواقفه وثباته على مبادئه رفض ان يكون بحكم موقعه ومكانته ورمزيته بديلاً للقيادات الحزبية او الإعتقالية التي تقود خطواتها النضالية ضد إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،حدث في الإضراب الذي قامت به الجبهة الشعبية في عام 2011 والذي كان احد مطالبه وقف سياسة العزل بحق قادة وكادرات الحركة الأسيرة وفي المقدمة منهم الأمين العام للجبهة الشعبية القائد سعدات،وها هو نفس الموقف يتكرر الآن في هذا الإضراب الذي تخوضه الحركة الأسيرة الفلسطينية بكل مكوناتها ومركباتها السياسية دفاعاً عن وجودها ومنجزاتها ومكتسباتها وحقوقها في وجهة إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها ومستواها السياسي والأمني،والذين توهموا بان ما تعيشه الساحة الفلسطينية من ضعف وانقسام،وعدم توفر وحدة الحركة الأسيرة اداة وبرنامجاً وقيادة ومؤسسات اعتقالية،يوفر لها فرصة سانحة لكي تنقض على الحركة الأسيرة،من اجل كسر هيبتها وإرادتها وتحطيم معنوياتها وإفراغها من محتواها النضالي والوطني....... ولذلك كانت هذه المعركة،معركة مفصلية في تاريخ الحركة الأسيرة،يترتب عليها الكثير من النتائج والتداعيات داخل قلاع الأسر وخارجها،وخاصة بان الحركة الأسيرة في إضرابها الأخير المفتوح عن الطعام آب/2004،لم تنجح في تحقيق مطالبها،مما ادى الى "تغول" و"توحش" إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزتها الأمنية عليها،وقد عملت على تعميق حالة التفكك والإنقسام في صفوفها،وسطت على الكثير من المنجزات والمكتسبات التي حصلت عليها معمدة بالدم والتضحيات.
الان بإنضمام الكثير من قادة الحركة الأسيرة من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،ومن ضمنهم القائد المناضل سعدات،فإن هذا الإضراب يشهد حالة من التطور والتوحد في داخل السجون وخارجها،وكذلك تتسع فعاليات التضامن الشعبي والجماهيري معه بزخم كبيرين،ليس فقط على الصعيد الفلسطيني،بل نشهد الكثير من التحركات الشعبية الداعمة دولياً وعربياً.
سعدات هذا القائد الذي أمضى اكثر من نصف عمره في السجون والمطاردة والإقامات الجبرية،لم يكتسب صفة القيادة،بحكم علاقات شخصية او حزبية او صفقات او من خلال فرض قسري عبر قوى خارجية،بل هو اكتسبها بالفعل والعمل والممارسة والنضالات والتضحيات،وبنسجه علاقات دافئة مع رفاق حزبه ورفاق واخوان القيد،والمهم مع الجماهير التي عمل وناضل وضحى من اجلها،حيث بساطته وطيبته وعدم تعاليه عليها، اكسبه ثقتها وإحترامها،وكذلك فإنه شكل نموذجاً للقائد الذي يحتذى به،من خلال ترجمته بالممارسة لشعار القائد في الميدان،يتقدم الجموع والساحات والمناشطات،ولا يقل للجماهير تقدموا واتبعكم.
سعدات هذا المناضل من طراز خاص منسجم مع ذاته وقناعاته وأفكاره ومبادئه،حافظ ويحافظ على نقاء يساريته،وليس كالكثير من القيادات اليسارية والديمقراطية،التي بأفعالها وممارساتها،بهتت من دور وإحترام وثقة الجماهير بالقوى اليسارية،فهي تعلن ليل نهار بانها ضد اوسلو وإفرازاته من ضمنها السلطة القائمة،وضد استمرار التنيسق الأمني،وأفعال وممارسات وسياسات السلطة،وفي نفس الوقت تراها تصطف على أبواب سلطة اوسلو من اجل الحصول على منصب او وظيفة لها ولعناصرها وانصارها في هذه السلطة،وفي قمة هرمها السياسي،فهي يسارية الشعار يمينية الفعل والممارسة،بمعنى القول يساراً و"التغميز" يمنياً.
وسعدات هو امتداد لمدرسة ثورية دشنها وأرسى قواعدها في الساحة الفلسطينية حكيم الثورة القائد الأممي والقومي والوطني الكبير الراحل جورج حبش ومن بعده القائد الشهيد أبا علي مصطفى،مدرسة تحافظ على طهارة السلاح والموقف والكلمة،وتناى بنفسها بأن تكون عامل شق وإنقسام في الساحة الفلسطينية،ولعل الجميع يتذكر جيداً في الأزمة التي عصفت بحركة فتح في عام 1983،والتي سال فيها الدم الفلسطيني،ورغم كل الضغوط التي مورست على الجبهة الشعبية بحكم الجغرافيا السياسية،لكي تكون جزءاً من هذا الصراع إلا ان الجبهة الشعبية قالت لا قاطعة،وبان الدم الفلسطيني خط احمر،والسلاح الفلسطيني،ليس له سوى وجهة واحدة المحتل والمتعاونين معه،وقد دفعت ثمن موقفها هذا ملاحقة وتضيقاً،ولكنها لم تفقد إتجاه البوصلة،وكذلك عندما عاشت الساحة الفلسطينية خلافاً وصراعاً حول البرنامج المرحلي (النقاط العشرة)،فإن الجبهة الشعبية رغم موقفها برفض هذا البرنامج إلا انها لم تعمل على شق الساحة الفلسطينية،بل كانت حريصة على ان تبقى منظمة التحرير الفلسطينية البيت والعنوان والكيان الجامع والموحد لكل مكونات ومركبات الشعب الفلسطيني.
ونفس هذا الموقف اتخذته في قضية الصراع ما بين فتح وحماس على السلطة واستخدام السلاح واراقة الدم الفلسطيني،حيث دعت الى الحوار وإنهاء الإنقسام وواد الفتنة واستعادة الوحدة الوطنية.
سعدات قائد وطني بإمتياز يعرف ما هي حدود وساحات ومساحات الإشتباك السياسي والدبلوماسي المسموح بها وغير المسموح منها،تلك الساحات والمساحات التي عندما تتخطى الحدود والقواعد والثوابت،تتحول الى شكل من اشكال التطبيع وتمييع المواقف والإساءة للقضية الفلسطينية وشعبها ونضالاتها وتضحياتها.
القيادات التي تتربى في الميدان وتكون قائدته،لا خوف عليها،فالقادة الذين يحتاجهم شعبنا هم من طراز سعدات والبرغوثي وكذلك نائل البرغوثي وسامر العيساوي وعباس السيد وزيد بسيسي وغيرهم،وهم كذلك القادة الذين يخشاهم ويرهبهم الإحتلال،ولذلك يسعى دائماً من اجل تغيبهم وقمعهم والتنكيل بهم،فهو يدرك بانهم عناوين ورموز نضالية يعبرون عن نبض وهموم شعبهم،متمسكين بثوابته،قابضين على الجمر في وقت التراجع والإنهيار،زمن الردة وزمن الصعود لقيادات لم يصنعها شعبها،بل هي صعدت على نضالاته وتضحياته في غفلة من الزمن لن تطول.
سعدات سيبقى رمزاً وعنواناً من عناوين النضال الوطني الفلسطيني،حفر اسمه في تلافيف ادمغة رفاقه وحزبه وشعبه وامته بنضالاته وصموده وتضحياته وصلابته،لم بفقد اتجاه البوصلة يوماً،بل كانت دائماً تؤشر نحو القدس وفلسطين،عبر الوحدة ثم الوحدة لا شيء غير الوحدة.
القدس المحتلة – فلسطين