إستشراف مخرجات الزيارة

thumbgen (5).jpg
حجم الخط

 

زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن الإسبوع الماضي، كانت محط إهتمام المراقبين الإسرائيليين والأميركيين والغربيين عموما، وقبلهم الفلسطينيين والعرب. وكانت هناك رهانات عديدة ومتباينة حول الكيفية، التي سيتعامل بها الرئيس ترامب مع الرئيس الضيف. لاسيما وانه اللقاء الأول بينهما، أضف لعملية التحريض الإسرائيلية وأنصارها على شخص الرئيس عباس، وإختلاق ذرائع للصق صفة "اللا شريك" عليه بالتكامل مع حركة حماس، وكل من موقعه وبخلفياته المتناقضة مع الشرعية الوطنية ورئيسها ابو مازن.

وبعد إتضاح الإهتمام غير العادي، الذي اولاه الرئيس ترامب أثناء إستقباله، وطريقة إهتمامه الملفتة للنظر للرئيس الفلسطيني، حيث تعامل معه كقطب سياسي دولي مميز. حتى ان الصحفي الإسرائيلي ديفيد هورفيتش، قال في مقالة له، بدا كأن الرئيس الأميركي بتعامله الدافء وغير المتوقع مع ابو مازن، كأنه يتعامل مع أحد قادة إسرائيل. الأمر الذي أثار حفيظة وإستياء نتنياهو وأركان حكومته، وبذات القدر إن لم يكن أكثر، كان الإستقبال بمثابة صب ماء بارد على قيادة حماس، التي نشرت وثيقتها السياسية الجديدة قبيل الزيارة "لعل ترامب يلتقطها، بإعتبارها فرصة تاريخية." حسب ما اعلن مشعل لقناة "السي إن إن".

إذا اللقاء الأول بين الرئيسين الفلسطيني والأميركي، كان من حيث الشكل والمضمون بالمعايير السياسية هاما ومميزا. وقطع الطريق على كل المشككين ب"فشل" اللقاء، او لنقل رهانهم على إستقبال بارد وباهت. وهذا بحد ذاته يفتح صفحة جيدة للعلاقات الثنائية بين الرجلين والإدارتين الفلسطينية والأميركية. غير ان نجاح الزيارة الفلسطينية لواشنطن، لا تجيز للمراقب ان يمضي بعيدا في حجم التفاؤل إنطلاقا من الإدراك المسبق لطبيعة العلاقات الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، وأثر دور القوى المناصرة لإسرائيل المؤثرة في صناعة القرار الأميركي على الإدارة الجديدة ورئيسها.

لكن في إستشراف لما حملته الزيارة، فإن المرء، يمكنه الإعتقاد بأنها حققت للرئيس ابو مازن عددا من العوامل الداعمة لمكانته الفلسطينية والعربية والدولية، منها: اولا إقرار الرئيس ترامب، بأن الرئيس عباس شريك اساسي في صناعة السلام؛ ثانيا لجم النزعات الإسرائيلية المحرضة على الرئيس ابو مازن، وقد تخلق أزمة داخل مركبات الإئتلاف الحاكم في إسرائيل بسبب الحفاوة الأميركية في استقبال الزعيم الفلسطيني؛ ثالثا إسقاط رهان حركة حماس على لعب دور البديل لرئيس الشرعية الوطنية ومنظمة التحرير، وبالتالي دعوتهم مليا للتفكير العميق بمستقبل الإمارة؛ رابعا تعزيز دور ومكانة عباس في الساحتين العربية والدولية؛ خامسا التأكيد على تقديم الدعم المالي والإقتصادي للسلطة الوطنية أميركيا وعالميا؛ سادسا فتحت الأفق أمام إمكانية إحداث نقلة جدية ونوعية على طريق تحقيق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

هذه العوامل وغيرها ليست عادية في ظل المخاض والتعقيدات، التي تعيشها المنطقة والعالم. كونها عززت وعمقت من خيارات الرئيس ابو مازن السياسية الداخلية والعربية والدولية. وأعطتها مصداقية أكبر في الواقع الحالي والمستقبلي.

وللمراكمة الإيجابية على نتائج الزيارة لواشنطن، فإن الضرورة تحتم العمل على تعزيز دور الشرعية الوطنية من خلال الآتي: اولا طي صفحة الإنقلاب على الشرعية عام 2017؛ ثانيا عقد المجلس الوطني في دورة جديدة لتجديد الشرعيات في منظمة التحرير؛ ثالثا تعزيز المقاومة الشعبية، ودعم إضراب اسرى الحرية البواسل لتحقيق اهدافهم المطلبية والقانونية والسياسية؛ رابعا ترسيخ وتعميق بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية من خلال إرتقاء دور حكومة التوافق الوطني في اوساط الشارع الفلسطيني من خلال إجتثاث وتصفية بؤر الفوضى في محافظات الشمال.