غداً يوم القدس. يوم باعث على الاكتئاب. لأن القدس الحقيقية، خلافا لتلك التي تلعب دور النجم في الأغاني وفي الهذيان، مدينة متمردة، قذرة، ممزقة، عنصرية، هستيرية، وبالأساس شريرة بلا حدود.
تقررت قمة الشر البلدي منذ زمن بعيد، عندما عمدت البلدية لتشكل اداة طيعة ونشطة في خدمة الشرطة وباقي أجهزة القمع. وقد بدأت تنكل بالسكان العرب حسب قوائم اسمية يتلقاها موظفوها من الشرطة والمخابرات.
باختصار، كل يوم يمر يثبت فقط كم كبيرة هي مهمة حيازة هذه المدينة على إسرائيل المصابة بالجنون. ظاهرا، الحل المطلوب هو تقسيمها الفوري. ولكن يوجد حل افضل. ليس جديدا، بل قديم جدا. ولكنه مرفوض. ومع ذلك تجدر العودة الى تسويقه. لأنه رائع!
يعود ميلاده الى ذاك الحدث الذي تقرر فيه اقامة الدولة: قرار الأمم المتحدة 181 في 29 تشرين الثاني 1947. "قرار التقسيم". فمع أن هذا قرر تقسيم البلاد، الا انه قرر ايضا وجوب توحيد القدس. تقوم دولة لليهود، دولة للعرب، والقدس الموحدة تصبح كيانا منفصلا (CORPUS SERARATUM).
لشدة الأسف، فإن القسم المقدسي في قرار 181 رفض باحتقار غاضب، ونسي. ولكن في "يوم القدس" بالذات، يوم ذكرى الفشل الذريع، تجدر العودة للنظر من جديد في هذا الفصل من القرار. إذ من لحظة الى اخرى يصبح أكثر إغراء وحيوية.
اولا، ليس المقصود القدس وحدها، بل أرض إقليمية دسمة تمتد من شعفاط في الشمال، بيت لحم في الجنوب، ابو ديس في الشرق، موتسا في الغرب، وكل ما بينها. إمارة حقا. وعلى مملكة القدس يولى حاكم من الأمم المتحدة، ولكن القرار يمنع تعيين حاكم يهودي او عربي. ويبدو أنه منذ ذلك الحين عرفت الامم المتحدة روح ساكني المنطقة. والمدينة كلها ستكون مجردة من العمل العسكري وحيادية. قوة شرطية فقط تكون فيها، وحتى افراد الشرطة سيجندون من بلدان أجنبية.
وها هو القسم الاكثر روعة: مع اقامة المدينة المستقلة، يحظى كل سكانها بجنسية مقدسية، وقرار 181 يضمن وثيقة حقوق للمواطن بالكاد في اسرائيل اليوم يمكن الحلم بمثلها: حرية حركة، حرية ضمير، حرية دين، حرية تعبير، حرية صحافة، حرية تنظيم، حرية احتجاج، ويحظر بالطبع كل تمييز على خلفية دينية، عرقية، لغوية او جنسية. وتلزم المدينة بضمان التعليم الاساسي والثانوي لكل سكانها، لكل شعب بلغته وثقافته. اما ترميم وتشغيل الاماكن المقدسة في المدينة فتمولهما الطوائف الدينية نفسها وليس من أموال الضرائب.
ويحسم الحاكم النزاعات بين الطوائف الدينية. ولما كان هذا سيأتي إلينا من بعيد، فانه لن يتأثر على نحو خاص بمشاهدة الكيبا، الطربوش، العمامة، البوق، أو جبة الراهب.
يقرأ المرء فيموت حسدا.
وعليه ينبغي للمرء أن يكون غبيا تماما كي يعود ليرفض بتهور قرار 181. هذه المدينة المعذبة تواقة لراشد مسؤول ليأخذها بيده الواثقة ويضعها في مسار سواء العقل. وهكذا قد تنزع اخيرا هذه الشوكة المقدسة من جسد النزاع، وتحرر القدس الدولية من الطغيان الإسرائيلي، وتتمكن من السير نحو مستقبلها المريح تحت الصولجان البارد والمنطقي، لنقل، للحاكم التشيكي العاقل والمفعم بروح الدعابة.
وفضلا عن ذلك، سيكون لنا جميعا جواز سفر مقدسي محترم، دكاكين معفاة من ضريبة الدخل، واحساس لطيف في أن كل ضرائبنا مكرسة فقط لرفاه كل مواطني اورشليم - القدس الكاملة.
ما الضير؟
عن "هآرتس"