فوبيا الإسلام.. والإمبريالية

thumbgen (24).jpg
حجم الخط

 

أغرانى العنوان وقد سبق لى أن استمتعت بترجمة متقنة جداً لمترجمته الأستاذة أمانى فهمى عندما قرأت لها ترجمة عن الدساتير. وبدأت فى المطالعة ولم أستطع أن أتوقف، فالموضوع مهم جداً والدراسة التى تفيض بأمواج من المعلومات المهمة والتحليلات الذكية المتقنة تستدرجك.. ويدهشنى أن هذا الكتاب قد مرَّ أمام الأعين ودون أن يهتم أحد بالإشارة إليه والإشادة به، وليس العيب عيب المترجمة الأستاذة أمانى فهمى ولا عيب المركز القومى للترجمة الذى أصدره، وإنما العيب عيبنا نحن، كتاب وقراء ومثقفى هذا الزمان المتخم بغير المفيد من المطبوعات، التى تتكاثر لتطفئ وهج التألق الشديد الفائدة. والكتاب الصادر عام 2016 من تأليف ديباكومار باحثة هندية عانت هى أيضاً بسبب لون بشرتها، ورغم أنها غير مسلمة، من ظاهرة الإسلاموفوبيا. وتلخص المؤلفة الأمر كله فى الأسطر الأولى من المقدمة، فتقول: «فى سبتمبر عام 2001 كنت أشعر بالأسف للأشخاص الأبرياء الذين دفعوا حياتهم ثمناً لويلات الإمبراطورية. وكنت أخشى أن يكون أى من أصدقائى وأقاربى موجوداً فى البرجين.. وبدأ ينتابنى إحساس بالرعب مما سيأتى، فكم من الأبرياء سيقتلون فى مختلف أنحاء العالم فى السنوات المقبلة.. وعندما توجهت إلى الكلية كان أول من قابلنى زميلاً لى سألنى متهكماً.. هل أنت سعيدة الآن؟ وتمتمت فى دهشة: لا لست سعيدة فقد قتل الحادث أشخاصاً أعرفهم. وفى ذات اليوم اشتريت بعض الأغراض لكن الكاشير لم يخف احتقاره لى وطلب أن أبدى اعتذاراً عما حدث.. وألجمتنى المفاجأة فلم أكن معتادة على هذا الإحساس بالخرس، ومهما أجبت فلم أكن لأقول لست مسلمة ولست عربية» [صـ12]، وبعد أن تروى سلسلة مفزعة من حوادث الاضطهاد الفورى.. «فطالب عربى ضُرب بشدة ولم يتدخل أمن الجامعة لحمايته، وقُتل هندى من السيخ لأنه يرتدى عمامة وامتلأت جدران المجمع السكنى بدعوة السكان للإبلاغ عن أى أشخاص مثيرين للشبهات، وفى الأشهر التالية تم استجواب عشرات الآلاف من المسلمين وسجن آلاف منهم، وتعرضوا للتعذيب وتم ترحيلهم. وإذا كانت قد تمت عملية شيطنة كاملة للمسلمين بدعم جماهيرى واسع فقد استخدمت الآلة العسكرية لقتل الأفغان، وأصبحت العنصرية ضد المسلمين أو فوبيا الإسلام تعمل فى خدمة المشاريع الإمبريالية» [صـ12].

ولهذه الأسباب شمرت الباحثة الهندية غير المسلمة هى وعدد من زملائها من الباحثين الجادين، عن سواعدهم فى إعداد هذا الكتاب لكن «ديباكومار» تبدأ وبتواضع شديد معلنة «ليس هذا كتاباً عن الإسلام فلست متفقهة فى الدين، ولا أزعم أن لدىَّ معرفة واسعة بهذا الموضوع، وإنما هذا الكتاب يستهدف فقط كشف الصورة الكاذبة المنبثقة من رغبة وحاجة الإمبريالية التى روجت لفكرة تبناها الكثيرون ومنهم التقدميون، والتى تزعم أن المسلمين عموماً أكثر ميلاً للعنف من أى فئة دينية أخرى.. إنه كتاب يتحدث عن (العدو المسلم)، وكيف لفقت هذه الصورة وروجت لإثارة العنف والكراهية لدى الجمهور، ثم تنطلق المطامع الإمبريالية وسط تأييد من هذا الجمهور». وتمضى المؤلفة لتتحدث عن التناقض الذى يبرز فى السياسة الإمبريالية تجاه الإسلام والمسلمين وتقول «فأثناء الحرب الباردة وحتى الثورة الإيرانية عام 1979 كانت أمريكا تؤيد بحماس تلك القوى التى يمكنها أن تؤسلم الشرق الأوسط [وطبعاً فى مقدمتها جماعة الإخوان] وتحشدها لمواجهة أولئك الذين كانوا يمثلون تحدياً لنفوذها، وهم القوميون - العلمانيون - اليسار. وفى ما بعد السبعينات تحالف الأمريكيون مع الإسلاميين الذين كانوا يقفون فى صف الإمبريالية الأمريكية وحتى بعد 11 سبتمبر وفيما كان يجرى تصوير المسلمين كمجموع أنهم عدو ظلت هذه السياسة مستمرة» [صـ16]. وتتحدث المؤلفة عن مثل هذه الظاهرة دوماً قائلة إنه «عندما تدخل دولة فى حالة عداء مع عدو خارجى فإنها تتحول حتماً ضد هؤلاء الذين تعتبرهم تجسيداً لهذا العدو داخل حدودها. فحالة المسلمين فى أمريكا الآن تشبه شبهاً شديداً حالة الأمريكيين اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية» [صـ17].

ولكن حصيلة مخيفة لبحث «ديباكومار» تؤكد لنا أن سياسة دائمة لكثير من المستشرقين كانت تقوم بشيطنة الإسلام ذاته، وتخصص عشرين صفحة من كتابها [وهى صفحات 67-86] لمناقشة سلسلة الأكاذيب التى رسخها كثير من المستشرقين ضد الإسلام ذاته وهى:

الإسلام ديانة أحادية الخواص وزائفة - الإسلام ديانة متحيزة جنسياً [ضد المرأة] - العقل الإسلامى غير متسم بالمنطق ولا بالعقلانية - الإسلام ديانة تتسم بالعنف بطبيعتها - المسلمون لا يقبلون بالديمقراطية.

وليأذن لى القارئ أن أتوقف قليلاً لأسجل ملاحظتين من عندى: الملاحظة الأولى هى أن جرائم داعش والقاعدة والإخوان الإرهابية وزعانفهم فى كل مكان، وهى الجرائم الشديدة البشاعة والوحشية، تصف الكتابات الإعلامية وحتى الدراسات الأكاديمية الغربية القائمين بها بـ«المجاهدين» ومن ثم فإن الجهاد فى الإسلام [وهو شىء يختلف تماماً عن هذه الوحشية الإجرامية] هو ما يجرى الآن على أيدى هؤلاء المتوحشين المتأسلمين، أما داعش وجرائمها المتوحشة فهى تنسب إلى ما سمتها هى نفسها «الدولة الإسلامية»، وبهذا تترسخ الأكاذيب الخاطئة فى أذهان الجمهور لتوحى بأن الإسلام هو هذه الوحشية. والملاحظة الثانية هى أن السادة شيوخنا الأعلام، وهم على ما هم فيه من علم بالإسلام، لم يناقشوا أبداً ظاهرة الاستخدام اللغوى الخاطئ والمتعمد لتشويه صورة الإسلام.

لكننا لم نزل مع «ديباكومار» على حافة البداية.. ولنواصل.

عن الوطن المصرية