قرار القضاء المصري، بإحالة أوراق متهمين بقضيتي التخابر، وسجن اللطرون، إلى مفتي الجمهورية، في انتظار الموقف الشرعي إزاء أحكام الإعدام، هذا القرار، قد يؤدي إلى تأجيج الصراع الداخلي في مصر، ومع التنظيم الدولي للجماعة، لكنه بالرغم من صعوبة قبوله أو استيعابه من قبل حركة حماس، إلاّ أنه لا ينطوي على جديد جوهري فيما يتعلق بعلاقة الحركة مع مصر.
اللائحة تتضمن أسماء كوادر تنتسب لحركة حماس، القسم الأكبر منهم إما انهم شهداء، أو أسرى، وما تبقى منهم، لا فرصة لديهم لأن يتعرضوا للاعتقال من قبل السلطات المصرية.
المشكلة الأساسية هنا أن أزمة العلاقة بين الحركة ومصر، قد تتعمق أكثر، إذا طالبت مصر الحركة بتسليم هؤلاء المتهمين، وهو أمر من غير المحتمل أن تستجيب له حماس، ومن شأنه أن يجعل من شروط تطبيع العلاقة، أمراً صعباً، ومؤجلاً.
وبغض النظر عما إذا كان المفتي سيمنح الغطاء الشرعي لأحكام القضاء، وهو الأمر المرجح، فإن تنفيذ هذه الأحكام التي تطال عدداً كبيراً من القيادات العليا لجماعة الإخوان، وكوادرها الأساسية عملية التنفيذ هذه، قد تتأخر هي الأخرى، في انتظار، ردود الفعل التي ستصدر عن دوائر سياسية إقليمية ودولية عدا ردود فعل التنظيم الدولي للجماعة.
أحكام الإعدام التي صدرت قبل بعض الوقت لاقت انتقادات واحتجاجاً من قبل عدد من الدول الأوروبية ومؤسسات المجتمع المدني الدولية، وحتى من الولايات المتحدة فضلاً عن أطراف سياسية وحقوقية عربية وإقليمية.
من الحكمة أن تمتنع حركة حماس، عن إعلان مواقف متطرفة إزاء هذه الأحكام، ذلك أنها تواصل التأكيد على أنها حركة وطنية فلسطينية، رغم انتمائها واعتزازها بالانتماء للجماعة إلاّ أنها، ترفض التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي، وأنها تتمتع بقدر من الاستقلالية التي تفرضها شروط الوضع الفلسطيني.
نفهم ونتفهم مدى المرارة التي تشعر بها قيادات وكوادر وأعضاء حركة حماس سواء إزاء أعضائها المشمولين بأحكام الإعدام أو إزاء، قيادات الجماعة في مصر، لكن للسياسة والمصالح، والأوطان أحكامها والتي تكون قاسية في كثير من الأحيان.
حركة حماس، قدمت آلاف الشهداء والجرحى، على مذبح الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فإن المسألة ليست مسألة حياة أو موت بعض الأحبة، وهي التي فقدت شيخها المؤسس الشيخ أحمد ياسين، وعددا كبيرا من قياداتها ومؤسسيها.
في حسابات السياسة والمصالح، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس، محكومة لسطوة الجغرافيا السياسية، التي تخلق هذا التوازن في علاقة فلسطين، وقطاع غزة خصوصاً بمصر، تزداد الحاجة للمحافظة على هذا التوازن المكلف بسبب العدوان والحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وتزداد التكلفة بسبب استمرار الانقسام الفلسطيني.
تكلفة اختلال هذا التوازن لا تقع على حركة حماس وحدها ذلك أن تعامل مصر، مع مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، وكأنهم كلهم ينتمون لحركة حماس، يجعل سكان القطاع، ضحايا لاستمرار الأزمة بين مصر وحركة حماس.
كان لا بد من أن تميز السياسة ووسائل الإعلام المصرية بين موقفها تجاه حركة حماس، والإجراءات التي قد تتخذها بحق الحركة وكوادرها وبين الناس الذين يختنقون، وتتعطل أعمالهم بسبب إغلاق معبر رفح لفترات طويلة.
إن الالتزام القومي المتبادل بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري، وتلازم الجغرافيا، يفرض الفصل بين الأبعاد السياسية والأبعاد الإنسانية، وحتى بين اتفاق أو اختلاف المستويات السياسية الفلسطينية، وبين الحاجات والمصالح الملحة للفلسطينيين.
قرار القضاء المصري يستقبله الناس في قطاع غزة، باعتباره مؤشر إحباط وقلق، إزاء إمكانية فتح معبر رفح خلال فترة قصيرة رغم أنه مغلق منذ أكثر من شهرين.
ثمة مخاوف لدى المواطن الفلسطيني المتضرر من استمرار الانقسام ومن استمرار وتفاقم الأزمة بين حماس ومصر، من أن يؤدي تفاقم الأزمة، إلى تشجيع الاتجاهات التي تسعى للتوصل إلى تفاهمات عن طريق وسطاء بين حركة حماس وبين إسرائيل يعملون من أجل الاتفاق على هدنة طويلة مقابل السماح من قبل إسرائيل بميناء ومطار إضافة إلى تسهيلات أخرى تتعلق بالحصار والمعابر، ولوازم عملية إعادة الإعمار.
ولكن إذا كانت السياسة لا تعرف الثبات، فإننا نفترض أن الأزمة بين الشقيقين التوأمين غزة ومصر، لا يمكن أن تتحول إلى وضع دائم فثمة دائماً حلول، تفرضها الضرورة بما أن فلسطين كلها وليس غزة فقط هي امتداد للأمن القومي المصري والعكس أكيد، بالإضافة إلى أن مصر لا يمكن أن تخرج عن جلدها وهي التي دفعت آلاف الشهداء في الكفاح من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة.
غير أن المطلوب عند البحث عن حلول، تقليل الثمن، وتقصير الزمن، ما يستدعي أن تبادر حركة حماس سريعاً نحو تحريك عملية المصالحة باعتبار أن الإطار الوطني الواحد الموحد هو المعني والقادر على تنظيم العلاقات الفلسطينية مع الأطراف الخارجية.
المسؤولية الوطنية تقضي بإلحاح بأن يتحرك الرئيس محمود عباس، نحو معالجة العقبات التي تحول دون دفع عجلة المصالحة، ذلك أن الشعب ما عاد يحتمل عملية التعزيز المتبادل والحسابات المتضاربة لطرفي الانقسام.