جَفْنُ الغزالِ أراهُ اليومَ مَكْحولا
ما بالُهُ ! ويُعيدُ الّلحْنَ تَطويلا ؟
ما بَدَّلَتْهُ يدُ الأزمانِ عن وَلَهٍ
ولا أظنُّ لعشقِ القدسِ تبديلا
فإنْ تحوَّلتِ الأحبابُ عن جِهَةٍ
فليس يرضى لهذا الحُبِّ تأويلا
كأنّها ذَهَبُ الجَنَّاتِ في سُحُبٍ
ووجهها الطِفْلُ بالإشْراقِ مَغسولا
فالقدسُ أجملُ خَلْقِ اللهِ ، ما بَقيَتْ ،
وكلُّ ما قد ترى في الكونِ تَجميلا
هي الفراديسُ ، نورُ الخالدين بها ،
وحولَ أسوارِها الدُّنيا وما قِيلا
كَمْ شاقَها العازفُ الذَيّالُ إنْ ذُكِرَتْ
وكَمْ رَمى فوقَها بالدَّمعِ مِنديلا
فالسَّروُ أوتارُهُ الغَنّاءُ إنْ صَعدتْ
بها الغيومُ على مَدِّ الهوى ، مِيلا
ويفتحُ الزَّهرُ في الشُبّاكِ شُرْفَتَهُ
على الأزِقّةِ منثوراً وقِنديلا
وفوقَ قَنْطرةِ العُشّاقِ إنْ هدَلَتْ
حمامةُ الدارِ يَأتِ الفجرُ مَعْسولا
يا أُمَّ سبعةِ أبوابٍ .. ونفتَحُها
عرضاً ، لتغمُرَها الأقمارُ ، أو طُولا
لَكَمْ غَفَتْ نجمةٌ في الحيِّ عاشقةٌ
وشوقُها سُكَّرٌ قد ذابَ تقبيلا
وَكَم تعانَقَ لِبلابٌ على حَجَرٍ
وَراحَ في ياسمينِ الحُوشِ تَهْليلا
وَكَم تَحَمَّلَتِ القمصانُ مِن ثِقَلٍ
والريحُ تَحْمِلهُ للغُصنِ تَحْميلا
وَكَم حَلِمْتُ بأنّي في كنائِسها
شمعٌ يُضَوِّعُ للأعراسِ إنْجيلا
أو في المصاطبِ دمعُ الشيخِ ، إذْ نَزَلتْ
بهِ الملائِكُ قُرآناً وترتيلا
فَمَنْ يُعِيدُ إلى النّارِنْجِ رِفْعَتَهُ
ومَنْ سيبعَثُ في نَبْعاتِها النِّيلا
ومَنْ سَيُرْجِعُ للأشجارِ طائرَها
ومَن سَيُهدي إلى الزَفَّاتِ إكْليلا
ومَن سَيَلبسُ ثوبَ العيدِ في بلدٍ
قد ذَبَّحوهُ مَراجيحاً وأرغولا
لقد أعادوا إلى الآلامِ سِيرَتَها
فكانَ مَنْ حَمَلَ الاشواكَ مَقتولا
***
يا وردةَ السُّورِ ، مُشتاقٌ وبي أَسَفٌ
وكنتُ ، عن قُبَّةِ المِعراجِ ، مَشغولا
وَدِدتُ لو أنّني في المهدِ ، ما كبرتْ
بيَ البتولُ ، على الأيامِ مجهولا
ولا أرى جَرَسَ الأنوارِ يكسِرُهُ
غُولٌ يُفَرِّخُ في أحشائِنا غُولا
ويَكْتمُ الصوتَ في علياءِ مِئذنَةٍ
وأنتِ مِحْرابُهُ .. والقِبْلَةُ الأولى
ألمْ تَروا ؛ إنَّهُ عيسى بِمِحْنَتِهِ ..
وَهَا .. بُراقُ ابْنِ عَبدِ اللهِ مَخذولا
يا قدسُ ، يا فَرَساً ألْقَتْ أَعِنَّتَها
وأنزلَتْ سُورةً للنارِ تنزيلا
لكِ الصغارُ ، فقد جاءوا على وَتَرٍ ..
وسيفُكِ البَرْقُ معلوماً ومجهولا .